(ثقافات)
مؤسسة عبد الحميد شومان تحتفي بالمبدع وليد سيف
زياد أحمد سلامة
بعد طول انتظار وتوقع احتفت مؤسسة عبد الحميد شومان بالدكتور “وليد سيف” يوم السبت 18/2/2023 بصفته “ضيف العام 2022” وكان عنوان اللقاء “وليد سيف أكاديمياً ومبدعاً وملهِماً” وقد شارك في الاحتفاء هذا تسعة عشراً مشاركاً من أصدقاء ومحبي وتلاميذ وزملاء الدكتور سيف، وقدموا أوراقاً وأبحاثاً حول مسيرة الدكتور سيف العلمية والفكرية والأدبية والشخصية.
في الكلمة الترحيبية والتعريفية قال مدير منتدى شومان الثقافي ومدير الجوائز الأدبية في المؤسسة، الأستاذ موفق ملكاوي: “إننا نكرم اليوم أيقونة وطنية توزعت مجهوداته على أكثر من مجال، فأبدع في جميعها، وألهم كثيرين من طلبته وأقرانه، إنه الدكتور وليد سيف الشاعر والكاتب والأكاديمي الفريد، الذي تتلمذ على يديه طلبة توزعوا اليوم على عشرات الجامعات، سائرين على هديه ومنهجه، وحافظين له الود والمحبة، وهو الكاتب الدرامي الذي نبش في تاريخنا النازف، والتقط منه لحظته المناسبة، ليقدم لنا مراجعة ومحاكمة لهذا التاريخ، من أجل إعادته إلى سكة الحقيقة، بما يشبه التاريخ الموازي غير المروى في الكتب المعتمدة”.
بعد تكريم الدكتور سيف من قبل راعية اللقاء وتسلمه درع مؤسسة شومان التكريمي، توزعت جلسات اللقاء على خمسة محاور:
الجلسة الأولى والتي أدارها الدكتور الناقد “مصلح النجار” وكانت عن علاقة الدكتور وليد سيف بالجامعة الأردنية، قدم في هذه الجلسة عدد من تلاميذ الدكتور سيف الذين صار لهم شأن في العمل الجامعي:
الدكتور وليد العناتي وقدم ورقة بعنوان “صفحات من مسيرتي الأكاديمية مع وليد سيف” ومن المعرف أن الدكتور العناتي قد تعلم في مراحله الجامعية الثلاث في الجامعة الأردنية وهو الذي أشرف على رسالته في الدكتوراه.
وتحدث الدكتور العناتي عن تجربته مع الدكتور سيف حينما كان أحد طلبته في الجامعة الأردنية، منوها بما كان يمتلكه الأكاديمي الدكتور سيف من ثراء المعرفة وتدفق الذاكرة حصيلة سنوات طويلة من القراءة والمراجعة والمناقشة والتفاعل الثقافي والاجتماعي. كما استذكر العديد من المفارقات والتجارب أثناء مراحل الدراسة الجامعية في البكالوريوس والماجستير والدكتوراة والتي كان فيها الدكتور وليد سيف عونا له في كل مرة، لافتا إلى الفائدة الكبيرة التي جناها من خلال تتلمذه على يده.
أما تلميذته الدكتورة فريال القضاة فقدمت ورقة ممتعة بعنوان “وليد سيف وتكامل الهويات” وقالت إن ورقتها تستقيم في أقسام ثلاثة، يقف أولها عند محطات في مراحل حياتها الأكاديمية والعملية أضاءتها بصمات وليد سيف، فيما يستطلع القسم الثاني المحور الأساسي في هذه الورقة متمثّلا في تكامل الهويات في شخصيته وفكره، ثم الانتقال في قسم ثالث إلى جانب تطبيقي نعاين فيه خطاب وليد سيف الفكري كما تمظهر من خلال خطابه الأدبي، وفيه تتجلّى فكرة تكامل الهويّات المتصلة بفكرة طاغية في أعماله المختلفة وهي فكرة “الثنائيات” حيث البحث عن تجادل المعاني وتناظرها بين أبرز ثنائية عند وليد سيف وهي ثنائية “الذات و الآخر” وفكرة “تكامل الهويات” كما يتبدّيان معا في القصيدة الطويلة “البحث عن عبدالله البرّي”.
في حين قدم الدكتور هيثم سرحان ورقة بعنوان” وليد سيف طائراً محكيَّاً” قال فيها “إن الإحاطةُ بصورة الدكتور وليد سيف الأكاديميّة والقبضُ على ملامحها التفصيلية ليس باليسير السّهل ولا بالهيّن الـمُمْكن؛ إذ إنَّها صورةٌ تتشظّى في مرايا زملائه وطلبته، غير أنني سأسعى، ما وسعني الأمر، إلى محاولة لملمة تلك الملامحِ والشّظايا والمدلولاتِ لأُعيدَ إنتاج صورةٍ ذهنيّةٍ عن الدكتور وليد سيف كما تَحْضرُ في مُخيلتي التي لا تكاد تنجو من مكائد التأويل وفتنة الذّاكرة ومكر الالتباس بين العلامات وما تُحيل إليه في الواقع الحقيقيّ.
وحدّدُ أربعةَ محاورٍ أساسيةٍ لإعادة إنتاج صورة ذهنية عن الدكتور وليد سيف في محاولة محفوفةِ بالاستذكارِ والاستدعاءِ والتّخييلِ الذّاتيِّ والاستحضارِ والتّداعي، وهي: وليد سيف ضيفًا ومُضيفًا، ووليد سيف ساردًا شفويًّا، ووليد سيف موزّع الهوى، ووليد سيف مُمتطيًا الرّيح.
في الجلسة الثانية، والتي أدارتها الدكتورة شهلا العجيلي أستاذة الأدب الحديث في عدد من الجامعات، وقد دارت هذه الجلسة حول “وليد سيف الشاعر” و تجربته الشعرية، ومن المعروف أن للدكتور سيف ثلاث مجموعات شعرية ، هي: “قصائد في زمن الفتح” وصدر هذا الديوان عام 1969، ووليد سيف على مقاعد الدراسة الجامعية الأولى وكان عمره واحداً وعشرين عاماً، ليتبع هذا الديوان ديوان آخر بعد عامين “وشم على ذراع خضرة” وأما ديوانه الثالث: “تغريبة بني فلسطين” فقد صدر عام 1979، وهذه الدواوين الثلاثة كانت منشغلة بالقضية الفلسطينية ، ليتوقف الشاعر بعدها عن الكلام الشعري، فلم يصدر للشاعر سوى قصيدتين طويلتين، الأولى وتحمل عنوان “البحث عن عبد الله البري” وصدرت يوم 25/11/1989، والثانية بعنوان “الحب ثانية” وصدرت يوم 23/10/1992. ثم صمت شاعرنا صمتاً شبه مطبق عن الكتابة الشعرية.
في هذه الجلسة تحدث الدكتور “إبراهيم السعافين” وهو ناقد كبير يُشار له بالبنان، وأستاذ جامعي مرموق، تحدث في ورقته عن بعض الجوانب الفنية في شعر “وليد سيف” وكانت ورقته بعنوان “الصورة والدلالة في شعر وليد سيف”. وقال إن الصورة في ديوان الدكتور وليد سيف “قصائد في زمن الفتح” قريبة التّناول، والرّمز ممّا هو متداول في أوساط المبدعين والمثقّفين، مشيرًا إلى المراوحة بين الصّور الجزئية والصّور المشهديّة أو الكليّة في قصيدة الدكتور سيف ” الخروج من المنفى”. ولفت إلى أن وليد سيف ابتعد عن المباشرة في شعره ولكنّه لم يبلغ حدّ الغموض الذي يودي بخلفيّة اللّوحة الشّعريّة.
وأتحفنا الأستاذ الشاعر زهير أبو شايب بورقة شاعرية اللغة تحدث فيها عن ” شعرية الحنين: قراءة في منجز وليد سيف الشعري”. قال فيها: إن تجربة وليد سيف الشعريّة، كما يتّضح لقارئها، ولدت في لحظة الانهيار العظيم الّذي اتّفق على تسميته “النكسة”، ولذا فإنّ كلّ قراءة جديدة لهذه التجربة، وكلّ محاولة للتعرّف على ملامحها ومذاقاتها وخرائطها السريّة ستقود بالضرورة إلى “النكسة” بوصفها نقطة الارتكاز الّتي ظلّت قصيدة وليد سيف مشدودة إليها باستمرار منذ البداية.
وأوضح أنّ (الكتابة) هنا ليست حالة ترفٍ ناجمةً عن فائض الوجود، بل هي حاجةٌ ناجمةٌ عن الوجود القلق المنتقَص الّذي يدفع الذات إلى معاينة العالم بوصفه فضاءً غسقيًّا تتبدّد فيه الأشياء والكائنات والأزمنة والأمكنة وتتحوّل إلى مفقودات معتّقة ومفردسة أحيانًا، لكنّ مذاقها يظلّ على الدوام لاذعًا وواضح المرارة.
وبين أنه منذ البداية، اختارت قصيدة وليد سيف لغتها وخطابها وأسلوبيّتها وإيقاعاتها ومقارباتها محكومةً بشرط “النكسة”، وبتلك المرارة الناجمة عن فقدان الوطن. وصار (الموت) ثيمةً رئيسةً فيها يتشكّل حولها معجم كامل من مفردات الغياب والفقد والغربة والرحيل والوداع والفراق والذبول والبعد واللوعة.. إلخ، لافتا إلى أنه ليس الموت العاديّ، الّذي تنشغل به القصيدة الوجوديّة، وتجد ما يكفي من الوقت لتتأمّل قدومه البطيء والثقيل، بل ذلك الموت الداهم المباغت الّذي يختطف الأطفال والأشياء والناس الذاهبين إلى الحياة، ولا يلتزم بالزمنيّة، ولا يشكّل ذروةً منطقيّة يمكن القبول بها.
ثم تحدث الشاعر الدكتور راشد عيسى والذي هو تلميذ للدكتور وليد سيف عن “الانفعال الدرامي في شعر وليد سيف” واستذكر قصيدة “تغريبة بني فلسطين” وما فيها من بُعد درامي. وقال إن الخَلْق الإبداعي أو الذوق الفني العميق عند وليد سيف يقوم في جوهره على ثيمة الانفعال في رحلتها داخل أفكار القصيدة أو داخل الرؤيا الجوهرية لها، مشيرا إلى أن الانفعال استجابة نفسية ما تجاه موقف معين، وقد يكون سطحيًّا عابرًا ذا وظيفة مؤقتة، وقد يكون عميقًا سابرًا لمؤثرات البيئة الاجتماعية ومشتبكًا مع الوقائع اشتباكًا استشرافيًّا عاليًا. فأما النوع الأول فهو خاص بالعامة من الناس وبالقصائد الضحلة عند الشعراء فقراء الموهبة، وأما الثاني فيأخذ بُعْدًا استراتيجيًّا عند الصفوة من الناس، وعند الخاصة من الشعراء الموهوبين، لافتا إلى أن الانفعال جزء من مكوّنات البنية الشعرية.
وأشار إلى انه بالنظر إلى منجز وليد سيف في مجال المسلسلات التاريخية والدراما التلفزيونية: فإن هذه المنظومة الكبيرة من الأعمال الدرامية انطوت على احتفالات انفعالية غزيرة جسّدتها الحوارات الخارجية والداخلية في تلك الأعمال المصبوغة برائحة التاريخ.
وبين المنتدون أن سيف كشاعر؛ موهوب حقيقي يمتلك خيالًا شجاعًا ومعرفة جامعة باللغة العربية وبأساليب التعبير النثري على اختلاف فنونه.
في الجلسة الثالثة والتي أدارتها الدكتورة صبحة علقم أستاذة الأدب الحديث في جامعة الزيتونة الأردنية والتي كانت عن “وليد سيف الروائي” تحدثت الدكتورة رزان إبراهيم المهتمة بأدب وليد سيف، والتي لا تفوِّت مناسبة تتعلق بوليد سيف إلا وشاركت فيها، فما إن يصدر الدكتور سيف عملاً روائياً مثلاً حتى تسارع إلى الكتابة عنه مبينة القيمة الفنية في هذه الرواية وذاك المسلسل أو المقال، وهنا كانت مشاركتها بعنوان “بُنية الشخصية في روايات وليد سيف التاريخية” وبهذه المناسبة فللدكتور وليد الروايات التالية:
-
ملتقى البحرين، وهي رواية (خيالية) لا تتحدث عن حدث تاريخي معين، وإن اصطبغت بروح التاريخ، وصدرت عام 2019م.
-
مواعيد قرطبة، وفي هذه الرواية تم تحويل مسلسل ” ربيع قرطبة” وقصة “المنصور بن أبي عامر ” إلى رواية، وصدرت عام 2020
-
الشاعر والملك، وهذه الرواية صياغة روائية لمسلسل “طَرَفَة بن العبد” الشاعر الجاهلي، وصدرت عام 2022
-
العنقاء والنار، وهي تحويل لمسلسل” صقر قريش” إلى عمل روائي وقع في جزئين، وصدرت عام 2022.
-
التغريبة الفلسطينية، وهي تحويل لمسلسل “التغريبة الفلسطينية” الشهير، والرواية وقعت في جزئين وصدرت عام 2022.
وتجربة “وليد سيف ” في الكتابة الروائية عمل فريد، فقد درج الأدباء أن يكتبوا الرواية أولاً ثم يتم تحويلها لعمل درامي، وهنا تم الأمر معكوساً، فقد تم إنجاز العمل درامياً ثم تمت إعادته روائياً، وهي مهمة صعبة للكاتب والمتلقي، فالكاتب يريد أن يأتي بجديد لا يجده المتلقي في العمل الدرامي، ويريد أن يُخلص ذهن المتلقي من الانطباع العام للعمل الدرامي والذي سيحد من خيال المتلقي، وأما هذا المتلقي فلا ينفك يستحضر في ذهنه العمل الدرامي بشخصياته وأبطاله وحركاتهم وسكناتهم وانفعالاتهم وحتى ملابسهم.
ومما جاء في ورقة الدكتورة رزان:” يتأكد لك وأنت تقرأ لوليد سيف أن الإنسان ليس جوهراً ثابتاً بل هو نسبي متغير، نتمثل عبد الرحمن الداخل في صقر قريش الذي نراه رقيقاً يحمل شعوراً قوياً بالحنين إلى شام لم تفارقه وكان يقول: نسيتني نفسي لو نسيت الشام. ومما يلفتك في شخصياته هذا الربط العميق بينها وبين التحديات الخارجية التي تواجهها فيما يصحب ذلك من نمو جدلي وتغيرات تبدو معها القراءة صيرورة متلاحقة يتحرك معها فضول القارئ لمعرفة تحولات حتمية للشخصيات من صيغة إلى أخرى، وهي التحولات غير المنقطعة عن تحولات تقع في الحياة الواقعية وعير منقطعة بالفعل عن قضايا مبعثها الحياة الخاصة للشخصيات، نتمثل شخصية أبي مسلم الخرساني صاحب الدور الكبير في قيام الدولة العباسية.
وقالت: في جل أعمال سيف التاريخية يطرح وليد سيف فكرة تغير الإنسان ومواقفه بتغير موقعه من السلطة وكيف أنها تفرض شروطها على من يتوصل إليها فتصنعه بقدر ما يصنعها حتى يدفع نحو صعوده عن مبادئه وغاياته الأولى، كما في مواعيد قرطبة والعنقاء والنار وملتقى البحرين.
ثم تحدث الدكتور “محمد عبيد الله” الناقد المجتهد المعروف وعميد كلية الآداب في جامعة فيلادلفيا، وكانت ورقته بعنوان “ملامح السرد الروائي في تجربة وليد سيف: قراءة استطلاعية. ركز فيها بدرجة كبيرة على رواية “الشاعر والملك” التي تتحدث عن حياة الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد، ومما جاء في ورقته بأننا محظوظون بأننا نعيش في زمن وليد سيف، ثم قال بأن التجربة الروائية عند وليد سيف تمثل ذروة من إبداعاته المتنوعة والمتعددة، وقال بأن تجربة تحويل العمل الدرامي إلى رواية أمر مستحدث في الرواية العربية، وقال بأن دخول وليد سيف عالم الرواية لم يكن بعيداً عنه فقد أضفى الصفة الأدبية على أعماله الدرامية من قبل.
ثم تحدث الناقد المعروف الأستاذ فخري صالح عن “التغريبة الفلسطينية: الرواية والدراما”. وقال بأن وليد سيف يكتب عن تاريخ القضية الفلسطينية من خلال النظرة الشعبية لا الرسمية، وهو ما يُسمى بالتاريخ الصغير، فيتم هنا كتابة أشياء لا يكتبها التاريخ الرسمي ، فهو يكتب التاريخ من أسفل إذ ينطلق من قرية فلسطينية (مفترضة) من خلال عائلة بسيطة وفيها تم الحديث عن الكثير من القضايا مثل قضية التعليم، وقال بأن شخصية أبي صالح هي موازية للمناضل ” عبد الرحيم الحاج محمد: أبو كمال” أحد قادة ثورة فلسطين 1936 وحتى 1939 وكذلك شخصية المناضل يوسف أبو درة، وقال صالح بأننا نقع في الرواية على الشخصية الحقيقية للبطل التي سبق عرضها في العمل الدرامي.
الدكتورة “مها ياسين” تحدثت عن انطباع والديها عن مسلسل “التغريبة الفلسطينية” وكيف رأت خط حياتهما والكثير من المحيطين بها وكأنه يتحدث عنهم، كما هو يتحدث عن الكثير من الفلسطينيين الذين عايشوا النكبة والتهجير.
وبالمناسبة هناك خلفية لشخصيات التغريبة تتقاطع مع حياة أشخاص عاشوا في الواقع أحداثاً متشابهة أو متطابقة لما جرى في التغريبة من أحداث، وممن تقاطعت شخصياتهم مع أبطال التغريبة (أم سالم) التي فقدت عقلها إذ أخذت وسادة بدل ابنها أثناء الارتباك الشديد الذي عايشه الناس لحظة الهجرة واقتراب الخطر الصهيوني منهم وما يعني ذلك الخطر من قتل وتدمير وتشريد.
في الجلسة الرابعة، والتي أدارها الأستاذ مفلح العدوان القاص والروائي وكاتب المسرح والصحفي، والتي كانت عن “معالجة التاريخ” تحدث فيها أولاً الدكتور “تيسير أبو عودة” عن “كتابة التاريخ والوعي الإيديولوجي من أعمال وليد سيف” وتحدث في ورقته هذه عن الوعي الآيدولوجي والجمالي في رواية التغريبة الفلسطينية”، وذلك من خلال تتبع صورة فلسطين التاريخية واستعارة “بيت التاريخ” الثقافية والوجودية والمتخيلة قبل النكبة في ثلاثينيات القرن الماضي [ابتداء من عام 1933م] مرورا بعصر الثورة الفلسطينية [1936 ـ 1939]، وفترة الانتداب البريطاني وصولا للنكبة وانتهاء بالنكسة عام 1967.
ثم تحدث المهندس جهاد إبراهيم عن “فلسفة التاريخ في أعمال الدكتور وليد سيف” وكانت ورقة ثرية الفكر، قال فيها: إذ قال يمكن لكل من تابع أعمال الدكتور وليد سيف الفكرية (وليس فقط الدراما التاريخية) أن يستشف منها أهمية الثنائيات المتعارضة في تفكيره وضرورة التعامل معها كقوة خلاقة وليس كمنصات وُثوب من جانب لآخر حسب ما تقتضيه الحاجة، ففي مقالة له نشرت في مجلة العربي الجديد تحت عنوان “في قلب الظلام” (ولا تخفى هنا رمزية العنوان حيث يحيل إلى رواية بنفس الاسم لجوزيف كونراد تتمحور حول ثنائية التعاطف الإنساني والانتماء الحضاري الإثني).
وأشار إلى أن الدكتور سيف ينتقد الضحالة المفرطة التي يتعامل فيها أدعياء الثقافة مع آلية تفاعل الثنائيات وعدم إدراكهم أنها بحد ذاتها آلية خلاقة أو شرط للتطور (كما يقول هيغل) لا ينفي أحدها الآخر بل يتفاعل له في سياق تطوري يؤدي في النهاية إلى تراكم المعرفة ومن ثم زيادة مساحة الحرية.
وعرض لفلسفة الظاهراتية، مشيرا إلى أن الدكتور وليد سيف وإسوة بالظاهراتيين فإن المعلومات بذاتها (أو بشكلها الفج) لا تشكل بالضرورة “بناء معرفيا” حتى يتم احتواؤها ضمن منظومة الوعي المعرفي البشرية.
وأوضح أن العقل البشري وبشكل لا واع يقوم في الغالب بإعادة قولبة المعلومات وتشكيلها بشكل يتفق مع قناعته المسبقة ومرجعياته الخاصة ابتداء من مرحلة استقبال المعلومة إلى مرحلة إعادة إنتاجها، مشيرا إلى أنه لعل كثير ممن تتبعوا أعمال الدكتور وليد سيف قد لاحظوا فيها تلك الجدلية المستمرة بين ما اصطلح على تسميته “واقعا موضوعيا” (إذا صح التعبير) ورؤية شخوص العمل الفني لهذا الواقع (أو ما ينبغي عليه أن يكون).
ورأى أن وليد سيف تأثر كثيرا بالمفكر ميشيل فوكو أحد أعمدة المدرسة البنيوية في الفلسفة وعلم النفس واللسانيات وتاريخ الفكر، مبينا أنه يمكن استخلاص تأثر الدكتور سيف به ضمن محاور مفهوم السلطة، وفلسفة اللغة، وللعلاقة التفاعلية بين السلطة والمعرفة التي تمتد من اللغة والخطاب. فالتاريخ ليس حقيقة ثابتة واحدة ساكنة، إنما تتجدد القراءة لها من وقت لآخر وتختلف التأويلات أو القراءات أيضا باختلاف مستوى الوعي والمرجعيات الثقافية والعقدية.
وخلص بأن أعمال وليد سيف تتميز بالتجانس والانسجام الفكري وهو ما يمكن أن يكون من أصعب المهام حين يقترن بتنوع وغزارة الثقافة ومصادرها، وبالتوازن الدقيق بين الفكرة والحدث أو المثال والواقع.
ثم قدَّم الدكتور “يوسف حمدان” ورقته التي عنوانها ” من المطلقات إلى تمثُّل الشرط الإنساني: التاريخ في أعمال وليد سيف الدرامية”. وقال فيها: إن هذه الورقة تحاول تحديد مجموعة من الأساسيات الناظمة لتناول التاريخ في أعمال الدكتور وليد سيف الدراميّة، وتبحث في المنطلقات المنهجيّة في معالجته الأحداثَ والمراحلَ المختلفة في التاريخ من خلال مجموعةٍ من أعماله الدراميّة.
وبين أنها تنطلق من أنّ هذه الأعمال ترتكز على مسارات راسخة وقواعد ثابتة يمكن التماسها والتمثيل عليها من أعمال وليد سيف المختلفة، سواء تلك الأعمال المتعلّقة بشخصيّات محدَّدة، أو بأحداث وحقب تاريخيّة كبرى، في التاريخ القديم قبل الإسلام وبعده، أو الحديث المتمثّل بالتغريبة الفلسطينية.
تحاول هذه الرؤية، بحسب الدكتور حمدان، جمع هذه الأعمال بحثاً عن طبيعة الوعيّ بالتاريخ وحركته، وهي طبيعة كليّة تقوم على فهم السيرورة الإنسانيّة بشكلٍ خاضع لشروطٍ جوهريّة في حركة التاريخ وفي توجيه الاختيارات والمقاربات وبناء المخيال التمثيليّ لها، باعتبار أنّ هذا الاختيار والبناء ليس قائماً فقط أساساً على ما يسمّيه هايدن وايت “الاختيار الأخلاقيّ،” وإنّما أيضاً “السلطة الأخلاقيّة للرواي.
وبين أن أعمال وليد سيف الدرامية تتصف بالمحافظة على الإطار العام للفكر العربي والإسلامي، فقد تبنّت المنظور الراجح والغالب في التاريخ العربيّ والإسلاميّ، وقد ظهرت الشخصيّات المركزيّة في هذا التاريخ مركزيّة وإيجابيّة وفاعلة، ولم يخرجها وضعها في إطار من الأحداث التي تفسِّر أفعالها وآراءها وعلاقاتها عن مركزيّتها وفاعليّتها.
وقال إنه يبرز في أعمال وليد سيف الدراميّة المختلفة اتّخاذه الأشياء رموزاً، تنتمي إلى المرحلة التاريخيّة المُعالجة وتولد من سياقها، وتمثّل، في الوقت نفسه، مسألة جوهريّة في الشخصيّة التي تقدّمها، أو العصر الذي برزت فيه، فقد تكون انعكاساً للدواخل النفسيّة أو لما يدور في الحراك العام للأحداث والمراحل. وقد تحتفظ هذه الأشياء برمزيّتها على مدار الأحداث أو قد تنقلب إلى ضدِّها الذي كانت عليه في مبتدأ الأمر، مستعرضا عددا من الأمثلة في مشاهد من مسلسلات “عمر” و”التغريبة الفلسطينية” و”صقر قريش” و”ربيع قرطبة”.
ثم قدمت الدكتورة “لينة عوض” ومن خلال مكالمة مصورة (الزووم) نظراً لوجودها في دولة الإمارات: ورقتها التي كان عنوانها ” المقاربات التاريخية في أعمال وليد سيف: بين الدراما والرواية”. فركزت على شخصية “بدر” مولى عبد الرحمن الداخل في مسلسل صقر قريش بالتحليل والقراءة المعمقة، مشيرة إلى أن هذه الشخصية هي نموذج من النماذج الأولية لأسلوب وليد سيف في بناء الشخصيات. وبينت أن شخصيات وليد سيف هي حلة تخلق لافتة إلى أن لدى الدكتور سيف في شخصياته تلك الاحتفاء بالمهمشين والفقراء. وأكدت أن الشخصيات لدى وليد سيف هي وليدة لحظتها وتغلب عليها السمة الملحمية.
قال المنتدون في هذه الجلسة إن سيف يتكئ في روايته الملحمية “التغريبة الفلسطينية” على ممكنات السرد الروائي، وميكانيزمات التشخيص المسرحي والروائي، ورغم أن الرواية في نزعتها الملحمية والمسرحية رواية طويلة كتبت في جزئين، إلا أن شكلها الحواري عبقري بصورة لافتة، وجوهر الحكاية فيها ولّاد كالحب والموت، ومنطق المسرح فيها يشد القارئ لآهات الشخوص، وصمتهم، وعنفوان الحبكة، وغموض المخفي في الحكاية، والزجل والميجنة والأسطورة الواقعية والواقع الأسطوري والمحكية الفلسطينية.
في الجلسة الخامسة والأخيرة والتي أدارتها الدكتورة أماني سليمان رئيسة قسم اللغة العربية في جامعة البترا وفيها قدّم عدد من المشاركين شهاداتهم في وليد سيف وأدبه، فقدمت الدكتورة “سهير سيف” وهي شقيقة الدكتور وليد سيف شهادتها في أخيها، وكانت ورقتُها بعنوان ” وليد سيف الإنسان” وتحدثت عن علاقته الحميمة بأسرته وكيف أنه كان بمثابة الأخ الأكبر من حيث الهيبة والمهابة والاحترام وإن لم يكن أكبرهم، لقد اتصفت ورقتها بالحميمية في ظل الأخوة التي جمعتها مع شقيقها الدكتور وليد.
ثم قدّم الدكتور وليد الشرفا، تلميذ “سيف” في مرحلة الدكتوراه، القادم من نابلس، والتي كانت ورقته بعنوان ” وليد سيف الأكاديمي المسكون بالسرد والدراما”، وذكر “الشرفا” كيف كان يمشي مع الدكتور وليد في طرقات الجامعة الأردنية وهم يتحدثون بشوق وشغف عن (أيام البلاد) وطرقات تلك المنطقة، وكيف كان الدكتور وليد يتذكر تفصيلات المكان الذي حُرم منه (كما حُرم) آلاف الفلسطينيين من رؤية تلك الأماكن واستعادة ذكرياتهم فيها.
تحدثتُ في ورقتي التي عنوانها “قراءة في الشاهد المشهود” عن بعض المحطات في كتاب الدكتور وليد سيف “الشاهد المشهود: سيرة ومراجعات فكرية” الصادر عام 2016، ومن تلك المحطات التي توقفت عندها: هزيمة حزيران 1967 والتفسيرات المختلفة للناس حول لأسباب الهزيمة، ثم تحدثتُ عن موقف المثقفين العرب من مسألة “الدين والتدين” وكيف أن الكثير من هؤلاء المثقفين ينأى عن وصفه بالمتدين والملتزم بدينه وإن كان حريصاً على أن لا يُنعت بالملحد، وقال سيف في شأن هؤلاء بأن ذلك يعود لانفصام في شخصيات أدعياء الثقافة الذين لم يجرؤوا على التصالح مع أنفسهم.
ثم قدَّم الدكتور “خليل الزيود” ورقته التي عنوانها:” على قلق كأن الريح تحتي: قراءة من شرفة الشاهد المشهود” وفيها قدم قراءة شاعرية عن علاقة الدكتور وليد سيف مع زوجته وأبنائه، هذه العلاقة التي لم يعطها الدكتور سيف مساحة كاملة في مذكراته، وكانت هذه الورقة رقيقة شيقة نالت استحسان زوجة الدكتور وليد خاصة.
كنا ننتظر أن نسمع المهندسة “سوسن إبراهيم” ابنة عمه المرحوم الدكتور “محمود إبراهيم” وهي تقرأ ورقتها التي حملت عنوان ” وليد سيف الذي عرفت” ولكن ولأسباب شخصية وعائلية لم تستطع الحضور، ففاتنا الشيء الكثير.
وفي نهاية الفعالية، قال “ضيف العام” الدكتور وليد سيف: كل تكريم يرتب على المكرّم مسؤولية كبيرة ليسمو إلى مستوى التوقعات ويتابع جهوده إلى آفاق جديدة. وقد قيل في أحد النحويين القدماء إنه مات وفي نفسه شيء من “حتى”! قد تكون نادرة قيلت تظرفا. ولكنها تحمل قدرا من الحقيقة، وتنطبق على كل المشتغلين في المجالات المعرفية والإبداعية بشغف وعمق. وقد قيل أيضا: “لا ترض دون الكمال، ولن تبلغه”. وقيل: “ما يزال العالم عالما ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل”. وكذلك الحال في الحقول الأدبية والإبداعية. والأسئلة التي نسعى للإجابة عنها، تنتج من الأسئلة الجديدة أكثر من الإجابات. وكل نص إبداعي يخلق شرط الإمكان لنصوص جديدة. وبذلك يبقى القلق المعرفي والإبداعي متسلطا يدفع إلى متابعة الرحلة دون الوصول. ولعل هذا من شقاء الشرط الإنساني وجماله. فهو أكثر تعقيدا وسعة من أي واحد منا مهما تكن موهبته وكفاياته وقيمة جهوده.
بمناسبة الحديث عن وليد سيف وكونه علماً من اعلام الدراما على مستوى الوطن العربي، والذي ارتقى بالعمل الدرامي إلى مصافِّ العمال الدبية رفيعة الشأن والقيمة لنذكر ان للدكتور وليد ستة عشر عملاً دراميا هي: (مرتبة حسب تاريخ العرض)
-
الخنساء، ويتكون من 13 ساعة، وأذيع عام 1977. وهو من إخراج صلاح أبو هنود.
-
عروة بن الورد (أمير الصعاليك)؛ ويتكون من 13 ساعة وأذيع عام 1978. وهو من إخراج صلاح أبو هنود.
-
شجرة الدر (28ساعة)،1979 وهو من إخراج صلاح أبو هنود.
-
جبل الصوان (14 ساعة)، 1981. وهو من إخراج صلاح أبو هنود.
-
طرفة بن العبد (15 ساعة)، 1982. وهو من إخراج صلاح أبو هنود.
-
المعتمد بن عباد (15 حلقة) 1982 وهو من إخراج عبد الوهاب الهندي
-
بيوت في مكة، 1983. وهو من إخراج علاء الدين كوكش
-
ملحمة الحب والرحيل، 1985 وهو من إخراج وفيق وجدي
-
الصعود إلى القمة (21ساعة)، 1986 وهو من إخراج صلاح أبو هنود.
-
الدرب الطويل، (30 ساعة)، 1998 ـ 2000 وهو من إخراج صلاح أبو هنود.
-
صلاح الدين الأيوبي، (30 حلقة)، 2001. وهو من إخراج حاتم علي.
-
صقر قريش (30 حلقة) 2002، وهو من إخراج حاتم علي
-
ربيع قرطبة (29 حلقة) 2003، وهو من إخراج حاتم علي
-
التغريبة الفلسطينية (31 حلقة)، 2004، وهو من إخراج حاتم علي
-
ملوك الطوائف (30 حلقة)، 2005، وهو من إخراج حاتم علي
-
عمر، (30 حلقة)، 2011، وهو من إخراج حاتم علي