العشق والهوى

(ثقافات)

 

العشق والهوى

 د. صحر انور

في هذه الأيام النورانية اعتدت منذ سنوات طويلة أن أحيا حياة روحانية، أعتبرها خارج نطاق الحياة، أتجرد فيها من كل أفكاري المعقولة واللامعقولة، أبتعد عن كل البشر، تسقط من ذاكرتي همومي وأحزاني وأوجاعي، أترك عقلي وعملي وبيتي وعائلتي وكل ما يربطني بالدنيا. أرحل أنا وقلبي وروحي وجوارحي فقط ، وكلّي شوق ٌ ولهفة إلى كل ذرة نقاء كي أتنفسها وأطرد ما تعلق بروحي من خبائث البشر التي تجعلني أشعر كم أنا هشةُ ضعيفة أمامها حيث لا أستطيع أن أراها أو أنها تكون في حياتي فأقوم ببترها فوراً، أستمع إلى الهمسات والموسيقى الكونية التي ينشدون بها التي تتناغم معها نبضاتي فأشعر وكأني طائر يرتفع إلى السماء، أنظر إلى الألوان والأشجار والورود والأمواج وأنصت إلى الحوارالمتبادل بيني وبينهم لتصبح لغة الهمس هي اللغة المسموح بها فقط، أبتعد عن الطعام وأكتفي بالقليل، أشعر وكأنني قد أصبحت كوكب في الفضاء خرج عن مدار الكواكب الشمسية وانطلق في الفضاء الخارجي أو هكذا شيء من الجنون . فالجنون في العشق إلى حد الجنون..جنون، والغرام والهوى إلى حد الضياع.. ضياع، هذه الأقوال من الجائز وجودها بين البشر، ولكن العشق والهوى في حب الحبيب طه صل الله عليه وسلم وآله ما هو إلا الطريق والوصول إلى العلو والرفعة، فمن ذا الذي يدرك الحب الآلهي ويغرق، فالحب هنا لا يعرفه إلا من ذاق حلاوة القرب فأصبح لا يدرك معني الشوق لأنه أصبح يحيا بذات المحبوب، فكما يقول جلال الدين الرومي ” انظر بقلبك ..وستعرف أن كل ذرات الكون في رقصة عشق أبدية..ستعرف أنها تتلمس العاشقين فتعرفهم ” فهذا هو الحب الذي يجلو صدأ القلوب وسوادها ، يجعلها تصفو وتتصافى، فمن ذاق حلاوة الإيمان ولذة القرب من المحبوب حقاً لن ينسي بل يسعى للمزيد من القرب.. فتشعر بوصل روحك مع الله ولذة التواصل والاتصال ، فتجد نفسك لا تجرأ بعدها على المعصية حتى لا تفقد هذه اللذة، بل تجعلك تشعر بالسعادة دائمًا، وتسكب على قلبك الهدوء والسكينة والأطمئنان، تجعل حياتك عامرة بالايمان، تتحرك بالطاقة النورانية الربانية وليست البشرية. تشعر أنك مخلوق نوراني، يراك من حولك ينجذب إليك كما ينجذب الفراش إلى النور، يهابك مهابة عظيمة ويشعر كأن حولك جيش من الفرسان لحمايتك ما يكاد يقترب منك إلا وقد انتهى، فتصيبه الحيرة أيقترب أم يبتعد أم ماذا يفعل . في هذه الأيام أبتعد عن الطبيعة البشرية وأمارس حياة مختلفة إلى حد كبير، أيام ربيعية المناخ، عطور المسك والعنبر تفوح من كل مكان، فيها التأملات الكونية لقدرة الخالق فكلما وجدت نفسك متأملاً لهذا الكون لا تملك إلا الإعتراف بتلك القدرة الخفية والتي تتراءى أمام عينيك جلية فلا تملك إلا أن تخر ساجداً لخالق الكون، وهكذا يكون حالي . أحوال متقلبة تتبدل مابين دقيقة وأخرى بين الأحوال والدرجات الروحانية ، مشاعر وشوق للقاء بالصلاة على حضرة سيدنا رسول الله، ذكر الله الذي لاينقطع إلا في حالة النوم والتي تجد نفسك لاإرادياً فيها تذكر الله ولسانك مازال مرددًا له، أصوات الإنشاد حولك في كل مكان فتدخل في أعماق جوارحك تناديها ، تهدهدها، تداوي جروحها، تذيب جمودها ، تمنحها اللين والحنان . وتمر الأيام وتنتهي سريعاً ولكن حبك ياسيدي لا ينتهي، بحبك يامولاي كما قالت رابعة العدوية عرفت الهوى، نعم عرفت نفسي ورأيت الكون وجماله، رأيت أجمل مافي البشر، عانقت الحياة بكل مافيها، عرفت الغرام ولوعته، بدأت من جديد وكأني لم أولد إلا اليوم، وأعلم سيقولوا عني مسّها مس العشق ، فأصبحت لا تهوي مايهواه البشر فأقول نعم، صوفية أنا وأعترف، صوفيه القلب والهوى، أعشق آل الحبيب وعترته، عليك الصلاة والسلام ياسيدى ومولاي يا خير الأنام، وإليك ياتهامي أذكي السلام والتحايا والحب كما قالت رابعة العدوية : “أحبّك حُبين؛ حبّ الهوى * وحبّا لأنك أهلٌ لذاكا فأما الذي هو حُبّ الهوى * فشُغلي بذكرِك عمّن سواكا وأما الذي أنتَ أهلٌ له * فكشفُك للحُجب حتى أراكا”.

شاهد أيضاً

سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في أبوظبي للكتاب

(ثقافات) سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في جناح مؤسسة العويس بمعرض أبوظبي للكتاب   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *