قصيدتان للشاعر مرزوق الحلبي

(ثقافات)

 

1.

أثرُ خُطانا على وجهِ الماءِ

 

مرزوق الحلبي

ما دُمنا سنموتُ

كلٌّ بطريقتِه

فلماذا لا نموتُ ونحنُ طيّبون كجدّاتِنا

كالذين، من زادِهم، يُطعمون اليمام؟

ما دُمنا سنموتُ يومًا

لماذا لا نموتُ ونحنُ سعيدون

نشربُ نُخبَ الذينَ يُحبّونَنا

ونُخبَ أذرعٍ ملفوفةٍ حولَنا برفقٍ

تردّ عنَّا الأذى

وتدسُّ لنا التمائمَ في الجيوبِ

ما دُمنا سنموتُ يوما

لماذا لا نموتُ ونحنُ أنيقون

نغتسلُ بالعطرِ كلّ صباحٍ

ونلتفّ بشالِ الحريرِ

وندقّ الأرضَ بحذاءٍ إيطاليّ:

أننا قادمون؟

ما دُمنا سنموتُ غدًا

أو بعدَ غدٍ

فلِماذَا لا نموتُ معترفينَ لأمّهاتِنا

بفضلهنَّ في خياطِة النهارِ بالليلِ

ووضعِ

مقامٍ يحضّرنَ علَى وقعِه الكُحلَ للعيونِ الجميلةِ؟

لماذا لا نعترفُ للآباءِ

بأنّهم قدّموا لَنا الحياةَ

والخيباتِ على طبقٍ واحدٍ؟

لماذَا لَا نعترفُ للسروِ

بأنه علّمنا العلوَّ؟

ما دمنا سنموتُ غدًا

لِماذا لا نموتُ ونحنُ عادلون

فلَا تنكسرُ علَى أيدِينا لغةٌ منَ اللغاتِ

ولَا يتيهُ قمرٌ عن غايتهِ

ولا يؤولُ نبيّ إلى الغيبِ؟

ما دمنا سنموتُ بعدَ قليلٍ

فلماذا لا نتركُ في الموقدِ جمرةً واحدةً

للغائبينَ

وقصيدةً غيرَ موقّعةٍ

يرتدونَها في الغُربةِ؟

ما دُمنا سنموتُ كمَا مَاتوا

لماذا لا نتركُ

للباقينَ مفاتيحَ الوقتِ

وأثرَ خُطَانَا علَى وجهِ الماءِ؟

ما دُمنا سنمضِي كالوقتِ

فلماذا لا نتركُ في الفضاءِ

متّسعًا للحنينِ

ودهشةَ الأراجِيح

والقُبلِ

ما دمنا سنموتُ كعادةِ الناسِ أن يموتوا

فلِماذَا لا نتركُ

قلبَ حبٍّ واحدٍ

على جذعِ شجرَة في الجوارِ

يتسلّى المارةُ في تأويلِه؟

ما دمنا سنموتُ كوردةٍ في مزهريّة

كعصافيرَ منَ البردِ

كعاشقينَ من شدّةِ الوجدِ

كمُعدمينَ على أرصفةِ المُدنِ

كحوتٍ قضَى بينَ جزرٍ ومدِّ

فلماذا يصرّ بعضُنا أن تظلَّ ذِكراهُم

جثّةً هامدةً ينخرُها الدودُ علَى مزبلَة؟

ما دُمنَا ميّتين كما ماتَ غيرُنا

لا محالَ

لماذا نندهِشُ منَ الموتِ

كلّما مدّ يدَه للمصافحةِ؟

هو الموتُ قادمٌ نحوَنا

في موعدِه

لا يحملُ للميتينَ الألَم

فلنعدُّ حقيبةً خفيفةً

لا تثيرُ فضولَ الحَرسِ فِي الممرّاتِ

ولنبحثُ في القواميس عن معانِي العدَم

(كانون الثاني 2023)

2.

نُصبُ تذكاريّة

اعترفتُمْ أو لم تعتَرِفُوا

فالحواجزُ التي تقطعُ أوصالَنا

وجنازاتِنا

تقولُ كلَّ شيءٍ مهمَا تكتّم الجنودُ

الوقتُ في ساعاتِكم مدبّبٌ

أو هوّةٌ سحيقةٌ

تصوّبون البنادقَ على كلّ شيء،

على الغيمِ

والطيرِ

علَى العاملِ الذِي لنْ يمرَّ

والطالبِ الذي لنْ يعُود

والمرأةِ الحاملِ

والطفلةِ التي تلوّح بدفترِ الحسابِ

كلُّ الحواجزِ نُصبٌ تذكاريّةٌ

لحياتِنا التي تقنصونَها وأنتمْ تضحَكُون

كلَّ صَبَاح

اعترفتُم أوْ لمْ تعتِرفُوا،

فالقريةُ التي أطلَعَها الحريقُ

من خبايَا الحُرْشِ تبوحُ بكلِّ شيء

والأرضُ المدرّجةُ

مدرّجةٌ،

كمَا تركَها أصحابُها

والصبايَا لا زلنَ هناكَ يملأنَ الجِرارَ

يضحكنَ لصورَهنَّ فِي المَاءِ

ويصعدنَ إلَى السمَاءِ

اعترفتُم أوْ لمْ تعتِرفُوا

فالبلادُ كُلّها مزروعةٌ بالقبورِ

فِي كلِّ جهةٍ قبرٌ

ولكلّ قبرٍ اسمٌ

وألفٌ يتذكّرونَ سكَّانه

النائِمِين

ريثمَا يحينُ الوقتُ

ليعودُوا إلى مقابرَ أكثرَ رأفةٍ بالميّتين

اعترفتمْ أوْ لمْ تعترِفُوا

فالغائبونَ هناكَ،

هُنا

ينتظرونَ علَى صُرَرٍ

فِي كلّ صُرّةٍ روايةٌ،

روايتانِ

وخرائطُ البيوتِ

والحقولِ

والممراتِ إلى شجرٍ في الأعالِي

ومسالكِ الرُّعاةِ

وناياتِهم

في كلّ صرّة ذاكرَةٌ مفصّلةٌ

تقطعُ طُرقَ المارين في تاريخنا

اعترفتم أو لم تعترفوا

فإنّ قُضاتُكم فِي السفحِ يُدوّنون أحكامَهم

أسرَعَ من يدِ الجنوِد علَى الزنادِ

يشطُبونَ من أعمارِنا سنوَات

من أحلامِنا

ومن مماتِنا سنوات

قُضاتُكم، في آخرِ النهارِ

خاتمٌ في إصبعِ الجِنرَال

(نيسان 2022)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *