الفنان التشكيلي الباحث عن الجمال محمد أبو زريق

(ثقافات)

الفنان التشكيلي الباحث عن الجمال محمد أبو زريق**

د. زياد أبو لبن

الفنان التشكيلي محمد أبو زريق الباحث عن الجمال في مركّبات الحياة الصعبة التي عاشها وتنقل فيها ما بين قريته المحتلة عام 1948 ومخيمات اللجوء في الأردن، فما أن يمضي عام على ولادته حتى تأتي النكبة ليهاجر مع عائلته إلى مخيم “عقبة جبر” بالقرب من أريحا، فيدخل الفتى الصغير مدرسة المخيم ويتخرج من الثانوية العامة، فما أن تمضي به السنون حتى تلقي به حرب عام 1967 إلى مخيم “الكرامة”، وما أن تضع الحرب أوزارها حتى ينتقل إلى مخيم “شنلر” بعد معركة “الكرامة” عام 1968.

يلتحق الفتى في معهد سبلين في لبنان ويحصل على دبلوم رياضة عام 1970، ويعمل معلماً في مدارس وكالة الغوث في المخيم، فلا يجد أكثر من الرسم تعبيراً عن مأساة أبناء جيله، ويغدو معلماً للتربية الفنية في مدرسة المخيم إلى تقاعده عام 2001، وكان لمعرضه الشخصي في جمعية الصداقة الأردنية السوفييتية عام 1974 مفتاح نحو مزيد من العمل الجاد، ويعقد العزم على الالتحاق بجامعة بيروت العربية ليحصل على ليسانس آداب عام 1978، مما فتح أمامه أفق جديد في اتساع معارفه وثقافته، وتطور أدواته الفنية في إشغال لوحاته، التي حملت رموزاً متعددة في التعبير عن روح المقاومة وعن نافذة تضيق لوطن يتسع في رؤيته للعالم، ويكون لمشاركته في المعارض الجماعية مع فنانين تشكليين أردنيين عام 1978 وقعها عليه، وتحفيز له لإقامة عدد من المعارض الشخصية وعدد من المشاركات في معارض جماعية في الأردن وخارجه، وتشهد جدارية أربيسك في المحطة على عظمة فنه.

يتلقى أبو زريق دورات تدريبية متخصصة في الفنون بوكالة الغوث، ويُمسي مرسمه في بيته فضاء واسعاً للفن، ويصنع بنفسه آلة للحفر والطباعة، وتغدو لوحاته علامة فارقة في الفن التشكيلي في الأردن.

يصدر أبو زريق عدداً من الكتب حول الفن التشكيلي في الأردن، ويشارك عدداً من الباحثين في كتب عن الفن التشكيلي، وكان لي المشاركة معه ومع الشاعر أحمد الكواملة في كتاب عن الفنان توفيق السيد، الذي صدر عن وزارة الثقافة عام 1998، كما يشارك أبو زريق في عدد من الندوات والمؤتمرات والمحاضرات عن الفن التشكيلي في الأردن ودول عربية، وينشر في الصحف والمجلات المتخصصة أبحاثه ودراساته.

أصبحت أعماله الفنية مقتنيات عدد من الوزارات والمؤسسات والمتاحف ودور الفن في العالم، ويحوز أبو زريق على جوائز كبرى أردنية وعربية.

وينتسب لعضوية رابطة الفنانين التشكليين ورابطة الكتّاب الأردنيين وجمعية النقاد الأردنيين وعدد من الهيئات الثقافية.

تربطني بالفنان التشكيلي (أبو زريق) علاقة تمتدّ عشرات السنوات، منذ كنت طالباً على مقاعد الدراسة في مخيم شنلر وهو معلم التربية الفنية فيها، كانت العلاقة بين طالب وأستاذه، أنظر إليه قامة شامخة يصعب الاقتراب منها، لكن محبّة (أبو زريق) لتلاميذه وقُربه منهم وتحسس أوجاعهم وآلامهم وفقرهم وغربتهم عن وطنهم كسر تلك النظرة، وتواضعه ورفيع خلقه جعل منه صديقاً للجميع، وكلما مضت سنوات العمر بنا تعمّقت صداقتنا، وبدأتُ خربشاتي في الرسم مقلداً أستاذي، وما تراه عيناي من تلك الآلة التي صنعها للحفر والطباعة للجرافيك تثير فيّ إعجاباً متزايداً بأعماله الفنية، ثم انتقلتُ للمرحلة الثانوية من دراستي فوجدتُ تشجيعاً من معلّم الفن في المدرسة الأستاذ خليل طبازة الذي أصبح أستاذاً جامعياً فيما بعد، ويقيم حالياً في أمريكا بعد تقاعده، فأشارك في معرض لطلبة مدرسة طه حسين الثانوية، وتعرّفتُ على أعمال كبار الفنانين العالميين. ثم التحقتُ طالباً في جامعة اليرموك، وتعرّفتُ على الفنان تميم سناجلة مشرف مرسم طلبة اليرموك، كما تعرّفتُ على عدد من الفنانين أساتذة الجامعة في قسم الفنون أمثال: عزيز عمورة وفؤاد عبدالرحيم وضيف الله عبيدات وغيرهم، وشاهدتُ أعمال الفنانين في معارضهم وأكتب عنها وأحاورتهم وأنشرتُ ما كتبته في جريدة الدستور ومجلة أفكار.

كنت أشارك أبو زريق وعدد من الفنانين أمثال: محمد عيسى وعدنان يحيى واسحاق نحلة اجتماعاتهم في الزرقاء، وكنت آنذاك طالباً في جامعة اليرموك، استمع لآرائهم وحواراتهم عن الفن والفنانين بعيداً عن رابطة الفنانين التشكيليين التي أصبحت مصدر خلاف معهم.

تعددت لقاءاتي بـ (أبو زريق) في رابطة الكتّاب الأردنيين وجمعية النقاد الأردنيين، وكان أبو زريق عضو الهيئة الإدارية في إحدى دوراتها، كما تعددت اللقاءات في بيتي وفي بيت الصديق الشاعر أحمد الكواملة وبيت الصديق الشاعر جميل أبو صبيح، وأذكر ذات يوم في منتصف التسعينيات، في لقاء جمعنا في بيت الصديق أبو صبيح عزمنا الأمر على إصدار مجلة تُعنى بالنقد، وبتمويل شخصي نتقاسمه معاً، وقدّمت طلباً لترخيص المجلة في دائرة المطبوعات والنشر بوصفي رئيساً للتحرير، وتم استدعائي من دائرة المخابرات والسؤال عن مصدر تمويل المجلة وتوجهاتها، وبعدها تمت الموافقة على إصدار المجلة التي لم يصدر أي عدد منها.

هذا هو الصديق محمد أبو زريق بيننا شافاه الله وعافاه وأمدّ في عمره من أعلام الفن التشكيلي ونقاده، فهو علامة بارزة واسم كبير نعتزّ به وبصداقته.

**(شهادة قدّمتها في حفل تكريم الفنان التشكيلي محمد أبو زريق في رابطة الكتّاب الأردنيين بالتعاون مع منتدى دار الندوة الثقافي بمشاركة مع الشاعر أحمد الكواملة والشاعر جميل أبو صبيح بتاريخ 6/5/2023)

شاهد أيضاً

رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان

(ثقافات) رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان  صفاء الحطاب تذهب بنا رواية …

تعليق واحد

  1. الحنون الهادئ الجميل قلباً و قالباً الفنان المبدع و اليتيم ابن الشهيد الذي ارتقى في هذه الدنيا بتعب و اجتهاد و سهر ❤️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *