الفيضان لحيدر حيدر.. رهان على ثورية الحرف
وفي محاولة منا لتسليط بعض الضوء على عبقرية صاحب “وليمة لأعشاب البحر”، وأثره البارز في الرواية العربية، وتأثيره في أسلوب القص لدى الأجيال اللاحقة له، ننشر تلك القراءة النقدية في مجموعته القصصية “الفيضان”، والتي سبق نشرها في عدد مارس الماضي من مجلة ميريت الثقافية.
تعد سمة المقاومة المرتكزة على الوعي الجمعي، هي أبرز السمات التي يمكن رصدها في تاريخ الجماعات والدول والأمم، لبيان وكشف جوهر العقل والوجدان الفردي والجمعي خلال فترة زمنية ما، طوال تاريخ الإنسان على الأرض؛ لذا فإن «أدب المقاومة» يصبح أدبًا إنسانيًا، موضوعه وهدفه الإنسان، يهدف في الأساس للكشف عن حقيقة جوهر «الوجود» بالمعنى الفلسفي؛ وعليه فإن رصد التاريخ النضالي للإنسان وحده، هو القادر على كشف الحقائق، وبيان حكمة الوجود الإنساني.
إلا أن هناك خلطًا شائعًا بين «أدب المقاومة» و«أدب الحرب»، فأدب الحرب معني بالدرجة الأولى بالتعبير عن التجربة الحربية (المعاشة)، بينما أدب المقاومة أعم وأشمل، ويضم كل التجارب المعنية بمقاومة فساد وقهر واحتلال واستبداد ما، وهو الأدب المحفز على البناء والتحول الاجتماعي الأفضل.*
ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار المجموعة القصصية “الفيضان”، للكاتب والقاص السوري حيدر حيدر، أحد أشكال أدب المقاومة، فهي على تصويرها لمآل الدول العربية التي اُحتلت في فترات ما من التاريخ الحديث، والإشارة سواء ضمنيًا أم مباشرة لتلك الحروب التي عانى ويلاتها وطننا العربي، إلا أن تجاوزها لمجرد الرصد الشكلي، وعبورها إلى الانعكاسات النفسية والاجتماعية، ودعوتها الضمنية للمقاومة والثورة على الظلم، كل ذلك إنما يرجح كفة انتمائها لأدب المقاومة في معناه الأشمل والأعمق.
ففي مجموعته تلك تتمثل ذات حيدر الثائرة، وكأننا نراه في ظلال أبطالها، فهو إذن ذلك السوري الذي غادر دمشق إلى الجزائر ليشارك في ثورة التعريب، وهو نفسه من لحق بالمقاومة الفلسطينية مع بدايات الحرب اللبنانية.
إنه ذلك الأديب الثائر، الذي لم يكتفِ بالقلم سلاحًا، بل تجاوزه لفعل المشاركة، إنه العروبي القومي الذي أبى إلا أن يفنى عمره مقاومًا ثائرًا ضد الظلم أينما كان ووجد.
هكذا، توحد الكاتب مع أبطال قصص المجموعة، ففي كل قصة منها نلمح جيفارا العرب، الناقم الثائر على كل ضيم، والباحث الدائم عن حرية الشعوب وخلعها عباءة الاستسلام والمداجنة.
ولأن تلك المجموعة القصصية قد صدرت في طبعتها الأولى عام 1975، في بغداد، وفي طبعة ثانية عام 1982 ببيروت، وفي سوريا عام 1986،وفي طبعة رابعة عام 2006 بسوريا، فنراها تتعرض في أفكار قصصها الإحدى عشرة، للفترة من 1948، مرورًا بثورة 1952 وما تلاها من حرب التحرير بالجزائر 1954، وأزمة لبنان 1958، ثم تداعيات نكسة يونيو، وصولا لانتصار أكتوبر، حتى عام 1976، وذلك في الدول العربية التي رزحت تحت نير استعمار أو حرب أهلية أو غيرها، مثل مصر، فلسطين، سوريا، الجزائر، لبنان، العراق…
إذن فهي تعد توثيقًا وتأريخًا أدبيًا لفترات تاريخية فارقة وعصيبة في تاريخ الأمة العربية.
ويمكننا الاقتراب أكثر لإلقاء الضوء على نماذج من قصص تلك المجموعة.
* قصة “النمل والقات”
هي أول ما يطالعك في بدء تلك المجموعة، وبها يتبدى الانتقام من الأعداء كحلم، مجرد حلم، يثور خلاله البطل ليقضي على من وصموه يوما بالضعف والعجز، بل ويمثل بجثثهم، بينما هو في الحقيقة يبدو مستسلمًا لأحلام اليقظة، وتلك الأوهام التي تملأ مناماته، وفيها ينتصر ويحلق ملكًا يرفل في نعيم القصور وكنوز البحار، إلى أن تلوح الحقيقة، وبها يتأكد أنه حقا ضعيف إلى أقصى حدود الضعف، الأمر الذي يحوله صيدًا سهلًا وطعامًا مستباحًا لجيوش النمل، وجثمانا لا تدري أحقًا فارقته الحياة، أم أنه حيّ دونما حياة، إنها تلك المقارنة وذلك التماهي بين حال بطل القصة، وما يحياه العرب منذ زمن، فهم مكتفون بالحلم، وفيه يصولون ويجولون، ثم يستيقظون على واقع مرير، وقد استحالوا جثثًا مستباحة لمستعمر هنا وظالم هناك.
“هكذا بدأ محمود بن عبد الله الزبيري يثأر من أعدائه واحدًا واحدًا، وهو مستلق فوق عرشه بينما النمل الصغير الحقير
يصعد الجسد السابح في غيبوبته وأحلامه…..
كان النمل قد تحول الآن إلى جيوش. زحفت من كل فج عميق فاحتلت جسد الرجل الحالم، وراحت تجوس خلاله بحرية مطلقة، وإذ تأكدت بغريزتها النملية أن الرجل قد استوى خارج محيط اليقظة وأن المضغ قد توقف، رنت إلى ضحكته العريضة البلهاء الساكنة، ثم بدأت عملها الدؤوب بهذه الغنيمة التي تحولت الآن إلى ما يشبه الجثة” ص9
_ قصة “الرهان”:
وفيها يتخذ الكاتب من نماذج ثلاثة مثالًا لحال العرب، ودليلا على تشرذمهم واختلافاتهم الأبدية، فبين سوري وفلسطيني ومصري يدور حوار صدامي ينبع من العبث ويؤول إليه.
والأبطال الثلاثة إنما يرمزون إلى الدول التي كانت مستعمرة من قبل العدو الصهيوني آنذاك “قبل 1973″، أي أن الواقع ذاته والمصير نفسه يجمعهم، ورغم ذلك فالاتفاق هو أبعد ما يكون عنهم.
وقد عبر عن ذلك حينما قال متهكمًا:
” كان الثلاثة عربًا، كُتب على جواز سفر أحدهم فلسطيني، وعلى جواز الآخر سوري، وكان الثالث مصريًّا..” ص13
وكأن العروبة والانتماء تحولا لمجرد خانة في جواز سفر.
يؤكده ذلك اللهو والغي اللذان يجوث الثلاثة بهما، فبينما يخوض الفلسطيني في حوار عنيف “مجرد حوار وفعل كلامي” مع زميليه عن ضرورة قيام الحرب ضد العدو أم لا، نراه قد وصل لتوه من لقاء حميمي مع عشيقة يتباهى بقدراتها الجنسية، في إشارة جلية إلى استغراق العرب في لهوهم، بينما تتجه دفة الحوار أخيرا إلى رهان على قيام الحرب أم عدمه، ورغم اختلاف آرائهم إلا أنهم قد اتفقوا في النهاية على تهوين الأمر، لتتحول قضية أمة بأكملها إلى مجرد رهان ولعبة بين عابثين.
بل إنهم قد اتفقوا على حقارة الرهان، وكأن المرتهن عليه لا يستحق رهانا باهظا، فنرى الفلسطيني يقول” وهو أكثر العرب تضررًا”:
“لا تضخموا الرهان، من كبّر الحجر ما ضرب، ليكن عمن يدفع ثمن القهوة للجميع”
ونلحظ أيضا استخدامه لمثل يرمز للمقاومة الفلسطينية باستخدام الحجر “من كبر الحجر ما ضرب”، في مفارقة تدعو للتأمل.
فالقصة على بساطتها ووضوح فكرتها ولغتها، إلا أنها تحفل بالكثير من الدلالات والرموز.
فرغم أن المصري ثلاثهما، إلا أن هناك ما يشير إلى إدراك الكاتب لاختلافه، فبينما يقول إنه قد كتب على جواز أحدهم فلسطيني، وعلى جواز الآخر سوري، نراه قد أنهى جملته بقوله: ” وكان الآخر مصريًّا”، ص13 في تأكيد أن جنسية المصري ليست مجرد خانة في جواز سفره فهو مصري حقّا.
والأمر ذاته يؤكده وصفه لردة فعل المصري الذي حافظ على صمته ولامبالاته وهو منكب على قراءة الجريدة بينما يكاد صديقاه يتشاجران اختلافا، فما كان منه إلا أن أنهى الخلاف باقتراح الرهان:
” ولكي يعاد الهدوء قليلا بين متخاصمين في مقهى في مدينة غريبة، رمى المصري جريدته، أشعل سيجارة ثم قال باتزان بارد : ما رأيكما برهان”.ص18_19
إنه المصري الذي رغم ما بدا عليه من لامبالاة فهو الفيصل ونقطة العودة، والأخ الأكبر، وهو ما يرمز لقيمة مصر بين شقيقاتها العربية، ودورها الريادي منذ القدم.
*قصة “من الذي يذكر الغابة؟”
يبدو عنوان القصة دالًا وكاشفًا، فالغابة مكان قوت وعمل الفقراء، فمن ذا يذكر الفقراء..
فالقصة تشي بأكاذيب القرب من الفقراء والعامة، وأنها جميعا شعارات ليس إلا، فهناك بطل منتصر، ربما كان رئيسا لبلد انتصرت لتوها في حرب، لكنه على كل حال صار بطلا، وربما كان يرمز هنا للسادات، حيث كتبت القصة في ٧٣
وبينما ينتظر عامة الشعب والفقراء والفلاحون ذلك البطل المغوار القادم مارا من قريتهم الصغيرة، منوا النفوس بأنه حتما سينزل عن صهوة موكبه ويصافح الجميع، فهو كما يقال رغم شدته مع الأعداء، إلا أنه يحمل قلبا محبا عطوفا… هكذا سمعوا كما يسمع الجميع.
يصف الكاتب استعدادات تلك القرية النائية لاستقبال القادم فقد اصطفوا وقوفًا ينتظرونه رجالا ونساء وشيوخا، كل في أبهى زينته، يحمل كل منهم ما عنّ له من ورود وتمر ولبن، تحية له، وهو هنا يؤكد فقر هؤلاء وبساطتهم فهم لا يملكون سوى طعام الفقراء “التمر واللبن”، وليس لديهم ما يقدمونه من هدايا سوى الورود ونبات الغار الذي جمعته الفلاحات من الغابة.
“من كل مكان جاؤوا منه، حملوا باقات من الزهر وأغصان الغار الخضراء وجرار اللبن وعناقيد التمر، فلا بد للقادم التوقف أمام هذا الحشد ليسلم ويحيي ويتناول شيئا من طعام الفقراء بعد رحلته الشاقة، وإذ ذاك ستنثر الزهور البرية ويتوج بأوراق الغار التي أحضرتها الفلاحات من الغابة” ص56
ورغم فقرهم فقد أصروا على حسن استقباله، فها هو أحدهم يقف أمام المرآة يمرن نفسه على كيفية تحية الزعيم القادم، ويحار فيما يقدم له من هدية حرص على رغم بساطتها أن يقدمها، فكانت أجمل وردة في الغابة، حلم بأن يضعها في عروة جاكتته، هكذا ظن أنه سيكون مصافحا قريبا له.
وتتمادى أحلام البسطاء، حتى تحل الصدمة وسط انتظارهم غير الملول، بأن يمرق موكب سيارات فارهة لا تتوقف ولا يدرون أين البطل فيها، ليدركوا أنهم كانوا واهمين وأن الواقع مختلف تمام الاختلاف عن أحلامهم البسيطة.
“لم أفهم ماذا حدث. لم أستطع أن أفهم. لم أكن حزينا بقدر ما كنت مقهورا: أناقتي وصوتي وفرحي ذهبت سدى!”ص58
فيما يأتي مشهد النهاية معبرا عما يجيش بالنفوس من خيبة الأمل والانطفاء ، فيمزق البطل الوردة التي كان ينتوي إهداءها له، وينثرها لفتات، ويتساءل عندما يجد أصابعه قد صبغت بلون أحمر: أو قد جرح أم تلك صبغة الورد؟
في سؤال رمزي مؤلم، ندرك إجابته من مر صيغته.
“كطفل شرس رحت أسحق بين أصابعي تويجات الوردة الحمراء وأنثرها بعصبية فوق غبار الساحة.
شيء واحد أحسست به فيما بعد: بقع حمراء فوق راحة كفي، لم أفهم إن كانت دما أم أنها صباغ ورد” ص58
_ قصة “الفيضان”:
التحرر هدف البطل، فمن قيدٍ وظلم يؤرقه قرر فك قيوده، حتى أنه اعتبر قتله أباه وطلاق زوجته أولى خطوات التحرر، حتى إذا ظن الذي تحرر أنه وصل مبتغاه، اكتشف أن العالم أجمع يرزح تحت أصفاد العبودية والقيد، فلا يكون الخلاص هنا سوى بفيضان يجتاح تلك الصحراء ويشق في بور أرضها أسبابا للحياة.
وهو إنما يرمز بالفيضان للثورة، وهو ما يؤكده مشهد النهاية:
“عندما خلت الساحة بقي وحده .. ثم فجأة فتحت أبواب مغلقة اندفع منها رجال موثقون…. وكما تتالى موجات من الرعد المتواصل هكذا أقبل البحر طاغيًا مجتاحًا وسط ظلام أضيء بنجوم من دم” ص131
تحفل القصة بالعديد من الرموز والإشارات، فنراه يقول واصفًا استسلام الشعوب لمستعمريها وظالميها، في تداخل يتضح بين حالها وحاله:
“لا يختلف كثيرا عن هذه الوحوش التي تجتاز هذا التيه الحاد، والتي تبحث عن حياتها بين جثث فرقت كالخرق… ما كانت حزينة ولا فرحة، فقط بدت هادئة ومستسلمة لإغفاءة طويلة” ص111
فهو هنا يصف الجثث الملقاة على كل جانب بأنها هادئة مستسلمة، لا فرحة ولا حزينة، وقد شبه الشعوب المقهورة المستسلمة بالجثث العفنة، دليل حقارة فعل الاستسلام الذي تشمئز منه النفوس الأبية.
فيما جاء تعبير “في إغفاءة طويلة” تأكيدا لذلك الاستسلام الذي لا أمل في انزياحه.
_قصة “وشاح وردي لرجل وحيد“
تتعرض تلك القصة التي كتبت عام76، لحرب التحرير في الجزائر_ والتي اندلعت عام 1954_ من خلال ذلك البطل الثائر الذي ينتصر للطبقة العاملة ويراها الأمل في ثورة مقبلة، فهو اشتراكي الرؤية، برجوازي الماضي، وما بين بيروت ومصر والجزائر وفلسطين، تتبدى رحلته، فيترك من خلفه أسرة ووطنا ومآلا، ولا يعنيه سوى إشعال فتيل ثورة الخلاص، وتحرير الشعوب من ربقة ذلها.
يؤمن البطل جزائري الأصل بأن الثورة لابد من اندلاعها في أي وطن يتعرض للظلم، فكأنه جيفارا وقد بُعث بين العرب، يتنقل من بلد مغتصب لآخر، يؤمن بقيمة العمل الجماعي ودوره في التحرير، فها هو يقول:
” ليس للفرد قيمة كبرى في عصر الجماهير” ص157
لتنتهي القصة نهاية مفتوحة، فهو مازال مرتحلا بين البلاد، داعيا للثورة على الطغيان.
ولعنوان القصة “وشاح وردي لرجل وحيد” دلالات مهمة، فاللون الوردي يرمز للحرية والشاعرية وهو ما يؤكده حبه للموسيقى والقراءة، بينما تنبع وحدته من اختلافه عمن حوله ورغبته في التحرر والثورة على الأوضاع القائمة في كل مكان يتعرض للظلم.
الوشاح: يدل على الهجرة الدائمة، وعدم الاستقرار في مكان بعينه، فهو دائما ما يرتدي وشاحه ويغادر.
* السرد:
استخدم الكاتب في قصصه لغة سردية بليغة، اعتمد في معظمها على الراوي العليم، عدا القليل منها، مثل قصة “من الذي يذكر الغابة” والتي استخدم فيها الراوي السارد، حيث طبيعة الفكرة التي يلائمها أكثر قرب البطل وتداخله مع الأحداث لسهولة الولوج لمشاعره كمثال ونموذج للشعب.
بينما اعتمد الراوي العليم في القصص الأخرى لقدرة الأخير على كشف الأحداث من زوايا متعددة بكاميرا فوقية، يعجز عنها أي نوع آخر من الرواة.
* اللغة في قصص المجموعة:
استخدم الكاتب في مجموعته لغة بليغة ورصينة، وهو ما تتصف به كتابات حيدر حيدر عامة، لمرجعيته اللغوية حيث تخرجه في معهد المعلمين وعمله في إحدى فترات حياته بالتدقيق اللغوي والصحافة.
مفرداته منتقاة، وكأن لكل مفردة مكانها الذي لا ينازعها فيه غيرها، كما تتميز في كثير من مواضعها بالشاعرية.
*الصور والتراكيب:
حفلت القصص رغم جديتها وقسوة أفكارها وواقعيتها، على صور مجازية تقارب في معظمها معجم المدرسة الرومانسية، وربما استطاع من خلالها التخفيف من وطأة الأفكار وما تشيعه من شجن فرضته الحالة.
وقد استطاع أن يبتكر صورا واستعارات تعد في الفترة التي ظهرت بها المجموعة “الطبعة الأولى ١٩٧٥، الأخيرة 2006″، غير مسبوقة ورائدة، وهو ما يحسب له قطعا.
فتعد قصة “وشاح وردي لرجل وحيد” من أكثر قصص المجموعة احتفاء بالصور والمجازات، مثل:
“اغتيل عصفور الفرح من الداخل بطلقة بندقية وصمت البحر”
“لابد أن نعود مرة أخرى، لا عصافير هذه المرة، ولكن صقورًا تهبط من ذرى الجبال” ص161
“وتقول بيروت تحت القصف: أنا الشجرة المباركة التي نضج ثمرها باكرًا” ص166
*العناوين:
تميل عناوين القصص في معظمها للرمزية، بينما يبدو القليل منها واضحا مباشرا مثل عنوان قصة “الرهان” .
* دلالة الأسماء:
لم يحمل معظم أبطال قصص تلك المجموعة أسماء، فرمز إليهم عبر الراوي العليم بكلمة “الرجل”، بينما من حمل منهم اسمًا كان اسمًا واحدًا اشترك فيه كل أبطال القصص، وهو “عبدالله”، ففي قصة “الفيضان” كان اسم البطل “عبدالله بن أنس”، وفي “وشاح وردي لرجل وحيد” اسمه “عبدالله بن يحياوي”، بينما لم يخل أيضا من عبدالله في قصة “النمل والقات”، فكان اسمه “محمود بن عبدالله الزبيري”.
وربما يشير اسم “عبدالله” الذي اشتهر بين العرب على اختلاف جنسياتهم وأديانهم، للعربي فحسب، فهو اسم دال وكاشف للعروبة.
بينما نلحظ مرجعية الأسماء التراثية، والتي لا تلائم العصر الحديث، فهناك قصدية للدلالة على موقف العربي المتخاذل والذي لم يتغير منذ زمن.
ربما عاب بعض قصص المجموعة البعد عن التكثيف والميل للإطناب خاصة في الوصف، والاستطراد، وهو ما يبدو جليا في مثل قصة “الفيضان”، التي رغم قيمة فكرتها وغناها بالصور والتراكيب المبتكرة، إلا أنه قد جانبها التركيز والايجاز وهو أهم ما يجب أن تتصف به القصة القصيرة، فيبدو أن الفكرة كانت مسيطرة على الكاتب، كذلك رغبته في أن يورد أحداثا متلاحقة ومشاعر عديدة كان سببا واضحا وراء انزواء عنصر التكثيف بالمعنى المعروف لدينا.
ختامًا فإن مجموعة كتلك تعد نموذجًا ثريًا لأدب المقاومة، وتأريخًا أدبيًا لفترات مهمة مر بها الوطن العربي بعامة.
هوامش:
* من كتاب «أدب المقاومة.. المفاهيم والمعطيات”، د.السيد نجم.
- عن الوفد المصرية