” ضحكاتٌ تحتها دم”

(ثقافات)

” ضحكاتٌ تحتها دم”   

 شعر/ مؤمن سمير. مصر

 

كان تغيُّر قلب السلطان عليَّ لا يشبهُ إلا الجحيم ذاته.. كان أكثر فداحةً من سقوط الفصول الأربعة على رأسي وأنا والليل تائهان قرب الغابة.. أنا نجم الأماسي ودرة الحكايات.. المضحك الفريد لسلطاننا العظيم.. حامل مفاتيح روحه المثقلة وحافظ سكك طيرانه فوق قاعة الحكم التي بلا انتهاء ومروره الماكر بين القرى البعيدة والأنهار ودلوفه الناعم بين حروف الناس ولغة الطير وغناء الشجر.. لكنَّ الذي جرى أن صاحبي صحا يوماً ووجد نفسه لا يحبني.. هكذا ببساطة.. مشاعر الملوك أكثر رهافة من النسيم و حَدِّ السيْف.. يقتلون ويمنحون النعيم في نفس اللحظة.. ربما لأن قلوبهم خلقت من عجين الورد والنار معاً، واسألوني أنا.. أنا المنسيُّ في هذا السجن الحقير.. أنفاسي صارت تمشي بصعوبة بين أحراش صدري.. ثقيلةً كأنها جبلٌ غشوم.. أما يداي وقدماي فلا أتذكرهم إلا عندما يتحولون إلى هيئة القَيْد وفجوره رغم أن الحديد تركنا و ذابَ منذ زمن.. الشيء الوحيد الذي أوقنه تغيَّر بحقٍ في حياتي هو أنني الآن محاطٌ بالضجيج والزحام وأنا الذي عشت عمري كله وحيداً رغم كل الألوان التي كانت تدلل خطواتي.. الآن تجاورني الضحكات وتملأ حياتي.. الجواهر التي صنعتُها وربَّيْتُها وهذَّبْتُها على مدى السنوات.. الضحكاتُ التي يقل وهجها لحظةً بعد لحظة.. العجائزُ التي تتكاثر كلما أغلقتُ عينيَّ وفتحتهما ببطء.. كلما تهرم الضحكات أهرم أنا أيضاً.. والحقيقةُ أنكَ أوحشتني يا سلطاني الجبار الطيب.. كنتُ مزهواً بالتقاطي الطفل المسجون في عينيكَ كلما ضحكتَ.. كان هذا سِرِّي ولا أدري كيف تعيش الآن بعد أن رجع سِرُّكَ في ضلوعكَ كما كان، يشبه القارة المجهولة.. حقاً إنك مسكينٌ.. مسجونٌ مثلي و وحيدٌ كذلك.. كلا.. بالطبع لستَ مثلي.. لأنني لم أعد وحيداً أبداً.. أنا شارعً كبيرٌ مزدحمٌ بالصَخَب..

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *