“من أجلهم… نكتب اليوم معاً “

(ثقافات)

  “من أجلهم… نكتب اليوم معاً “

     إفلين الأطرش

      منذ ابتدأ زوجي ورفيق دربي “عدي مدانات” قبل ستّة أعوام  وقرابة نصف العام ، ترحالاّ جديداً شديد الاختلاف عن ترحاله الدنيوي، أو ترحالنا نحن، مَن نُحتسب ارقام تعدادٍ سكانيّ، باختلاف أسباب سعينا لتدبير لقمة العيش الكريم التي عزّت على الغالبية الساحقة، بفعل تنامي البؤس اليوميّ بأشكاله المختلفة، من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة والضرائب، وشحّ فرص العمل، وانتشار الأمراض والأوبئة، وتنامي العجز المالي وارتفاع المديونية الخارجية والداخلية، وإغلاقٍ لكثير من مصادرَ رزقٍ قد توفّر بعض كرامة عيش، فتؤمّن رعاية تعليمية وصحيّة هي  مستلزمات عيش ضروريّة، وليست ترفا أو رفاها.  خلال  واقع هذا المستجّد الذي فرضته لعبة الحياة بإكمال دورتها المحكومة بالتقاء نقطتي البداية والنهاية،  اعتدت الكتابة إليه في الأول من أيار من كلّ عام. فقد وعدت بذكر بعض من مسيرة كلّ مرة، لمن أمضى ثمانٍ وثلاثين سنة كمحامٍ  لقضايا عماليّة ميّزت مسيرته المِهْنية، قبل إحالة نفسه إلى التقاعد للتفرّغ لكتابة إبداعية منذ تسعة عشر عاما من الآن. ولأنه لا يزال شريك القصّ والكلمة، أقرأ عليه نصّ ما  كتبت، لنتابع معاً ….

   “واقفا لا تزال إلى جانب باب بيتٍ فتحتَه لتوّك، بوجهٍ مُربّد، وبجسدٍ مُنهك، وبانشغال ذهنيّ واضح، دون خلع سترتك أو وضع حقيبة ملفّاتك في مكانها المعتاد، أو سيرٍ إلى مقعد في غرفة الجلوس يريحك؛ أراك الآن كما رأيتك يومها، إثر عودتك من مصنعٍ في المنطقة الصناعية من سحاب، كلّفتك المحكمة بحضور من يمثّلها، بفكّ خَتم شمعه الأحمر واستلامك له لتصفيته، ببيع كافة موجوداته من آلاتِ إنتاج وموادَ خام، وأثاثَ مكاتب وأرضٍ مُقام عليها، لسداد الجهة التي  رفعت الدعوى القضائية أولا، ومن ثمّ التصرّف بما يتبقّى لغيرها من دائنين. برؤيتي لك ذاك اليوم، يصيبني الذعر والهلع من شرّ ما قد حصل هناك! ولمّا رأيتَ أن ما قد أصابك أصابني بدوره، تقول لي ” لو أنّكِ رأيتِ حالة العاملين فيه، في بؤسهم، وتحلّقهم الدائم حولي، ورجاءاتهم المتكرّرة لي بأخذ أمرهم في الحسبان، لقدّرتِ ما أنا عليه”.

 تُجرجر نفسك لتجلس، وتغرق في التفكير فقط. وانا ألوذ بصمتي. ومعك لم أكن أطيقه كثيرا، وبخاصّة حين أراك مهموما. تُحدّثني عن عددهم، وأعداد عائلاتهم، وفترة توقّفهم عن العمل دون رواتب، وما سيحلّ بهم وبعائلاتهم اذا ما مضيتَ في تكليف المحكمةِ ذاك، وما سيحلّ بكَ أنتَ من وخز ضمير وتأنيبه، سيلازمك مدى حياتك.

 وانا لست حقوقيّة مثلك لأُعينَك، ولا أعرف  شيئا عن طبيعة الإجراءات، ولا كيفيّة الاهتداء إلى خروج من مأزق ضميريّ هو الأهمّ، لأمدّك برأي قانونيّ  مُعين. لكنّني متأكّدة من انك ستهتدي، فأنت لم تهزم أمام خصم  طوال سنيّ عملك، ومتيقّنة من أنك ستتمكّن، كدأبك، بالرغم من تردّدك الكبير في قبول المَهمَّة أو الاعتذار عنها، من إيجاد حلّ لهذه المعضلة المؤرّقة لك، وبالتالي لي.

  تعودَ إلى  ذات المصنع صباح اليوم التالي، لتعاين موجوداته من مدخلات انتاج، وتدارس إمكانية إعادته للعمل من جديد مع كادره الكامل من مدراء وفنيّين وعمال. فقد توصّلت إلى قرار ذلك، بعد ليلة لم تذُقْ طعما للنوم فيها، بملاحقة صورهم لك في بؤسهم، ورجاءاتهم، واشباح صور عائلاتهم المتخيّلة. ليبقى الجزء الأصعب، إقناع المحكمة  من خلال قاضيها المكَّلف بالإشراف والمتابعة، بتغيير نوع المَهمَّة وصِفتك أنت من مصفٍّ لشركةٍ إلى قيّمٍ على مصنع، تديره للإبقاء عليه، لا  القضاء عليه. فالصناعة، كما غيرها من مقوّمات الثروة الوطنية، تُبنى ولا تُهدم. وأمام إصرارك، لثقتك التامّة في صواب قرارك، بالرُّغم ممّا يعتريه من صعوبات ومآزق قد تقود إلى الفشل، غير مبالٍ بقلّة مردود مالي كمكافأة شهرية تتحملّها المنشأة الصناعيّة بعكس ما سيرتدّ عليك في حالة التصفية، كما حاول القاضي إقناعك. أمام ثباتك على موقفك، يقبل القاضي قرارك وتتغيّر صفة المَهمَّة.

  يبدأ العمل الإنتاجي في المصنع بطيئا وقليلا، لكنّه مبشرٌ بقدر يسير ليعينك في جدولة ديونه الكثيرة، بتسويات مُنهِكة مع الجهات الدائنة المتعدّدة ، مَن طارت أموالها بطيران مَن أنشأه  خارج الأردن،  وبحوزته أموالها. لكنّ الأهم بالنسبة إليك، الإبقاء على حياة كريمة، لا تشرّد أو ضياع فيها لكل تلك الأسر التي لا تغيب عن فكرك وضميرك وتستقرُّ في وجدانك.

  في أول عيد للعمال، وبعد أن صار الاحتفاء به مناسبة شكليّة للظهور، بإفراغه من قيمته ومحتواه، تُمضيه معهم وبصحبتهم في المصنع، مع احتفاظهم بحقّهم في احتسابه يوم عمل إضافي مدفوع الأجر بحسب قانون العمل. فهم من طلب العمل ذلك اليوم، لحماستهم الكبيرة بزيادة الإنتاج ورفع سويّته.. . تُعرّفهم بتاريخ هذا اليوم وأهميّته النضاليّة لهم، ولمن سبقهم، ولمن سيأتي بعدهم. تُحْضر لهم ما يلزم للاحتفاء بالمناسبة، حتى إنك شاركتهم تناول “الكنافة” وانت لا تقترب منها، احتراما لهم وللمناسبة. تعود  سعيداً جدا إلى المنزل. تنقُل سعادتك لي، وأنا أُعلنُ فخاري بك .

  في السنوات اللاحقة، وقد تحسّنت أحوال الانتاج والتسويق، والمضيّ في تسديد كافة الالتزامات، بالرغم مما اعترى المسيرة من صعوبات وأحداث مأساوية كحرق وسرقات، تَصرفَ لهم مكافآت ماليّة في الأعياد العماليّة، كما في الأعياد الدينيّة، فتصل رسائل غير مُعلنة لعائلاتهم بأنك أحدهم. ولأربع عشرة سنة امتدّت فيها مَهمَّتك تلك، لم تتوانَ يوما أو تتأخّر عن تذليل الصعوبات، وتحمّل كافة المسؤوليات حتى استقام أمر تلك “المؤسسة الوطنية”، وعادت لإنتاجها الطبيعي. فتطلُب اعفاءك من مَهمَّة مدير عام لها، لم يجلس يوما في غرفته المخصّصة تلك، بل يبقى ملازما لكلّ من يعمل فيها.

    أنهيتَ المَهمَّة بنجاح في سابقة قانونيّة تنضاف إلى رصيدك المِهنيّ النضاليّ الطويل من أجل  مجموع طبقة عاملة منتمية لوطنها. فأنت لهم ومعهم، في حزنهم وضعفهم وانكسارهم؛ وهم لك ومعك في فرحهم وقوّتهم، وانتصارهم. لتُبقي على ريادة مبادراتك من أجلهم”.

   أُنهي القراءة ، فيبتسم ابتسامة خجولة يشوبُها الحزن. ويذكرّني بأن الفارق البسيط ” أن الزمن قد تغيّر بكلّ مكوّناته السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وهو ليس باختلاف بسيط.”

    تطلّ برأسها من ثنايا ذاكرتي إحدى قصصه في مجموعته السادسة “تركة الأيام الثقيلة”*،  عنونها بما انتهى إليه في تذكيره.  أُحضِرُ نسخة المجموعة، لنقرأ  القصة معاّ…

                                                                                          ×××××

  ” اختلاف بسيط ”  

قصة: عدي مدانات

 

لا يخفى على أحد من قرّاء الصحف المتتّبعين مقالاتها، ملاحظة أن “سعيد أبو سعيد”، سائق سيارة الأجرة، تَعِس الحظ والحالم على الدوام، غير سعيد أبو سعيد الكاتب المرموق، حتى وإن تطابقا في الاسم، فكاتب المقالة اليوميّة، لا بدّ أن يكون معروفاً على نطاق واسع، وأفضل حالاً على جميع الأصعدة، أما الآخر فلا يزيد معارفه على حفنة من المغمورين، ولا يحصل من عمله على أكثر مما يسدّ رمق أسرته في أحسن الأحوال. يستطيع أيّ كان ملاحظة الفرق من النظرة الأولى لهيئته، بشعره الأشعث وعينيه الكابيتين، وبنطاله الجينز. غير أن الرجل الهرم المنعزل ضمن مساحة لا تزيد على أربعة أمتار، والمُعتمة حتى في وضح النهار، محاطاً بالقليل من السلع الغذائية الرخيصة وربما الفاسدة، وبعض اللوازم المدرسيّة البسيطة وعلب التبغ، إلى جانب قذارة الأوعية والرفوف الخشبيّة والقاطع، سها عن هذه الحقيقة.

وسعيد أبو سعيد هذا  الذي أسقط اسم عائلته في استعمالاته  العاديّة،  وبحكم عمله الذي يفرض عليه التجوال في المناطق السكنيّة بحثاً عن الركّاب، افتقد علبة تبغه وأراد شراء أخرى، فأوقف سيارته لشراء واحدة من الدكان التي لا يكشف بابها الضيّق عن أنها مكان بيع سلعٍ من أيّ نوع، ولولا الصحف المعلّقة خارجها على حامل معدنيّ، لما لفتت انتباهه. وقف بباب الدكان ورأى البائع الهرم يمسك بصحيفة ويقرأ، فنهض ما إن رآه، ووضع الصحيفة على القاطع، وسأله عن حاجته. ألقى عليه تحيّة الصباح وطلب علبة تبغ، وفيما كان البائع يدير له ظهره ليتناول طلبه، وقع نظره على الصفحة الأخيرة من الصحيفة المتروكة على القاطع، وقرأ في الزاوية العليا منها اسم كاتب المقالة “سعيد أبو سعيد”، فأخذه العجب كل مأخذ، لتطابق اسمه مع اسم الكاتب، فهو مثله في هذا الشأن، لا يضيف اسم عائلته في تعامله مع الآخرين، وهو ما يصنع الفرق، ولم يكن يعرف أن اسمه يتطابق إلى حد كبير مع اسم كاتب مرموق، لأنه لا يقرأ الصحف، وإلاّ لأضاف اسم العائلة إلى اسمه منعاً للّبس. قال للبائع مفاخراً:

– اسمي أنا الآخر سعيد أبو سعيد.

    ثمّ تناول علبة التبغ ودفع ثمنها، وهمّ بترك المكان، إلاّ أن البائع ذا النظارة الطبيّة استوقفه وقال:

– ـ قرأتُ مقالتك، وفي الحقيقة أنا لم أضحك كالعادة.

  استغرب سعيد أبو سعيد كلامه، ورأى أنه أخطأ فهم ما قال فصوّبه:

– ـ تقصد المقالة في الصحيفة… أنا لم أقرأها كذلك، أنا لا أقرأ الصحف.

لم يأخذ البائع كلامه على محمل الجّد، ولم يلحظ أن الذي يخاطبه غير كاتب المقالة، وأنّه مجرّد سائق سيارة أجرة، بدلالة سيارته التي أوقفها أمام الدكان، فقدّم له مقعداً بلاستيكياً، لا يقلّ قذارة عن المتجر ومحتوياته واستمرّ في الحديث:

– ـ يشرّفني أن ألتقي بك في دكاني المتواضعة. أنا لا أستغرب أن لا تقرأ مقالتك، فصانع الشيء الماهر لا يعيد النظر في ما صنع، أنا أيضاً لا أنظر لما أفعل، غير أن إعادة النظر أسلم. أقول لك كيف. كنت في الوظيفة أكتب ملاحظاتي للمدير وهو يعتمدها، وهذا كان يحدث مرّات عدّة في اليوم الواحد على مدى سنين، وحدث ذات مرّة أن كتبتُ ملاحظة تخصّ معاملة أخرى دون انتباه، والمدير وقّع هو الآخر دون انتباه، غير أن المحاسب انتبه وأطلع المدير على الخطأ فاستدعاني وأنّبني، ربما لو أنك تقرأ مقالتك الآن لوجدتها لا تُضحك.

   نظر سعيد أبو سعيد إلى المقعد الخالي، وأدرك أنه وُضع له ليجلس عليه، فقد أحضر البائع مقعداً آخر لنفسه وجلس. جلس هو الآخر، ولكنّه كان مُغتّم البال، لأنه لا يريد أن يقرأ، ولأن الجلوس يعطّله عن العمل. تناول البائع الصحيفة وقدّمها له، فاعتذر منه وقال:

– ـ اعذرني، لأنني لا أميل للضحك، أميل للأحلام أكثر، فهي تُبعدني عما يزعجني ولديّ منه الكثير.

  هزّ البائع رأسه وقال:

– ـ للأسف لدينا كلّنا ما يزعجنا ولكلّ منّا أسبابه، فأنا أنزعج من جلوسي في هذا الركن الضيّق الكابي ولا ألتقي بمن أحبّ أن أحدّثهم، لأن متجري لا يغري أحداً بدخوله، أما لو كان لديّ مال، لملأته بكلّ ما يحتاجه الناس، خصوصاً الأطفال منهم، فهؤلاء يحبّون أن ينفقوا ما يحصلون عليه في الشراء، وبذلك أستردّ قيمة ما اشتريه لمتجري وأربح، ولكنّني لا أملك المال، والأطفال لا يقتربون من متجري، وأنا أحبّ الأطفال، أحبّ أحفادي على وجه الخصوص، غير أن أبنائي ابتعدوا في سكنهم وحرموني هذه المتعة، وهكذا بقيت وحدي مع أم الأولاد، هي تنشغل عنّي في النهار بأعمال المنزل وبالعناية بابنتي المُعاقة، وأنا أجلس هنا. وماذا أفعل حين أجلس برأيك؟ أنا لا أحلم، فعهد الأحلام فات. لا يبقى لي سوى قراءة الصحف، أنا لا أفقه في الحقيقة معظم ما أقرأ، لا أجد في ما يُكتب ما يَنفعني، أنا رجل عجوز، متقاعد وراتبي محدود وثابت، ونفقاتي مرتفعة بسبب إعاقة ابنتي، أما الأسعار، فهي على ارتفاع، والسبب برأيي جشع التجار ولا أحد يحاسبهم، ولكن أين الحكومة؟ لماذا لا تتدخّل وتضع حدّاً لجشعهم؟ أفكّر بحلّ وأقول: لو أن الناس يكفّون عن الشراء لعاقبوا الجشعين، ثم أقول لنفسي، كيف يمتنع الناس عن الأكل والكساء؟، هذا الأمر غير ممكن، ثم أفكّر وأقول: لو أن الناس يخرجون إلى الشوارع كما يحدث في بلاد أخرى، ويطالبون بخفض الأسعار لتنبّهت الحكومة، ثم أفكر أن الحكومة ستفرّقهم بالقوّة، وربّما تعتدي بالضرب على عدد منهم. هذا يحدث، أليس كذلك؟ ولو كنتُ أحد هؤلاء لما تحمّلت ضربة واحدة، فأنا عجوز. ثم أفكّر وأقول، إن الكتّاب يخافون مما أخاف منه، ولذلك يتجنّبون الحديث في ما قد يزعج الحكومة. لا تأخذ كلامي على أنّه موجّه إليك، فأنا لا أقصدك بالذات، فأنت على الأقل تكتب لتضحكني وهذا أمر جيد، فأنا أحبّ ما يضحكني.

.

  كان سعيد أبو سعيد يستمع باهتمام، وكان لديه ما يقوله في هذا الصدد، وقد تأكّد ذلك من غضون جبينه واتّساع عينيه وحركة يديه، غير أنّه في طريقه للعمل وقد تأخّر عن مباشرته هذا الصباح، فعدل عن الكلام ونهض، ثم قال وهو حاني الرأس:

 – كلامك شيّق، ولكنني للأسف الشديد مضطّر للعمل، ينبغي أن أقوم للعمل، فقد تأخّرت هذا الصباح، وزوجتي السبب في هذا التأخير، فقد أيقظتني من النوم وهي تئنُّ من شدة الألم، فأخذتها إلى المستوصف القريب من البيت وحصلت لها على دواء، ثم أعدتها إلى البيت وخسرت ساعتّي عمل، وصاحب السيارة لا يرحم، يريد حصّته من غلّة السيارة.

  هَمّ بالانصراف، غير أن البائع الهرم المتوحّد، أخذ كلامه على أنه مجرّد طُرفة، فأمسك بيده ودفعه للجلوس وقال:

– ـ لو أنك وضعت وزير المال هذا الموضع وجعلته جابياً، في مقابل رئيس الحكومة الذي يطالب بغلّة الحكومة كاملة من أرزاق الناس، أفلا يدفع الوضع القارئ للضحك؟

لم يفهم سعيد أبو سعيد شيئاً مما قال، فنهض من جديد وقال:

–  ما شأني أنا بهذا كله، أنا مجرد سائق واسمي سعيد أبو سعيد التَنكَنجي، ولست كاتب المقالة، ولا أحب القراءة والكتابة، فهي للمُنعمين وأنا مهزوم وتَعِب.

اضطر البائع للوقوف، هو الآخر، ثم قال:

– ـ أُدركُ أنك تكتب عن المهزومين، وهذا هو السرّ في نجاحك، فماذا لو جعلت الوزير يعيش حالة مهزوم ليوم واحد، كأن لا يملك المال الكافي للأطباء، فيخرج ليستدين ويعاني جرّاء ذلك.

اشتد ضيق سعيد أبو سعيد وقال:

– ـ أنا أخذتها لمستوصف حكومي، وكان الواقفون أكثر من الجالسين، فلم أوفّق برؤية طبيب، ممّا اضطّرني للاستعانة بممرّض، جاري في السكن. أحضرَ لي دواءً، فأخذته وأعدتها إلى البيت وأنا لا أعرف إن أفادها الدواء، أم إنها ما تزال تتألم، فهل يحدث هذا مع الوزير في أسوأ حال؟

فكّر البائع وقال:

– ـ أنت محقّ.

   ثمّ صمت من جديد، وألحق سعيد أبو سعيد برجاء قبل أن ينصرف:

– ـ لي رجاء، أن تُضمِّن مقالتك الجديدة حوارنا هذا، وقد تخدمني لو أشرتَ لدكاني، فمن يدري…      قد تجلب الانتباه لي.

  • صدرت المجموعة عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع في عمان، بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، العام 2013 .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *