أَقلُّ مما يُحبِّذُ المزمار

(ثقافات)

أَقلُّ مما يُحبِّذُ المزمار

* إلى مليحة ..أمي

موسى حوامدة

مضى نحوَ بابِ الخطيئةِ طفلُ الحرمان

مضى يَجرُّ أذيالَ الخليقة

يطوي الكتابَ على عجلْ

تباركَ الجنون

تباركت المخلوقات

تباركَ سعيُ المحرومين

للقاء الكثبان،

تباركَ شلالٌ غامضٌ

ينبعُ من بحيرات الحسرة.

كيفَ آتيكِ يا دَفقةَ الخلق

على يديكِ تعربشتْ خَمائلُ المجرَّات

من بين أصابعِكِ الغضة

مدَّ الغَمْرُ سُطوعَه

تَعلَّقَ بين راحتيكِ الرَّجاء.

انفردي بالعذوبة

تلكَ التي تصاحبُ الغزالة،

تسابقُ النسيمَ

امْتَزجي بأولى القطرات،

امتدّي بين اليقين والجحيم،

الْتَبِسي بالنثر

تكلَّلي بالخليطِ المُتَشكِّلِ في ساقية النجيع.

عَمِّريني ببيتٍ يتيمٍ من صَنيعِكِ

امنحيني شعباً ليِّناً

وأتباعاً مَأْخوذين،

وأنتَ يا غُموضَ الكون

ارفعْ غطاءَكَ عني

زاغ النورُ وما انقدحَ الشررْ.

منذُ أنْ تكلَّم الجبل

أصغتْ الوديانُ لغناء النهر

منذ أن تلعثَم آدمُ

هبطتْ بنا الأرضُ إلى قبوها.

من يرفعُ الظلمَ عني؟

من يُعلُّقُ الصمتَ لأشنقَ عبدَ الذل؟

من يرفعُ الحبلَ قليلاً

لأُدربَ عَينيَّ على اختراق السموات؟

سامحيني يا مليحة

سامحيني فلم أستردّ الطاعةَ حتى بعد رحيلكِ

سامحيني يا امرأة

حَملتني قبلَ أنْ أُبصرَ المهانة

سامحيني أيَّتها النائمة الجميلة

تحتَ طين الذكريات.

أعترفُ للنار بأخطاء المجوسي

أعترفُ للكاهن بآثام الصليب

أقرُّ هنا أن الأنبياءَ شعراءُ الزمان

دهنوا الشعرَ بالتراتيل

كَسَروا الدائرة

نفذوا لمعاصي الطين.

سامحيني يا أُمّي

لم أخطف الشمسَ بعد،

لمْ أُبدِّدْ تعاليمَك يا بوذا،

أخلفتُ زماني ورائي

وأنا أحملُ جثتي

للماضي أسير.

لن أَصلَ غايتي

لن يخدمني الرضا

فكرةُ الليل مجبولةٌ على الخداع.

سامحيني يا أمرأة

ما كنتُ أدركُ رعشةَ القتيل

ولا أحملُ ميراثَ الأجداد.

سامحيني يا مليحة

تحت عينيكِ أقيمُ خَرابي

ومن بين يديكِ أصنعُ تماثيلي.

هنا الجمعُ بين حسرةِ البلوط ونشيج الكستناء

هنا الفرقُ بين رقصةِ النار وشَقِّ صدرِ القبر،

هنا لا فرقَ بين أمكَ التي مضتْ وأمك التي بين يديك.

تنحرفُ الكلماتُ

تزوغ الضمائرُ

تَسَّابقُ الجنازات

ويظل خيطٌ بعيدٌ

يشدُّ الغيمَ إلى منبع البرتقال.

هنا الفرق بينَكِ وبين المجدلية

هنا لا فرق بينكِ وبين التي صنعتْ طحينَها بيديها.

هنا أجدُ البعيدَ ظلاً في شَبحِ السراب.

تعتريني رعشةُ الله

وأنا أعودُ إليكِ

سامحيني

أنتِ لا تُحبين ازعاجَ الخالق

بما لا يشبهُ صنائعَهُ،

سامحيني

لا أفكرُ في اقتحام المقبرة

لا أفكر في نبش الزمن،

أرى نهايتي بين يديّ في لوحة المجدلية.

قريبةٌ هذه المرأة

قريبةٌ منكِ أكثرَ مما تَعْرفُ وتَعرفينْ

أكثرَ مما ينبغي لاصفرارِ الدالية

وأقلَّ مما يحبذُ المزمارْ

قريبةٌ منكِ

حدَّ الطفل الذي سَبَقَني إلى جثةِ الماضي.

القصيدة منشورة في مجموعتي الشعرية سلالتي الريح عنواني المطر التي صدرت عام 2007 عن دار الشروق في عمان، وصدرت عام 2010 عن هيئة قصور الثقافة المصرية سلسلة ىفاق عربية، وطيعت للمرة الثالثة ضمن مشروع مكتبة الأسرة- وزارة الثقافة الأردنية عام 2013

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *