(ثقافات)
ترجمة خالية من الجنس
فهرس بعض الخسارات – 4
عندما صدرت ترجمة الصديق أحمد فاروق “مجد متأخر” للكاتب أرتور شنيتسلر، أطلق عليها ساخرا “ترجمة خالية من الكحول” بعد أن طهرها السيد الرقيب من كل أنواع البيرة والنبيذ والكونياك، ليسمح فقط بكلمة “مشروب” أو “شراب”.
في ترجمتي نجت الخمور من مزاج الرقيب، إذ انصب غضبه هذه المرة على الجنس.
تحدثت من قبل عن فصل “دائرة معارف في الغابة” الذي يدور حول رجل سويسري اقتنى بستانا من أشجار الكستناء حوّله شيئا فشيئا إلى دائرة معارف، صنّف فيها كافةَ المعارف البشرية على أكثر من ألف لوحة مكتوبة ومبوّبة. وكان محتوى هذه الموسوعة التي كُتب معظمها بعدة لغات يتضمن ملخصات لموضوعات من مجالات العلوم المختلفة. ومن الموضوعات التي تعرض لها في “موسوعته” موضوع الجنس، ومناطق اللذة في جسد المرأة. وكان هذا الفصل تحديدا هو الذي تعرض للبتر الأكبر، وبلغت عدد الكلمات المبتورة 640 كلمة من الأصل الألماني!
سأقدم مثالا لما تم بتره من هذا الفصل أو تغييره:
عبارة عادية تماما مثل “وخاصة إذا كان الدافع الجنسي للشخص قويًا للغاية.”، تغيرت إلى “وخاصة إذا كانت رغبة الشخص قوية للغاية”.
بصراحة لم أكن أعلم أن كلمة “دافع” بها شبهة العيب.
ويبدو أن الرقيب نصب نفسه هنا مدافعا عن جنس الرجال بأكلمه، فحذف كل ما تخيل أنه قد يهين الذكور والذكورة، مثلما نرى في هذا المقطع الذي حُذف بأكمله:
“إن العضو التناسلي الذكري –الذي لا يقدم أي ميزة على الإطلاق إلا عندما يتعلق الأمر بتلبية نداء الطبيعة- يمثل عبئا دائما ووصمة عار. إنه، لا سيما عندما يقف الرجل مستقيما، أكثر الأماكن ضعفا في القتال، وعائق مزعج للعين، سواء لأنه نتوء في سطح مستو، أو باعتباره كسرا وسط خط مستقيم.”
أو هذا المقطع الذي ترك الرقيب نصف الجملة فيه، ثم أتى على نصفها. هنا المحذوف:
“…. في حين أن الرجل يتدنى إلى أحط الحالات الحيوانية، وبمجرد أن يعري عضوه التناسلي يبدو مُهانا، فاقدا لأي جمال. وفيما يتعلق أيضا بالقدرة التقنية على إتمام الجماع فإن المرأة تتفوق على الرجل، فهي لا تحتاج على سبيل المثال إلى قضيب منتصب. وفيما يتعلق بالعملية الميكانيكية للفعل فإن المرأة قادرة على الجماع دون توقف.”
هذان المقطعان وأمثالهما يأتيان في سياق معين، يقارن فيه السويسري، صاحب دائرة المعارف، بين أعضاء الذكر الجنسية وأعضاء الأنثى، وهي مقارنة -فيما أرى- ساخرة، بعيدة كل البعد عن الابتذال أو الإثارة. لكن يبدو أن مجرد النطق بكلمات معينة يصل إلى مستوى الكبائر عند البعض.
المضحك المبكي هو أن العقد الموقع مع “كلمة” يؤكد على التزام المترجم بقواعد “الأمانة العلمية والدقة الفكرية واللغوية بحيث تكون المقارنة مع النص الأصلي دقيقة في مستوى الألفاظ والمعاني كلها، مع التأكد … من عدم سقوط لفظ أو معنى، كذلك لا يضاف إلى النص الأصلي ولا يُحذف منه شيء بدون التشاور مع الطرف الأول والحصول على موافقة كتابية منه.”
ويبدو أن المقصود من الفقرة: على المترجم أن يلتزم بالدقة، وللدار أن تفعل بالترجمة ما تشاء!
مرتبط
إقرأ أيضاً
من المطبخ*بسمة النسورقد يتفق معي معظم الزميلات والزملاء، من كتاب الزوايا اليومية والأسبوعية، وبلا أدنى تردد،…
-
-