(ثقافات)
مَصْرَعُ حُلْمٍ
هدى عبدالهادي
بَعْدَ عُمْرٍ مِنْ سُتْرَةِ وَطَنٍ تَطاوَلَتْ الأَيادِي، وَشَقَّ الصَفَّ فَسَرَقُوهُ، لَمْ يَبْقَ لَهُ سِوَى مِنْدِيلِها، وَغُبارُ رُكامِ الدارِ تَذَرُوهُ رِيحُ سِنِينَ مِنْ الاِقْتِتالِ، سَحَبَ المِنْدِيلِ مِنْ تَحْتِ حافَّةِ جِدارٍ مُنْهارٍ وَجَثَى عَلَى قَدَمَيْهِ. ضَمَّهُ شَمَّهُ تَنَفُّسُهُ لَمْ يَجْرُؤْ قَلْبَهُ عَلَى نَفْضِهِ،
دَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى الأَمامِ، وَنَهَضَ فَنَهَضَ الخَرِيفُ مَعَهُ عَلَى طُولِ خُطاهُ وَحَتَّى الحاجِزِ الحُدُودِيُّ ظَلَّ يَجُرُّ نَزْفَ قَلْبِهِ وَوَجَعِ الغِيابِ يَتَمَدَّدُ فِي دَمِهِ… وَصَدَى سُورَةِ ثائِرٍ تُثْقِلُ رَأْسُهُ. تِلْكَ الأَرْضَ طَحَنْتُ عِظامِي سَلَبَتْ مَلْجَأَيْ الوَحِيدِ.
بَعْدَ نَحْوِ نِصْفِ يَوْمٍ مِن المَسِيرِ اِلْتَهَمَتْ خُطاهُ العَتْمَةُ. ها قَدْ وَصَلَ بَدَأَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ حَوْلِهِ يَدُورُ إِلّا جُنْدِيّاً لَمَحَهُ عَلَى الجانِبِ الآخَرِ. زَرَعَ وَتَداً ناداهُ “أَنْتَ أَنْتَ تَوَقِفُ” رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَاِرْتَدَّ بَصَرُهُ لِلخَلْفِ. مُعَلَّقٌ بِخَيْمَةٍ… صُمَّ أُذُنَيْهِ وَدَنْدَن” سَتَعْلَمُ أَنَّ العَيْشَ حُلْمٌ سَتَعْلَمُ أَنَّ الوَطَنَ أَمْ.. ظنَّهِ سَكْرانُ… وَقَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ هَوَى جَسَدِهِ المُنْهَكِ عَلَى حافَّةِ السِياجِ، لِتَرْتاحَ رُوحُهُ فِيما اِزْدَحَمَتْ عَدَساتُ الصَحافَةِ لِتُوَثِّقَ المَشْهَدَ…
صارَ عِلْماً يَذْكُرُهُ الناسُ عَنْ الغَرِيبِ وَالوَطَنِ… باتَ العاشِقُ يَحْمِلُ مِنْدِيلَهُ المُرْقَّطَ رَمْزاً، وَيُدَنْدِنُ تَحْتَ شُبّاكِ حَبِيبَتِهِ، سَتَعْلَمُ أَنَّ العَيْشَ حُلْمٌ سَتَعْلَمُ أَنَّ الوَطَنَ أَمْ…