كولين هوفر: هل يمكن تصديق الروائي الماهر في الكتابة؟

كولين هوفر: هل يمكن تصديق الروائي الماهر في الكتابة؟

ضحى عبدالرؤوف المل

تتركنا الكاتبة كولين هوفر في حيرة كبرى أمام حقيقة يمكن التلاعب بها روائيا، من خلال الغموض والتشويق المصطنع، في البداية التي تجرجرنا من خلاله نحو العمق المتسم بنسيج كتابي هو حبكة تنافس من خلالها كاتبة أخرى مصابة بأزمات نفسية، جعلتها ترزح تحت اضطرابات نفسية سمحت للكاتبة الأخرى في التغلغل إلى سيرتها الذاتية وجوهر الحقيقة فيها، لتكتشف الكثير من التراجيديات التي لمسنا فيها قدرة الكاتب على قلب الحقائق، وبث الكثير من التشويق الذي يمسك القارئ بشكل لا انفلات منه. وكأنها ترسم دوائرالنهايات لبدايات لا تنتهي بشكل لولبي لا حدود له، وكلما توغلنا في قراءة رواية «حقيقة» للكاتبة الأكثر مبيعا في أمريكا كولين هوفر كانت النتيجة هي قدرة الكاتب على التلاعب بالمصائر لشخصيات أساسية تطمسها قوة السرد الروائي، وصعوبة العثور على الحقيقة في ما يكتبه الكاتب، الذي يبحث عن احساس القارئ بالمتعة ليتذوق ردات الفعل المختلفة من القراء.
مع ذلك تدور أحداث الرواية التي ترجمها عابد إسماعيل بين كاتبتين إحداهن مغمورة وأخرى مشهورة، وبينهما يقبع الناشر الذي يكافح لإنهاء العمل الأدبي العالق في سيرة ذاتية هي مجرد تمرين كتابي مثير للتساؤلات القوية فعليا من حيث الإدراك الفعلي للتصوير الفني الروائي، ومؤثراته في المخيلة «لأن التفكير بأنني لست كفوءة بما يكفي ما هو سوى جزء لا يتجزأ من عملية الكتابة» فملاحظة المؤلفة فيريتي كروفورد التي أصيبت في حادثة، تمقت جداً السير الذاتية، ومع ذلك سجلت الكثير من الأفكار الزائفة على مسودة، وهي مقتنعة بأنه «ينبغي على أي كاتب أن لا يملك الجرأة للكتابة عن نفسه، إلا إذا كان راغبا بفصل كل طبقة حماية بين روح المؤلف وكتابه». فالتدفق الحسي في الفعل الكتابي ينبع من الخيال، وما يتغذى منه الواقع. لتتكون الحقائق بما يتناسب مع العاطفة التي تنساب من قدرة الكاتب على جذب القارئ نحو التهام الكلمات بغض النظر إن كانت ذات جمال سخي في المعنى، أو لها مرونة وقساوة. إذ تصبح ميول القارئ في تخبط إنساني، أو فضولي، أو حتى بوليسي، من خلال تتبع الخيوط الروائية للبحث عن الحقيقة التي أرادت من خلالها كولين هوفر إظهار قوة الروائي في الإمساك بالحقيقة للتلاعب بها كما يشاء. فهل يمكن تصديق الروائي الماهر في الكتابة؟ وهل القارئ يبحث عن الحقيقة عندما يقرأ رواية تلاعب الروائي بمصائر شخصياته من خلالها؟ أم أن الحقيقة تتوارى دائما خلف الأحداث وقوتها فتصبح غير حقيقية تماما؟ ومتى يصبح الكاتب قادرا على إيهام القارئ الذي يبحث فعلا عن الحقيقة في رواية ما؟
تكافح «لوين آشلي» بعد وفاة والدتها لتحصيل المال من أجل تسديد ديون والدتها التي ماتت، وهي تاركة لها الكثير من الديون، لتقبل العمل الذي عرضه عليها زوج كاتبة مشهورة جدا هي الأكثر مبيعا في المكتبات لسلسلة روائية تصدرت المبيعات الكبرى على مدى سنوات. بعد أن أصيبت بانتكاسة نفسية أدّت بها إلى كآبة موسومة بعلامات تعجب متعددة. ندرك في ما بعد أنها مصطنعة بعد أن عثرت لوين على سيرتها الذاتية محتفظة بالتفاصيل بعيدة عن زوج الكاتبة المشهورة جيريمي. لكنها تقرر إخباره بالحقيقة التي أخفتها زوجته الماهرة كتابيا، لينتهي بها المطاف إلى الموت في حادث اصطدام بجذع شجرة هي فعليا من صنع الزوج جيريمي، لكن استطاعت لوين خلق التواءات فعلية مثيرة في رواية هي حقيقة نرى من خلالها كيفية عمل عقل الكاتبة في قدرتها على اكتشاف الشخصية الفعلية في العمل الكتابي، وهي الكاتب القادر على صنع الحدث التراجيدي من منظور السيرة الذاتية، حيث نشعر بأن الأحداث حقيقة بالفعل، وكأنها روح وجوهر حياة الكاتب الذي يرسم صورة إيجابية غير حقيقية عن نفسه، بدلا من رمي نفسه في غياهب التصوير الشعاعي الدقيق، وقدرته في إظهار ما يمكن أن يكشفه الكاتب عن داخله على الملأ، والتماشي فيه بتصوير هو فن في رسم الشخصيات وما تنطوي عليه مصداقية السيرة الذاتية للكاتب، التي تكشف لوين عن شخصيته الحقيقية أثناء الكتابة وقدرته في خلق مسارات حياة تشكلت كتابيا ، كواقع هو جزء من حقيقة تشجّع القارئ على محبة المؤلف غير النمطي، المحب للأضواء والقادر على التقاط التراجيديات للكتابه عنها بأسلوب عميق جدا، إذ كلما قرأنا في رواية «حقيقة» للكاتبة كولين هوفر، اقتربنا من أهمية الدوافع المختلفة بين الكاتب والناشر وقوة الترابط بينهما، رغم أن الأول يكتب والثاني يقرأ بدافع النشر لتحقيق مبيعات. فهل تتطلب الكتابة الروائية تقنية لا يمكن اكتسابها كتابيا ما لم يكن الكاتب قادرا على عيش الحياة التي تساعد في الكتابة؟ وهل السذاجة في التقيد بالقواعد الروائية أثناء الكتابة تربك العقل؟

كاتبة لبنانية

شاهد أيضاً

فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“

(ثقافات) فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“ بقلم: إدريس الواغيش في البَدْءِ كان جمال الطبيعة وخلق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *