ذات حلم

(ثقافات)

ذات حلم

زليخة أبو ريشة

كنا في اجتماع مع بعض الزملاء، وعندما انتهينا ذهبنا إلى بيته، ولم أكن أعلم من قبل. دخلنا فيللا ضخمة من حجر، من باب جانبي، ووجدنا أنفسنا في قاعة مستطيلة عالية السقف بمقدار طابقين (دورين). كنا فتحنا الباب دون أن نطرقه، ودخلنا، كأننا كنا نألف دخوله على هذا النحو، فوجدنا مدبرة المنزل وقد رأتنا تنادي على سيدة البيت “ستي” كما كانت الأَمَة تفعل، فنزلت امرأة بثوب ملون ضئيلة الجسم على درج ظاهر يؤدي إلى القاعة، وأنَّبت الفتاة “لا تناديني ستي، بل قولي تيتا”. ثم التفتت إلينا مرحبّةً مُسَلّمةً معتذرةً عن عدم وجوده لأنه اضطر إلى البقاء في….. بلا بلا بلا.. ولم أسمع العذرَ، لأني كنت أعلم سبب تغيبه وأفكر فيه؛ إنه أنا ووجودي في اللجنة. فقد كانت علاقتنا غريبةً، في الحلم كما في الحقيقة (حب كره). وكان المفروض أننا مدعوون على الغداء لأننا في وقته، ولكن السيدة التي هي زوجته (ولم تكن تشبه زوجته في الحقيقة، ربما بدافع الغيرة منها) دعتنا إلى الجلوس. وكان واضحاً أنها اعتذرت أيضاً عن إلغاء الغداء. وأنا أخذت أجيل نظري في أعمال فنية نافرة معلقة في أعالي جدران القاعة، ذات ألوان زاهية، وبعضها سوداء حيث يتألف العمل الفني من عدة قطع. فالتفتُّ إلى السيدة وسألتها: من الفنان؟ فقالت مندهشةً من جهلي: ميرو. ومع أنني كنت أعرف أنه ميرو ، إلا أني أحببت أن أتأكد. وأضافت: اشتريناها من إيطاليا (موحيةً أن ميرو إيطالي، مع أنه إسباني) . وأنا أخذت أفكر في كم كلّف سعرها ونقلها، لأنها كانت من زجاج المورانو (وليس من السيراميك الذي عرفناه له في عالم اليقظة) . وتابعت السيدة أنهما شاهدوا الأعمال نفسها في أمريكا وكانت ضعف السعر.

ثم تحدثت السيدة عن صديق للزوج الغائب كان يحبه جداً، ولكنه الآن زعلان منه، فعلّقتُ “نقز منه” فوافقت. ثم تابعتُ (وإني أنا سبب تغيبه اليوم، لأنه كمان نقز مني). ثم خرجنا، ومشينا في الشارع وأنا أفسر لزملائي كيف نقز (نأز) مني، مما ليس له علاقة له خارج الحلم.

صحيح أنه كان يجاهد في البعد عني في اليقظة، ولكنه لطالما زارني ويزورني في المنام، مع كل تلك العواطف المكتومة التي كانت تنفجر حباً ولهفةً.

قابلته مرةً في مكتبه، فغمرني بحب وحنان أغنياني عن جفائه في يقظته.

كنتُ في أحلامي أصنعه مختلفاً، وأعوّضني عن هجره ونشفانه وغضبه من تحرري. كنت تحررت منه ولكني كنت عالقةً فيه بصنارة خفية، كلما أبعدته عني بغضبي منه، شدتني بعاطفتي إليه. كنتُ أخترع له أمكنةً ألتقي به فيها. وكم جئت ليلى بأسباب ملفقة. هذا البيت ألقاه على مسامعي مرةً. وحفظته. كنت صغيرة وساذجة وعاصفة المخيلة. لطالما قرأ لي من دفتر مهترىء مختارات من شعر الحب، كم لعبَ محتواه بقلوب محبوباته. كان هذا أسلوبه في خلق سعادته السرية. ثم ستائر كثيفة من الوقار المفاجىء إذا دخل أحد خلوته مع الشعر والمحبوبة/ات.

بعين غيري سيبدو قاطع طريق. بعيني كان زيوس كبير الآلهة. وكان ممجداً في سري وفي علني. كم كنت أخاطر بعشيرة قلوبي عندما أفرفطها على ممر ممشاه إثره. جميلاً مهيباً. نكز حذاؤه حذائي يوماً كفنٍ من فنون الهوى. فاستهجنت: أراك اليوم ماجناً! فارتدى سمتَ الجاد الفاضل: نستعين بها على هموم الحياة.. يا له من جواب بائس! تستعين بالمجون على هموم الحياة؟

تلك النقلات بين الداعر والمستقيم كانت واضحةً ولكني أتجاهلها من أجل صورته في نفسي. ولكنه كان في صورته يزداد جمالاً وفي الواقع يزداد قبحاً. ممالئاً محارباً عتريساً للجديد. يعيش في الحداثة ويكرهها.

# مقطع من كتاب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *