مشاعري .. وأنا بنت أمي.. وأنا أم ابني

(ثقافات)

 

مشاعري .. وأنا بنت أمي.. وأنا أم ابني

*د. صحر أنور

 

مع بدء الربيع و تفتح الزهور يأتي إحتفال عيد الأم لينثر عِطره على قلوبنا وليملأ عبيره الأجواء، وهذا الإحتفال أتى كفكرة للكثير منذ زمن طويل على مستوى العالم، و مصر أول دولة في الشرق الأوسط تحتفل بعيد الأم في 21 مارس عام 1956، بعدما زارت إحدى الأمهات الصحفي الراحل مصطفى أمين في مكتبه بصحيفة أخبار اليوم، وقصت عليه حكايتها وكيف أنها صارت أرملة وأولادها صغار، ورفضت الزواج وكرسّت حياتها من أجلهم حتى تخرجوا من الجامعات وتزوجوا وكلً منهم أصبح له حياته المستقلة، وفي النهاية انصرفوا عنها تماما، حينها كتب مصطفى أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير حينها ” فكرة” يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة يوم لرد الجميل للأم. هذا الإحتفال وإن كان إرتبط بكلمة (عيد الأم ) إلا أنه لايكون مجرد إحتفال، بل طاقة من المعاني والمشاعر يتم إطلاقها وبثها عبر أثير قلوب الأبناء والأمهات معاً في آن واحد، فنجد كلٌ واحد منا وكأنه قد إنصهر في بوتقة ذكرياته مع أمه، فيبدأ كل شخص في هذا اليوم يفكر في أمه بشكل مختلف. أما أنا في هذا اليوم فسوف أكتب عن أمي، فأمي هي هذه السيدة الطيبة الحنونة البسيطة، التي لا تعرف إلا بيتها وزوجها وأولادها ، وإن كنت لم أتذكر السنوات الأولى من العمر، لأنه من الطبيعي في السنة الأولى من عمر الأطفال لايتذكرون شيئا، ولكن يتكون لديهم ما هو أهم من الذاكرة، يتكون إحساس الإرتباط والتعلق والذي يصل إلى مرحلة الإلتصاق، لتبدأ بعد ذلك مرحلة أخرى وهي تكوين الذاكرة وتخزين الصوروالحركات، إلى أن نصل للمرحلة التي نبدأ فيها تكوين الذاكرة، وأتذكر أنني كنت مرتبطة بها بل ملتصقة بها حتى الثانية من العمر إلى أن جاء أخي، وحينها بدأ هذا الإلتصاق يتفكك شيئا شيئاً، فقد أصبح هناك منافس لي في أمي، بل أصبح هناك بعد ذلك عدد المنافسين لا بأس به، كنت أراها دائماً تجرى وتلهث خلف هذا ليأكل وخلف هذا ليشرب، وتجري لتجهز الطعام، وترتب المنزل، في الوقت الذي كنت وإخوتي ننام ونلعب ونلهو وندمر كل مايقع في إيدينا، وفي في حالة مرض أحد منا تُصبح وكأنها هي التي مرضت، كانت تجري من طبيب لآخر، وتسهر لا يغمض لها جفن، كانت أمي جميلة وأنيقة فقد كانت تشبه الفنانة شادية في زمن الستينيات، وكنت أحب أن أنظر إليها كثيراً والحمد لله أنني أكثر من يشبهها، كنت أشعر بأن وجود أمي في حياتي شيء طبيعي مخلوق معي كجزء من جسدي لا ينفصل عني، ولم أتخيل يوماً الحياة بدونها ، ونحن كأبناء في العادة لا نشعربما تشعر به الأمهات. بعد أن أصبحت أما أدركت معنى كل إحساس وكل شعور كانت تشعر به أمي، وأدركت كيف كانت أمي تراني، ومع مرورالأيام وجدتني أجري في المنزل مثل أمي، أفعل ماكانت تفعله من إعداد الطعام وترتيب الملابس وكل أمور المنزل، كنت في كل ما أشعر به مع أولادي أشعر كم عانت أمي معنا وكم تألمت وكم كانت تداري عنا تعبها مثلما أفعل الآن، فوجدتني أصبحت نسخة منها. ياااه يا أمي ياااه يا أمي على حنانك في قلبك يا أمي كل الخير ووجهك يا أمي كل النور يانفحتي من الرحمن في كل صباح .. تشرق الشمس من وجه أمي كيف يكون الصباح جميلاً دون وجهك ياحبيبة كيف يكون بدون صوتك عندما يأتيني هادئاً ناعماً فيسكب على روحي أماناً وحناناً كيف أعبر المستقبل إلا إذا كانت عيناكِ دليلي دعواتكِ ياحبيبة تفتح لي دروب المستحيل عندما تهاجمني ألأحزان.. ألوذ بحضنك الدرع الحصين العمر بدونك يا أمي قد يكون عُمرًا لكن العمر معك .. حياة وجهك يا أمي كل يوم يمنحنى الحياة ….. أما أنت يا ولدي اليوم دعني أخبرك بما سوف تشتاق أن تسمعه يوماً ما عن يوم مولدك كما إشتقت لسماعه من أمي، يوم أبلغني الطبيب بوجودك بين أحشائي وكيف كدت أطير من الفرحة ، كيف كنت أتألم وأشعر بالتعب والإعياء كلما زاد وزنك داخلي حتى أصبحت لا أستطيع النوم على أي جنب ولا الجلوس، وكلما زاد هذا التعب أضحك أكثر معك وأداعبك باصابعي وأتكلم معك وأشتكي لك منك واقول لك ” شفت أنت عامل فيا إيه ” وأنا في غاية السعادة ، كم كنت أنتظر بلهفة لحظة وصولك ..إلى أن أتت هذه اللحظة والتي أتذكر فيها صراخي من الألم وكأن روحي تخرج مني مع كل صرخة. أتيت أنت إليّ ياحبيبي وإلى دنيتي التي زاد نورها بميلادك ، كنت أشعر أنني أرى قطعة من قلبي..روح روحي بين يدي آراها بعيني. إنتفض قلبي ولمست أصابعك الصغيرة الحمراء وتحسست براءة وجهك وبكيت حتي سالت دموعي على وجهك من فرحتي .. يا الله وكأن الله أحياني بعد موتي في هذه اللحظة الآن…تذكرتك عندما بدأت تتحرك وتلعب حولي، وكيف كنت تتعثر وأنت تتعلم المشي، أسمع صوت ضحكاتك الجميلة البريئة تملأ أركان البيت وأركان حياتي معها وأنا أجري وألعب معك. وكيف كنت في أول يوم لك في الدراسة تنظر إلىّ على الباب وكأنك تناديني أن أدخل معك ولا أتركك وحدك، وفرحتك بنجاحك وإصرارك على أن أشتري لك هدايا النجاح فقد كنت طفلاً جميلاً . ابني الحبيب .. اليوم أراك أمامي شابًا يافعًا رائعًا جميل الخلق والأخلاق ، حبيبي أٌشهد الله أني راضية عنك كل الرضا وأدعو الله لك من كل قلبي أن يحفظك ويرعاك في كل خطوة وأن يبارك لك في عمرك وذريتك وأن يكتب لك التوفيق والنجاح في حياتك ويرزقك سعادة الدنيا والآخرة. وأخيرا كل عام وأنت معي ياأمي ..وكل عام وكل الأمهات في كل بقاع الأرض بخير وسعادة.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *