الطاهر لكنيزي
لن يُشاكِس خطواتي حجر
لن يشاكس خطواتي حجرٌ
يتأبط وعْثاء أسفاري
أو يعاتبني،
يتوشّح في حضرتي قمرٌ
طالما الْقمْته أسماك أسراري
وفُُتاتَ الصّورْ ..
لن تُغافلني بسمة مُتربّصة
فتشعّ على شفتيّ شموسا
كفرحة طفل
إذا اعْشَوْشَب الدفءُ في مقلتيه
وأضْحى الحلم شجرْ..
لن تدغدغني ضحكة خضراء
مثل أنامل وهْمي
فأمتح قهقهة مترنّحة
من قرارة همّي
أهرّقها في نفوس السذّج مثلي
نتعاطى كؤوس الهزل
ونشرب نخب تفاهتنا
حتى نتقيأ مُرّ الضجر ..
لن أجَرّم نفسي
أبكّت حسّي
كما كنت بالأمس
لو نزق الفكر
أو جمحت خيله
وتقرّت شدا نزوة في غياهم شكّ
تبرّأ من حِكَمٍ وعِبر..
لن أقرّع روحي
بسوط النّدامة أجلدها
مثل سكّير مُفلِس
عضّه دنَف نابح
وتناوشه أسف ذابح
كي أكفّر عن ذنبي
وأكدّس حزن العالم في قلبي
لو خفّت موازينه
كقلوب البشر ..
لن يفْغمني عطرٌ سائب
أو يغمرني ظلّ هارب
أتقفّى هسيس العبير
لأعرف لون الوردة
أو أسرار الأنثى التي
دلقتْ في عبّ الشارع
وشوشةً كهميم السّحر ..
قد تُنضِجُ جلد حذائي الوحيد
بسوق الخردة شمس الظهيرة
أو يرتدي بُردتي
شحاذ محترف كالصرّار
يُسقى بباب النّملة
أوّل لازمة من نشيد المطر..
ستُحَمْحِم في الدولاب فساتينُ أرملة
ما زال العقد الثالث يرعى قطيعَ فراشاته
في مرابع بهجتها
تنحني ، تعانقها
وشجا البوح والذكريات
والقُبَل التي شردتْ ذات شوق،
فحطّتْ بأفياء أقراطها ،
لم يزلْ يتضاغى بأذيالها
ستهزّ رمالَ توحّدها سافياتٌ أُخَر..
لن يَمسّ جنّ القريض قصيدي
فتسكنني علّة وزحاف
أقصّ أظافر نصّ قصير
و تُسكرني نشوة الانتصار
فأنفش ريش الزّهو
في فرح طاووسي لأفاخر ندّا
أطمئنني أنّ لي قلما في الشّعر
أو قدما في الأرض كنخلة جدّي
لكم أوصاني أن أرعى الفسائل
لا أن أغير على الطّلع قبل القطاف
أيذكره ظلها المنتشر ؟
لن يكون الطوفان من بعدي
ويغيض الرّوق بخدّ الورد
وتنكرَ أفوافٌ عُرْفَها ؛
ستنوح الكمنجات
تسبُل لحنا دفيقا بكأس السّمر ..
لن تحنّ إلى باحتي
أتسنّم إيقاعها
و أصالح ليلي حين تبينُ سعاد
وفي خاطري همسُها المنكسر ..
لن تعزف حزني أفانينُ صفصافة
دبّجتُ على صدرها العاري
بدمي والمسمار حرفيّ الجوى
ونثرت على ظلها المتجرّد
أول أشعاري
كمراهقة يتهجّى حروفَ الهوى
نبضُها المستعر..
لن يكون الطوفان من بعدي
حين أصبح ملحا بدمع القصيدة
أو نسغا في عروق الشجر.
خرير الحنين*
أسبل ذيول البسمة الوطفاء
والجم خيول الغضبة الحمراء
لملم عنادك إن قلبي قارث
يستفّ تربة الوحدة الدهماء
وافسح لشمس الودّ تمش الخيزلى
في قلبك المشنوق بالأنواء
كي يرتق الأفراحَ خيطُ غزيلها
ويغور روق الظلمة الدهماء
ويسيل وجدك جدولا مترقرقا
ينساب بين مشاتل الأحناء
وينمنم البوحُ البهي لقاءَنا
ونذوب في همساتنا العيطاء
ونعانق الشوقَ القديم حديثَه
فتنزّ وهْوَهة من الأحشاء
هلاّ هددت حصون الصدّ جملة
ومددت جسر الصراحة النجلاء
وبنيت للأحلام عشّا باذخا
لتغرّد النجوى بدغل خوائي
جرّد ظلال الشكّ من أفيائها
لترى غضارة روحي البيضاء
كم سُقتُ عيسَ صبابتي ملتاعة
لمنابع الأحلام والأهواء
فتدلّهتْ والهجر أدمى شوقها
لما نصَبتَ كمائن الشحناء
وخبلتُ حين شربت كاسات النوى
ممذوقة بضرامك الزرقاء
وتركتَ عقلي بين كثبان الأسى
يتلمّس الأسماء في الأشياء
ويسائل القلبَ المُعلّلق نبضه
في حيرة عن واحتي الغنّاء
شاخت حساسين الهوى فينا وما
شاخ الحنين بصبوتي الهيماء
ذرفتْ على الماضي لحون مناحة
كمخارم النايات بالصحراء
ألقت حمائمنا على أقماره
أسجاع سحّتْ من غميس الدّاء
فصِلِ الفؤادَ بكلمة مطروزة
بالودّ لا بالضّحكة الشهباء
كي تورق الكلمات مثل فسيلة
أو وردة في روحك الجرداء
ويصوغ منه طنينَه نحل الجوى
ويصبّه في روحك الخرساء
فالنّهر رغم السدّ يطْفر مده
ليبوح بالأسرار للحصباء
والورد يطرح للنسائم عطره
لتدسّها في خاطر العذراء
والبحر يدفن في الرمال هديره
ليصيخ موجه للخرير النائي
هذي حبال حُشاشتي ممدودة
فانشر غسيل شجونك الخضراء.