(ثقافات)
العريقي وصراعة مع الشيطان في روايته الأخيرة
الغربي عمران
كثيرا ما تساءلت، حول الغاية من مناقشة أي عمل ادبي ما؟
لأجد الأجوبة تتسابق، مفضلا منها: أن نظهر تذوقنا الأدبي، ونعبر عما ترك فينا ذلك العمل من تأثير، وما حُملنا به من إدهاش بعد قراءته.
بالأمس القريب ناقش عدد من الأدباء والأديبات في نادي القصة بصنعاء، رواية “يوم مات الشيطان” للكاتب أحمد قاسم العريقي، منهم الأساتذة. عبد الكريم قاسم، عبد الفتاح اسماعيل، نجاة باحكيم، علي العجري، أزال الصباري، والروائي اللفات أحمد السري وآخرون
تعودنا أن نسمعهم يبالغون في شرح مضامين العمل. لكنا في هذه المرة استمعنا أيضا إلى من تناول فنيات العمل. مسلطا إلى ما يحمله من رمزية والاعيب تفضح ما يعتور حياتنا من ظواهر قضايا اجتماعية وسياسية وفكرية سلبية، اضافة إلى دلالات بعض ما صراع الروح والمادة في الرواية.
ذلك النقاش أثار إعجاب الحضور، وجلهم من الأدباء والأديبات، من لهم أعمال أدبية ومن يكتبون وينشرون دوما.
بدوري قرأت “يوم مات الشيطان”، ولفت انتباهي تعدد الرؤى في مضامين هذا العمل، ، فالكاتب رغم تركيزه على محور أخلاقي قيمي، إلا أن تعدد ثيماته منح العمل أبعاد فنية، وذلك ما يدل على قدرة الكاتب إيصال ما أراد إيصاله في روايته بطرق مختلفة.
“يوم مات الشيطان” عنوان لافت لا يمكن استنتاج ما يريد الكاتب إيصاله إلا بقراءة المتن. فمحتوى العمل جديد، خاصة في جانب تناول الا معقول أو الفنتازي.
فنية أخرى دفعتني لكتابة تحياتي هذه لكاتب غزير الإنتاج. حين وجدت تلك الثنائيات التي أتبع نسجها الكاتب في بناء عمله هذا، بداية بنسج أحداث هذه الرواية في مسارين متوازيين. حياة الواقع يوازيها حياة الا معقول، الأول تدور أحداثه في زمن واقعي، زماننا وما نعيشه من حرب وخراب، الثاني انتقال روح المصاب بعد قصف صاروخي على صنعاء إلى عالم سحري لا يوجد في قلوب أفراد ذلك المجتمع الحقد ولا الكره ولا الكذب… فجسد مروان” الشخصية المحورية للرواية ظل مسجى على سرير المستشفى، ومن حوله أفراد أسرته يعيشون قلق من طول غيبوبته، ويخافون موته، بينما روحه انتقلت إلى عالم فردوسي وأفراد مجتمع مثالي أو ملائكي بكل ما يعنيه الخيال. ظنته روحه بأنها في الفردوس ، الحياة الأخرى. هنا تجسدت الثانية بين حياة الروح، وحياة الجسد.
الثنائية الثانية، حين يقسم الكاتب حياة رواح مروان بعد انتقالها إلى زمنين: ق، ج ، أي قبل تلقيحه، وثاني ب، ج. أي بعد تلقيحه وخليصه من سلبيات أحاسيسه ليتحول واحد من ذلك المجتمع إلى ما يشابه طبائع الملائكة.
ثناية أخرى تجسدت في تصوير لحياة الواقع بالجحيم، وهي حياة الجسد وشهواته ورغباته وأطماعه، وحياة النعيم المتعلقة بحياة الروح، الخالية من كل السلبيات.
من الصعب أن نسرد هنا خصائص العالمين ، العالم المادي، والذي يشير الكاتب إليه بالجحيمي كما ذكرنا والعالم الروحي الأخروي الذي يرمز إليه بالروحي.
وهناك ثنائيات أخرى، تمثلت في بناء الرواية من فصل، تسبقه عتبة من وكل عتبة لا تتجاوز كلمات عشر. وهكذا الستة فوصل التي تمثل المتن، تسبقها عتباتها، التي مثلت نصوصا مستقلة، بدلالات محتوياتها، ومضامينها الفلسفية العميقة، وهي أقرب إلى مؤشرات رمزية لأبعاد روحية وفكرية. أيضا ثنائية الأسماء، مثل علي ومعاوية… الخ تلك الأسماء ، أيضا ثنائية الأنا الناقصة، والانا الكاملة….
من يتابع نتاج الأديب العريقي سيلحظ غزارة إنتاجه، وأيضا تنوعه بين الرواية والسيناريو والشعر… ايضا سيلحظ ميله لمواضيع خارجة عن المعقول يعالجها في أعماله، بذكاء يحاكم ويعري الواقع مستخدما تلك العولم الخيالية أو النتازيا. وتلك ميزة قل أن نجد بين كاتباتنا وكتابنا من يمتلك القدرة على تطويعها، وهنا أذكر أرياف التميمي وروايتها، وأيضا القاصة رانيا الشوكاني التي تنتهج في قصصها هذه الطريقة.
العريقي بتلك القدرة على تطويع الخيال باستخدام الا معقول لمعالجة ما يريد طرحه، جعلها بصمة يتميز بها. فهو الكاتب الذي تطرقت جل أعماله لعوالم ما وراء الطبيعة، أو عوالم مستقبلية، فاضحا واقعنا المرتبك فكريا واجتماعيا… يوم مات الشيطان عمل يستحق النقاش والقراءة.
هي تحية لأديب متميز، ولعمل مختلف، اتمنى له الانتشار داخليا وفي أنحاء وطننا العربي. كما أتمنى أن يترجم.
بالطبع لن أفصح عمن يقصده الكاتب بالشيطان ولا متى موته، بل أترك للكاتب أن يقرأ الرواية ويكتشف أبعاد ذلك التناول.
فدوما ما أتشوق بعد كل عمل أقرأه له أن يأتي بعمل جديد لما يمتلكه من خيال يبعث على الدهشة، ولجرأته في طرق الأبواب المغلقة.
مرتبط