سؤال في النقد

(ثقافات)

سؤال في النقد

نداء يونس*

قبل أيام طرح موقع ثقافات سؤالا حول النقد الأدبي وحاجتنا إليه، ما زلت أفكر في تعقيبي عليه والذي طرح في جزء منه عدم حاجتنا إلى النقد. ربما أعتقد بهذا لأسباب لا علاقة لها بموت النقد وسياقاته غير الجمالية والشخصية عموما، بل بعدة أمور منها:
– حاجة النقد إلى النص أيا كان نوعه حتى يفحص تنظيراته ومدى اشتغالها وفي هذا قول كثير أقلُّه أن الناقد يطبق تنظيراته التي تمدرس عليها وتعلمها، بينما لا يلجأ الشاعر إلى نظرية أو مفاهيم مسبقة ليكتب، بل لثقافة تنعجن في روحه وتخرج جزء طبيعيا مما يكتب فكل اناء يفيض بما فيه.
– أن النص الجيد هو الذي يقود النقد، لا العكس، هو الذي يجعل النقد يتطاول ويستجلب ثقافة واشتغالات أوسع للاشتغال عليه.
– أن نظريات النقد باتساعها وجمالياتها وحتى تلك المنهجية مثل الأنساق الثقافية أو السيميائية، وغيرها لا تمتلك أدوات يمكنها أن تُخضع نصا – الشعر تحديدا والذي يشتغل بخلفيات معرفية على تنظيرات أوسع مثل النظريات الاتصالية والفيزياء ومفاهيم السرد وإعادة انتاج اللغة ذاتها، وغيرها؛، وبالتالي يحدد النقد قيمة النص بما يفهمه منه لا بما يشتغل عليه النص. هناك نصوص تشتغل مثلا على اللامبالاة المزيفة والسيولة، وتشكل مركز جذب للهام والعميق والحقيقي، وهناك ما أسميه بلاغة السرد، وهذه تحتاج جهدا نقديا مخالفا لتقعيدها معرفيا.
– أن لدي مشكلة حقيقية مع كلمة إخضاع، فالنقد جزء من أدوات الهيمنة التي تعمل على إقصاء الجديد والمخالف واللامفهوم في حينه والذي لا يشبه السائد أو المعارض والخطر. بمجرد قول هذا، يتحول النقد إلى أداة سلطوية تؤطر وتحجم وتقولب وتصنف، والشعر والابداع نقيض هذا كله.
– أن النص ياتي أولا ثم النقد، لا العكس. وأن هناك من يكتب دون أن يعلم شيئا عن النقد أو أي شئ خارجه لكنه يؤسس مثل رامبو، وان هناك من ينظِّر لكنه لا يطبق شيئا من تنظيراته حين يكتب.
– أن الشعر أوسع من النقد، وأن التأويل يعتمد على ثقافة المتلقي، وأن الشعر ذاته ليس ظاهرة يمكن اخضاعها للتأويل أو مادة يمكن إدخالها في المختبر والخروج بنتيجة محددة ودقيقة تُقرأ بالكسور العشرية، وأن النقد يمكن تعريفة لا الشعر.
أن الشعر يظل تحدي النقد الأول، فكيف يُعرِّف المعرَّف والمحدَّد ذاك الإبداعي الذي بلا بدء ولا خاتمة، وكيف يحدِد المرئي حدود اللامرئي، وكيف يرسم الخارجي المقيد حدود الذاتي والفردي الحر،
– النقد لا يمكنه أن يكون سكينا لقطع الهواء، لكنه، ربما، وسيلة لإثبات وجوده من خلال محاصرة جزء منه في حيز مغلق، كما يفعل بالون بالهواء.

– اخيرا، الناس تقرأ الشعر، والشعراء يقرؤون النقد.

  • أديبة من فلسطين

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *