دروب حمزاتوف الوعرة
حسن مدن
ذات يوم استلم الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف (1923 – 2003) رسالة من محرر مجلة. حين فتح الرسالة وجد أن مرسلها يطلب منه أن يشارك في ملف للمجلة عن بلده داغستان، عن العاملين البسطاء فيها: مآثرهم وآمالهم. «ليكن حديثك عن غد منطقتك الجبلية المشرق وعن تقاليدها الموغلة قروناً في القدم، وليكن أيضاً، وبشكل رئيسي، عن حاضرها الرائع. وقد قررنا أنك أفضل من يستطيع أن يكتب في هذا الموضوع النوع الذي ترتئيه: أقصوصة، مقالة، مقالة صحفية، مجموعات لمحات وصفية، حجم المادة المطلوبة 9 – 10 صفحات على الآلة الكاتبة، والمدة المتاحة لإنجاز ذلك بين 20 – 25 يوماً».
مستهجناً، يتساءل حمزاتوف: «هل قرر محرر المجلة كل شيء بالنيابة عني؟ هل قررت أنا أن أتحدث عن داغستاني في تسع صفحات وفي فترة عشرين يوماً؟»، وقرر أن يستبعد تلك الرسالة التي وصفها بالمهينة له، وما هي إلا أيام ويأتيه اتصال هاتفي من المحرر نفسه، بدأها بالقول: «مرحباً رسول!. هل استلمت رسالتنا؟»، فأجابه بنعم، مضيفاً أنه مشغول ولا وقت لديه للوفاء بما طلبه المحرر منه، فجاءه الرد الحازم من المحرر: «ماذا تقول يا رسول! لا مجال للاعتراض. عدد نسخ مجلتنا مليون تقريباً، وهي تُقرأ حتى خارج حدود بلادنا، وإن كنت مشغولاً بالفعل، سنرسل لك رجلاً ستزوده ببعض الأفكار والتفاصيل وهو يتكفل بالباقي، وستقرأ بعد ذلك ما يكون قد كتبه وتصححه ثم توقع. الشيء الرئيسي بالنسبة لنا اسمك».
لم تفلح تلك التوسلات في ثني حمزاتوف عن موقفه، لكنه وهو يشرح كيف نشأت فكرة كتابه المدهش «داغستان بلدي» في مقدمة تمهيدية للكتاب بعنوان: «كيف ولد هذا الكتاب؟ وأين كُتب»؟، قال في نهايتها التالي: «عزيزي محرر المجلة سألبي الطلب الذي تضمنته رسالتك. وسأبدأ عما قريب كتاباً عن داغستاني. لكن اعذرني فالوقت الذي حددته لي لا يكفيني. كثيرة جداً هي الدروب التي عليّ أن أمشيها، والدروب عندنا في الجبال ضيقة جداً ووعرة جداً».
التسع أو العشر صفحات التي طلبها المحرر، أصبحت عند حمزاتوف كتاباً زاد عدد صفحاته عن خمسمئة صفحة، وأعيدت طباعته عشرات المرات، وترجم إلى عدة لغات بينها العربية، فقرأه الملايين، وليس فقط المليون قارئ للجريدة. كتاب لا نملّ من العودة إليه، وكأننا نقرأه لأول مرة.
نعود إلى حمزاتوف اليوم لأن في إحدى مدن بلاده داغستان سيجتمع بعد يومين فنانون تشكيليون موهوبون من مختلف المدن، ليرسموا على جدران العمارات المتعددة الطوابق قصصاً مستوحاة من قصائده، إحياء للذكرى ال100 لميلاده.
- عن الخليج