” لدي ما أعده لنومي الأخير “

(ثقافات)

” لدي ما أعده لنومي الأخير “

عماد مدانات

بالأمس…

قبل مغيب الشمس بدمعة واحدة

رأيت رجلًا يجز العشب في حدائق الناس ،

كان حزيناً

تائهاً كفكرة ضائعة

كنت مثله حزيناً ، في رأسي شظايا زمن طويل

همس لي :

– اعطني حفنة من ذكرياتك لأحرق المدينة !

حملت رأسي وهربت !

هربت

قبل أن يتبعني الدخان الى مدن مجاورة

وخبأت بكائي الى حين !

* *

سأنام يا “سلمى” على جثة الرماد في وقت آخر

سأغفو

ولن أخبر أحداً أن خاصرتي لهب

وجبيني نهار

حتى يأتي رجل آخر،

يقف في زاوية الحقل

يحدق في وجهي بتعب جذع قديم قبل أن يبوح بكلمة واحدة..

ثم أمضي !

* *

لديّ الآن ما يدرب أصابعي على العبث بعيداً عن المرايا القديمة

لدي حدوسي

لدّي ما أعده لنومي الأخير

وكيف أنجو من هواجسي الغليظة كحبل مشنقة عتيق !

لديّ ظل يعرف قامتي

لدي خاتمة أحيكها قبل احتضار اللغة على لساني في الساعة الأخيرة

أقلُها يا حبيبتي

أنحت صورتك برمش عيني على وتر القصيدة

لتولد منها أساطير الانتباه

وأمنحك صدري نظيفاً من الشهيق المُر

ومضيئاً كأصابع طفل في الصباح!

أرأيت يا حبيبتي كيف اختلط الأمر

حين جاء الغبار من أقاصي المدينة حاملاً معه رمد العين ، وخفة المسافات

السواقي تجر أحزانها الى صريرها المعهود

والنجمة التي تشبه أحلام الشعراء ذبلت في طريق الغدر كالحرائق

والسكير الذي أصادفه كل مساءٍ عند مداخل الحارات

لم يعد بارداً وممزق اليدين كالجدران العتيقة

رأيته بالأمس يرتدي ربطة عنق بلون البحر، ويتدلى من صدره قلادة تشبه زهرة “الزنزلخت”

كان يصنع “كمنجات” من فضة اليدين

ويعزف موسيقى ” الراعي الوحيد” تحت القمر

ويراقص الشجر الغريب،

بحزن امرأة فقدت بهجة العيد على قبر وحيد !

حتى الرعاة تغيرت ملامحهم في براري العدم،

خرافهم الشقية بربطات عنق، وأحذية من عشب

ليلهم بلا سهر

بلا غناء تحت غيم الظهيرة

بلا حصى يجرح مجسات الصباح

بلا ذئاب ترصد النعاس

بلا دخان يفتح شهية التائهين الى الدفء

بلا انتظار يقدس الغيب

* *

ماذا تبقى…

سأنام كالذبيح وأحلم بالنهار

على الأقل سيعذرني الوشاة على مساحة الامنيات

و اتساع القبر

وكمية الهواء في رئتي المتعبة

ويكذبون على رجل يعد أحزانه في الجوار!

شاهد أيضاً

رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان

(ثقافات) رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان  صفاء الحطاب تذهب بنا رواية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *