محطات في تحولات مدينة عمان محاضرة بمنتدى الرواد الكبار

محطات في تحولات مدينة عمان محاضرة بمنتدى الرواد الكبار

  • عزيزة علي

أقام منتدى الرواد الكبار أول من أمس محاضرة بعنوان “محطات في تحولات مدينة عمان على مدى “150” عاما”، للباحث محمد أبو عريضة وادارها المستشارة الثقافية للمنتدى القاصة سحر ملص.

قالت مديرة المنتدى هيفاء البشير إن هذه المحاضرة هي أول فعاليات البرنامج الثقافي للمنتدى، وهي بداية جميلة لأنها تتحدث عن مدينتنا الام “عمان”، تلك الحاضنة والبوتقة التي صهرت في قلبها مزيجاً مُتناسقاً جميلاً من الناس دون تفرقة مابين جنس أو لون أو دين وعرق، لتقول بأن الأرض حين تكون مُحبة لابناءها، مانحة لهم كل العطاء، فإن الجزاء الأوفى من الابناء هو إعمارها، والأخلاص لها والعمل على رفعتها لتكون نجمةً مابين المدن.

وأشارت البشير إلى أن ضيف هذه المحاضرة الباحث والصحفي الأستاذ محمد أبو عريضة، سيتناول موضوع محطات في تحولات مدينة عمان على مدى مائة وخمسين عاماً، مشيرة إلى أن تكون عمان مدار بحث في منتدانا ما بين الفينة والأخرى، لان عمان هي الأم الرؤوم التي احتضنتنا جميعاً.

قال محمد أبو عريضة إنه هذه المحاضرة سأتناول تحولات المكان في عمان منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الآن، مبينا أنه لا بدي في البداية من التعريج سريعًا على تاريخ المدينة منذ الاستيطان للمجموعات البشرية الأولى التي سكنت عمان أو في محيطها، وفقًا للمكتشفات الآثارية، وذلك للتأسيس لفهم واقع المدينة، وأقصد هنا وسط البلد، أو ضفاف السيل، في منتصف القرن التاسع عشر.

وأشار أبو عريضة إلى عمر عمان كما تقول الاكتشافات الأثرية في منطقة عين غزال، بـ”حدود تسعة آلاف سنة”، لكن معظم المجموعات البشرية التي سكنت عمان، وحتى الألف الثالث قبل الميلاد، كانت مجموعات بسيطة لم تنشئ ممالك كبيرة، وأن اول مملكة ذات وزن كبير تشكلت في المكان هي مملكة ربة عمون، أي “دار ملك عمون”، معتقدا أن عمون هو اسم أحد الآلهة. جاءتها بعد ذلك شعوب أخرى، كالأشوريين والبابليين، وفي القرن الرابع قبل الميلاد سيطر عليها اليونانيون، الذين أطلقوا عليها اسم “فيلادلفيا”، نسبة إلى ملكهم “بطليموس فيلاديفوس”، وفيلادلفيا تعني باليونانية القديمة “الحب الأخوي“.

ويتابع المحاضرة حديثه عن عمان إنه في أواخر عهد البطالسة اليونانيين جاء، الأنباط من الجنوب، وسيطروا على عمان، إلى أن وقعت تحت الاحتلال الروماني مطلع القرن الأول الميلادي، حيث بنوا فيها عمائر كثيرة، ما زال بعضها قائمًا، كالمدرج الروماني، وظلت المدينة تحت سيطرة البيزنطيين بعد سقوط الدولة الرومانية. لكن المدينة وقعت عام 634 ميلادية تحت سيطرة الجيش العربي الإسلامي القادم من الجزيرة العربية.

وزاد أبو عريضة منذ مطلع القرن السادس عشر دخلت مدينة عمان عصر النسيان، فبعد ان كانت مدينة مزدهرة في العهود الإسلامية المتاعقبة، ابتداءً من العصر الأموي فالعباسي، فالفاطمي، وهو العهد الذي ازدهرت فيه المدينة إيما ازدهار، فمنذ منتصف القرن الثالث عشر، أصبحت عمان أحد المحطات المهمة على طريق الحج الشامي، وطرق التجارة، فتطورت أسواقها، وفي كتب الرحالة العرب كلام كثير عن عمان وأسواقها المزدهرة، وبساتينها وفاكهتها اللذيذة ومياهها العذبة الكثيرة، لكن المدينة، لسبب ما دخلت دفتر النسيان، واختفى الناس منها لأكثر من ثلاثة قرون، وأنا أقدر أن سبب ذلك يعود لتفشي وباء الملاريا في المكان.

مشهد من السماء

ورأى المحاضر أن عمان المكان محكومة بمتغيرين اثنين، لا يمكن ان نفهم سماته وديناميات التحولات الأولى فيها إلا إذا كان هذان المتغيران حاضرين، وهما الوادي والجبل، فنحن أمام مشهدين مختلفين تمامًا، هما للمكان نفسه، لكن بينهما مئة وخمسة وستين عامًا. دعونا نتخيل مدينة عمان في منتصف القرن التاسع عشر، وأقصد بمدينة عمان هنا ضفاف السيل، وليس مدينة عمان التي نعرفها اليوم أو التي عرفتها الحضارات القديمة. ولإطلاق العنان لخيالني، دعونا نتخيل أننا نركب طائرة هلوكوبتر في أحد أيام الشتاء عام 1858، ونطير فوق سيل عمان، فماذا نرى؟ أما لماذا عام 1858، فالأمر يتعلق بحكاية سنأتي إليها في سياق حديثنا اليوم.

وقال لو عدنا الى العام 1858، سنرى مجوعة سيول صغيرة تسير بين جبال عمان، تتدفق إلى الوادي السحيق، فتشكل نهرًا متوسط الحجم، على فكرة كان يطلق على سيل عمان، حينما يصبح نهر الزرقاء، اسم النهر العظيم، كما جاء في كتب الرحالة العرب، ومنهم ياقوت الحموي. “يسير الماء في الوادي السحيق باتجاه الشمال الشرقي إلى عين غزال، حيث ترفده سيول إضافية، فيتحول بعد ذلك إلى نهر الزرقاء. لكن الغريب في هذا المسقط العلوي للمدينة أنها خالية تمامًا من السكان تمامًا”.

ثم انتقل المحاضر للحديث عن التحولات التي طرأت على المكان، خلال المدة القصيرة بعمر التاريخ، فأي مدينة، قائلا: مهما طرأ عليها من تحولات لا يمكن لها أن تنتقل من مكان قفر إلى مدينة ضخمة يسكنها خمسة ملايين نسمة. لندرك أكثر حجم هذا التحول دعونا نعود إلى حقيقة أن عدد السكان يتضاعف في الدول ذات النمو السكاني المرتفع تقريبًا مرة كل أربعين أو خمسين عامًا، فكيف أصبح عدد سكان عمان خمسة ملايين، وعددهم قبل مئة وخمسة وستين عامًا لم يكن يتجاوز المئات، وقبل مئة عام كان 6400 نسمة، كيف تضاعف عدد سكان المدينة أكثر من ألف ضعف؟ دعونا نرى ذلك، ونرى كيف شكلت هذه الطفرات في النمو السكاني، وتنوع ثقافات العمانيين سمات المدينة الحديثة التي نعرفها اليوم.

 

ورأى المحاضر أن الثورة العربية الكبرى تعتبر محطة جديدة من محطات التحولات في عمان، صحيح أن عمان لم تكن سوى قرية صغيرة عند إعلان الشريف الحسين بن علي الثورة على الدولة العثمانية، ولم يكن لها دور في هذه الثورة، إلا أن ما أسست له الثورة، أسهم بشكل فاعل في إحداث تغيرات جوهرية في بلاد الشام والعراق، وطاول عمان ومحيطها بعض هذه التغيرات.

وأشار أبو عريضة إلى أنه تأسست في شرقي الأردن بعد خروج الدولة العثمانية من البلاد حكومات محلية، أخذت تسير شؤون البلاد والعباد، لكنها حكومات ضعيفة، وخبراتها في الإدارة المحلية، ولا تمتلك موارد وقوات كافية للتطور وتشكل كيانات سياسية، لذا فإنها سرعان ما اندمجت في الدولة الأردنية، صحيح أن بعضها تمنع وقاوم، غير أنها انتهت بعد أن بسطت الحكومة الأردنية سلطتها على كامل الأرض شرقي الأردن.

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *