دراسة نقديّة لرواية “مزاد علني” لــ بديعة النعيمي

(ثقافات)

 

دلالات الرمز و تأويلاته  في المخيال الجمعي

دراسة  نقديّة  لرواية  ” مزاد علني  ”  لــ بديعة النعيمي 

 

* علي فضيل العربي – (روائي وناقد من الجزائر )

 

         مزاد علني ، عمل روائي ، و معمار سرديّ للروائية الأردنيّة الجسد ، الفلسطينيّة الروح ، العربيّة الانتماء ، الإنسانيّة الحبّ ، بديعة حسن النعيمي . رواية مهداة  إلى الأحرار في الوطن العربي . من منشورات ، دار فضاءات 2019 م – عمان في طبعتها الأولى 2020 م . عدد صفحاتها 162 صفحة ، موزّعة على قسمين ؛ القسم الأول ، مكوّن من مشهدين ( 9 – 26 ) ، و القسم الثاني يضمّ 144 مشهدا ( 27 – 162 ) .

        و هي في فكرتها  العامة ، رواية اجتماعيّة  ذات نكهة سياسيّة و تاريخيّة في قالب فنيّ  حافل  بالرموز و الدلالات الإنسانيّة . كما أنّها جاءت لتؤرّخ –من زاوية إبداعيّة تخييلية  و مجازيّة –   لمرحلتين مفصليتين  من مراحل الأمّة العربيّة و الإسلاميّة ؛  و هما مرحلة ما بعد سقوط الأندلس و درّتها  غرناطة في أيدي القشتاليين الصليبيين ،  و سقوط بغداد و خرابها بأيدي المغول و التتار ، و مرحلة ما بعد النكبة و النكسة العربيتين في 1948 م و 1967 م .       

رمزيّة العنوان :

          و المتأمّل في تركيب عنوان رواية الروائيّة بديعة النعيمي  ( مزاد علني ) ، كونه علاﻤﺔ ﻟﻐﻭﻴﺔ و سرديّة و استراتجيّة ،  تدلّ ﻋﻠﻰ ﺠﻨﺱ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻷﺩﺒﻲ ،  كما تدلّ  ﻋﻠﻰ ﻤﻀﻤﻭﻨﻪ ، و ﻋﻠﻰ ﺍﺨﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟروائيّة  ﻟﻪ ﺒﺸﻜل ﻤﺩﺭﻭﺱ ﻭﻤﻘﺼﻭﺩ ، ليتبوأ ﻤﻜﺎﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻼﻑ ﺍﻟﺭﻭﺍﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺠﻲ ، يخلص إلى  مكوّناته اللفظيّة و الدلاليّة .  

        و العنوان  ( مزاد علني )  – كونه عتبة النص –  له دلالة  عميقة ، لما يوفّره من إيجاز في اللفظ  و إيحاء في المعنى ، و هذا ما يُسهم في إنجاز معمار سرديّ إبداعي مميّز .   فقد جسّد واقعا اجتماعيا مزريّا ،  مليئا بالتناقضات ، واقعا يتحكّم فيه أصحاب المال و الجاه و السلطان ، بينا يعيش  الفقراء و المحرومين و المعذّبين و المسحوقين على هامش الحياة ، لا يجدون كسرة خبز ، و لو في مزابل الأثرياء المتخمين .  و تمسي حياتهم كسلعة  معروضة في ” مزاد علني ” قبيح غير شريف ، و هدفا رخيصا لأصحاب الكروش المنتفخة بالمال  المسلوب من قوت المساكين و المتربين  ، المختطف من أفواه ، عنوة ، من أفواه الجوعى .   ( صه ، أيها المنبوذ …..داخل أمعائهم ) ص 10 . ( حتى كان ذلك المخلوق الذي يحمل أكبر كرش تراه عيناه يقف أمامه بكامل قباحته ) ص 12 .

( أه يا حبيبي ، حتى و الموت يقترب منك تفكر بنا ؟ تفكّر بجوعنا ؟ ص 12 . ( ظلّ يحتضن  الرغيف السحري و كأنّه أراد بذلك أن يوصل رسالة لصاحب الكرش ، بأنّ هذا حقّ من حقوقنا التي نهبتموها منذ أكثر من قرن ) ص 12 / 13 .

إنّ موقف صاحب الكرش ( البورجوازي ) يدلّ  على المشاعر السادية  لدى الطبقة البورجوازية المتوحشة . و ما أقدم عليه ( نصر) ، يذكّرنا ببطل البؤساء لفيكتور هوغو ( جان فالجان ) ، والطفلة  ، كوزيت من جهة ، و رجال الشرطة و القضاء و الكنيسة  ، الذين كانوا في خدمة الأثرياء و النبلاء ، و نبذ الفقراء و البؤساء . 

إذن ، هي نفوس إنسانيّة بريئة ، ضحيّة مزايدة في مجتمع بورجوازي ، يحكمه أصحاب الكروش المنتفخة ، المتدليّة ، التي استولوا على خبز الفقراء ، ثم رموا لهم الفتات في المزابل .

         في القسم الأول من الرواية  ، ترصد لنا الروائيّة  لجوء إلى الولدين عاصي و روح  إلى الميتم ، بعد  مقتل نصر و موت الأب من شدّة الصدمة . و هي إشارة واضحة إلى سقوط فلسطين في أيدي العصابات الصهيونيّة  ، و لجوء الفلسطينيين و تشرّدهم  في الدول الدانيّة و القاصيّة و نزوحهم  عن قراهم و مدنهم و بيّاراتهم ، فرارا من آلات  القمع و القتل و التصفيّة الجسديّة  الجماعيّة على الهويّة و العرق و الملّة ، التي مارستها العصابات الصهيونيّة ، بتواطؤ مع الغرب الصليبي ، و تهاون من الأمّتين  العربيّة و الإسلاميّة و تواكلهما و عجزهما عن حماية القدس ؛ أولى القبلتين و ثالث الحرمين و مسرى و معراج رسول و نبيّ العالمين محمّد بن عبد الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) ، و عموم فلسطين .       

 لم يجد الطفلان ( عاصي و روح ) من ملجإ  سوى يد  جارهما الطيب ( إشارة إلى دول الجوار الفلسطيني )   . ( أمسكت بيد أخي روح ، بعد أن سلّمت الأوراق لجارنا الذي سار أمامنا فتبعنا خطاه ) ص 25 . 

       لقد ضحّى نصر بنفسه من أجل الآخرين . و هذه التضحيّة كلّفته حياته . و هو ديدن الأحرار و الثائرين  و الشهداء ، الذين يقدّمون أموالهم و أنفسهم قربانا لعقيدتهم و أمتهم و وطنهم . ” ومن هنا بدأت حياتنا أنا و أخي روح و لا نعلم عن القادم من الأيّام و ما تخبئه لنا في طيّاتها المتعرّجة … ” ص 26 .    

 

أمّا في القسم القسم الثاني ، فقد استهلّت  الروائيّة المبدعة ، بديعة حسن النعيمي هذا القسم بعتبة ، قائلة  : ” ما حياتنا إلاّ كتلك المسرحيّة التي حوت من مشاهد الألم أكثر من أيّة مسرحيّة عُرضت على مسارح الحياة … فقد تشعر عند قراءتك لها بأنّ كل مشهد يؤرخ لحياة كاملة من اليأس  مرّة و من الأمل مرات عديدة ، من الكره مرة ، و من الحب مرّات عديدة .. مسرحيّة  … ” ص 27 .  فالكلمات ( المصطلحات ) : ( المسرحيّة ، اليأس ، الأمل ، الكره ، الحب .. ) . هي مفاتيح دلاليّة لمعمار الرواية .  و  الحياة  في مجملها مسار زمنيّ  موقوت ، و حيّز مكانيّ محدود ، مبدؤها الميلاد ، و منتهاها الموت. .

        إنّ الجوع الذي اعترى و افترس نصر و روح و عاصي ، و العائلة كلّها ، و العشيرة ، هو جوع معنويّ و روحيّ  . ألا و هو  جوع  الحريّة و العزة و الكرامة .  و هو جوع لا لا يسدّ رمقه خبز أو فاكهة . ما أهون  جوع البطون ، إذا جاعت الأرواح و العقول . و ما أفدح المصيبة إذا أصبح الإنسان المواطن سلعة في مزاد علنيّ سياسيّ تديره الأيدي القذرة و الأطماع و الأنانيّة و الاستبداد   ، أو مزاد دينيّ  تزجيه أهواء  التعصب و الإفراط  ،  أو مزاد  إيديولوجيّ  يقوده عميان البصيرة مجتمع القطيع ، أو مزاد ثقافيّ يتحكّم في دواليبه صنّاع الجهل المركب و الجمود و عبيد الأطلال  .

ر

 

   ” و لماذا نستيقظ يا روح و واقعنا مرير ؟ فكم أتمنى أن أنام لقرن ، و لا أستيقظ ، إلاّ و قد تغيّر الواقع ، و تبدّل أهله ، و فنيّ أصحاب الكروش ، و صارت قصورهم خرائب تسكنها الغربان  ”  ص 30 . 

      هذا المقطع يعكس فلسفة الرفض المطلق للواقع المرّ . رسمت من خلاله  لوحة قاتمة ناطقة بالغضب و المعاناة و التمرّد الإيجابي على حياة الذل و الاستكانة و الاستسلام  . هي صورة ، حملت تناصا واضحا  لقصة أهل الكهف في القرآن الكريم ، أولئك الفتية الذين هربوا من الطاغية , و آووا إلى الكهف  و ناموا ، ثلاثة مائة سنة و تسعا ، و حين أيقظهم الله ، كان واقعهم قد تغيّر … هذه هي أمنيّة عاصي . و هو سلوك لا يعبّر عن الهروب من المجابهة و التحدّي ، بل هو حبل نجاة لمن لا قدرة له على مجابهة عدوّه ، ليس هروبا من المعركة ، و إنّما هو تأجيل لها فقط .

           و قد اختارت الروائيّة عن قصد و ذكاء أسماء شخصياتها الناميّة ( نصر ، عاصي ، روح ) كرموز لتعريّة  الواقع المعيش . فـ ( نصر ) ، رغم مقتله برصاصة غادرة من مسدس صاحب الكرش المتدلّي  ، لا  يوحي باغتيال حلم التغيير ، بل باستمراره و ديمومته ، فهو شهيد الجوع ( المعنوي ) ، و ضحيّة  الغدر و الاستبداد و الظلم ، و الشهداء لا يموتون ، بل إن غيابهم الجسدي ، لا يغني عن حضورهم الروحي . فهم مصدر استلهام و انبعاث  و انتصار .  أما اسم ( عاصي ) ، فهو رمز العصيان الإيجابي  و التمردّ و الرفض . أمّا اسم  ( روح ) ، فيعني استمرار الحياة ، لأنّ الروح لا تفنى رغم فناء الجسد . إنّه روح الشعب و الأمّة ، الذي لا يصيبه البلى و الفناء . و ما دامت الروح حيّة في قلب الأمّة العربيّة ، و الشعب الفلسطيني  ، فلا خوف عليها . و لا خوف على القدس . فمهما هوّد الصهاينة مدينة القدس و أخواتها الفلسطينيات ، فلن يستطيعوا محوها من قلب الذاكرة ، و من ذاكرة القلوب المؤمنة بالنصر ، و النفوس  الحرّة ، الأبيّة  .  

ص  32   عودة

رمزيّة المكان في الرواية :         

       في الرواية صدام قويّ بين عالمين  متناقضين ، أو بين مكانين ،   لا فاصل بينهما ، إلاّ تلك الأسوار العاليّة التي تسيّج القصور الفارهة ؛ أحدهما أسود ، قاس .  عالم ( الميتم ) ، الذي لجآ إليه  الأخوان عاصي و روح ، بعد مقتل ( نصر ) و موت الأب العائل فجأة ، هروبا من الجوع و الفقر المدقع . و الآخر عالم ( القصر ) ، و يعني  الثراء و الرفاهيّة و التخمة .. و إذا كان أصحاب القصور من ذوي الكروش المنتفخة ، المتدليّة  ، هم سماسرة المال و السياسة و العقد و الحل ، و قد باعوا ضمائرهم و كرامة شعوبهم في ( مزاد علني )  ، لمن يدفع أكثر ، أمّا  نزلاء الميتم ، فهم معشر  الفقراء و الضحايا ،  الذين سيباعون في المزاد العلني ، كما تُباع  الأشياء و السلع .. و قد وصف عاصي أصحاب تلك الكروش المتدليّة بقوله :  

” إنّهم قتلة مأجورون منذ أكثر من قرن ” ص 31 . و هي إشارة واضحة لمن باعوا القدس و فلسطين كلّها ، مقابل مصالحهم الخاصة ، و غرائزهم السلطويّة ، و تبوّئهم على كراسي السلطة دون حسيب أو رقيب . ” هؤلاء القتلة هم من وقفوا جنبا إلى جنب مع أولئك الذين رسموا  حدودا لأوطاننا …شوّها تاريخ أمّتنا حتى أسقطانا في براثن الجهل و التخلّف ” ص 32 . و هذا المقطع الأخير إشارة واضحة إلى اتفاقيّات(  سايكس- بيكو  ) المشؤومة . التي شرذمت الأمة العربيّة جغرافيّا ، و أعادتهم شعوبا و قبائل ، متنافرة ، متناحرة ، حول طابور الزعامة . 

         لقد كانت مأساة الشعب الفلسطيني في قاموس بعض الساسة العرب كلمة السرّ التي أوصلتهم إلى كرسيّ الحكم ، و منحتهم حكما مدى الحياة ، و توّجتهم  بألقاب الزعامة زورا و بهتانا . و حوّلوا هزائمهم في حروبهم ضد الصهاينة  إلى اللاحدث ..       

       فإنّ ( الميتم ) ، هو مجتمع المعذبين و المسحوقين من أبناء الشعب الفلسطيني ، بل و الشعوب العربيّة قاطبة  . إنّ مقتل ( نصر ) ، الذي يمثّل جيل الانتفاضة و المقاومة  و موت ( الأب ) ، الذي هو من جيل النكسة ،  هما  إشارة ، بل دلالة ، على موت النخوة العربيّة لدى بعض الساسة ، و غيبة الضمير العربي الحرّ . إنّ جيل النكسة ، و قبله جيل النكبة ، مازال يحتفظ بمفاتيح البيوت و الأحواش في حقائب العودة القريبة  ، و مازالت و روائح الليمون و الزيتون تسكن الخياشيم .

و توالت المصائب على الأخوين ، عاصي و روح ، و كانت أكثر إيلاما  على عاصي ، و أقلّها على روح . حين سلّم الميتم الصغير روح إلى  صاحب كرش ، من ملاّك القصور .  حينها شعر عاصي  أنّ روحه انفصلت عن جسده ، و أُخذت منه عنوة . ” لن أنسى صاحب الكرش عندما دخل من بوابة الميتم يرتدي ذلك المعطف الذي تنكسرعند أعتابه جيوش البرد ”  ص 36 . ” لقد اختار روحا ، قد أخبرني قلبي بذلك مذ رأيته يدخل باب الميتم ، و كأنّه أدمن على سرقة عائلتي الواحد تلو الآخر ..” ص 36 / 37 .

هذا ، هو سلوك العملاء و الجبناء و الغارقة عقولهم في كروشهم . لا يكتفون باختلاس  أموال الشعب و حقوقه ، بل يسعون إلى سرقة افكاره و روحه .   و لكن رغم ذلك ، فإنّ جذوة المقاومة ، و إن كفرها الرماد ، فإنّها حيّة ، تنتفض من تحت الرماد ، من حين لآخر  ، كطائر العنقاء . فهي الضمير المستتر ، الذي يعمل في الخفاء ، الفرديّ و الجماعي . الم يلبث سيدنا  موسى عليه السلام ردها من الزمن في قصره عدوّ الله و عدوّه فرعون ؟ ألم يمكث سيدنا يوسف عليه السلام في قصر العزيز ، حتى تبوأ أرفع    المناصب ؟ و هذا روح ، الذي أخذه ( سرقه ) صاحب الكرش ، ليكون معتقلا  في قصره ، لم يخسره أخوه عاصي ، كما يبدو ظاهريّا ، بل سيكون الشعلة و المعول في آن واحد . ” لا تخف يا حبيبي سوف أخرجك يوما من هنا ، سأخرجك من هذا المعتقل ” ص 43 .    أجل ، سوف يعتق عاصي روحا  من القصر / المعتقل ، و يحرّره من قيود صاحب الكرش المتدلي . إنّ عاصي وروح ، يمثّلان جيل الانتفاضة و المقاومة حاضرا و مستقبلا ، و هو الجيل الذي سوف يحرّر فلسطين من الغزاة الصهاينة . ففلسطين سوف تتحرّر يوما  بفضل الوعي التحرري ، مهما طال ليل الاحتلال ، كما تحرّرت على أيدي السلف الصالح ؛  من أمثال : عمر بن الخطاب و صلاح الدين الأيوبي ..    

  فالوعي لا تقيّده الأمكنة  المغلقة  ، و لا الأسوار العاليّة  و لا الأزمنة  الحالكة . و قد اعتقد الصهاينة و زعموا أنّ نصب الأسوار حول المستوطنات ، و فصل غزّة و الضفّة عن القدس ، سيوقف الانتفاضة الفلسطينيّة  ، و المقاومة الوطنيّة الباسلة .

 ” ساعدني الرجل الحكمة على حلّ ما يشكل فهمه عليّ منها ، فازداد وعيي و تفتّح مداركي ، فأدركت هالة الظلم التي تحيط بنا و التي حافظ أصحاب  الكروش على بقائها حولنا  ” ص 47 .

       لقد أدرك عاصي – بفضل الرجل الحكمة – أنّ  العلم هو مفتاح المعرفة و الوعي و الإدراك .  و أنّ  الجهل هو مصيبة المصائب في أمّة  ( اقرأ ) – التي امرها الله بالعلم –  أمّة رمت العلم وراء ظهرها ، فهوت في مكامن الجهل و الاستبداد . لقد أدرك المفكّر عبد الرحمان  الكواكبي  ذلك مند عقود ، و عبّر عن طبيعة الاستبداد و الاستعباد في كتابه الموسوم بـ  (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ) ، قال الكواكبي : “…. كما يبغض المستبدُّ العلمَ ونتائجه ؛ يبغضه أيضاً لذاته ؛ لأن للعلم سلطاناً أقوى من كلِّ سلطان ، فلا بدَّ للمستبدِّ من أن يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علماً. ولذلك لا يحبُّ المستبدُّ أن يرى وجه عالمٍ عاقل يفوق عليه فكراً ” . 

 

       استعانت الروائيّة بديعة حسن النعيمي بالذاكرة الجماعيّة ، و أقصد تاريخ الأمة العربيّة الإسلامية ، في التذكير بهزائمها المرّة ( اتفاقيات سايكس – بيكو ) ، و انتصاراتها الباهرة ( فتح فيينا ) على يد العثمانيين ، و في بلاد الأندلس ، في زمن كانت فيه الأمة العربية الإسلاميّة لا تغيب عنها الشمس . ممّا أوحى للخليفة العباسي  هارون الرشيد مقولته الشهيرة ، و هو يخاطب سحابة مزن مثقلة بالمطر  قائلا : ”     امطري حيث شئت ، فإن خراجك لي . “

رمزيّة الحكاية الشعبيّة :

          كما وظّفت الروائيّة القصة الشعبيّة ، الملأى بالرموز و الإيحاءات ( الغابة ، الأسد العادل ، الثيران ، الثعابين  ، الخنازير .. )  . و هي قصة الغابة التي كان يرأسها  أسد  عادل ، فقد سلطانه ،  و تسكنها حيوانات عديدة ، أبرزها عائلة من الثيران المتهوّرة  ، كانت تسعى دائما إلى الاستيلاء على الغابة ، ليصبح الثور حاكمها الأوّل . ثم سادتها الخنازير . ” في حين كان هناك خنازير مشرّدة مهجّنة لم يكن يُرى  لها معالم ، و قد خرجت مشوهة من آلات التهجين .. كانت تستعد بالاتّفاق مع الثعابين الخبيثة و بدعم منها ،لتستولي على الأخت الصغرى للغابة الحزينة مدّعية بأنّها حقّ لها ،  فمحاولاتها  للاستيلاء على الأخت الصغرى ليست جديدة ، بل تعود إلى الفترة التي كانت فيها الأخت الصغرى خاضعة فيها لحكم الأسد العادل.. ” ص 80 . و يضيف عاصي : ” أمّا و قد تفرّقت و تمزّقت تلك الغابات بحدودها و قلوبها ، أصبحت الأخت الصغرى لقمة سائغة للخنازير ، و كان لها ما أرادت ” ص 80

      و هي قصة شعبيّة ذات دلالات و رموز  سياسيّة و اجتماعيّة  و نفسيّة  قويّة .  أما دلالاتها السياسيّة ، فهي ترمز إلى انقسام البلاد العربيّة و ضعفها و انحطاطها و سقوط فلسطين ( الأخت الصغرى )  في أيدي الصهاينة ( الخنازير ) . أمّا الدلالة الاجتماعيّة ، فهي تشير إلى تفكك المجتمع العربي  و تخلّفه و بعده عن الثقافة الحيّة ” فإلى متى سنظل ننكفيء على رؤوسنا ، متشبثين بأرجلنا بسقف العادات في كهوفنا المظلمة التي اعتدنا عليها  ؟ ” ص 61 . أما الدلالة النفسيّة ، فهي الشعور بالقهر و الضياع و اليتم   ” فنحن أيتام في كل شيء ، حتى أنّنا غدونا نعاني يتما في عواطفنا ” ص 60 . لقد كان هدف الروائيّة من توظيف هذه القصة الشعبيّة ، تمرير رسالة سياسيّة ، تدين فيها أولئك الذين أضاعوا فلسطين ، و الذين كانوا سببا مباشرا ، أو غير مباشر ، في تفتيت الأمّة العربيّة ، مقابل مصالحهم الذاتيّة الضيّقة . بل إنّ الثورات العربيّة ضد الدولة العثمانيّة ، و المدعومة من الإنكليز و الماسونيّة و الصليبيين ، لم يكن هدفها الأسمى تحرير البلاد العربيّة من الاستبداد العثماني آنذاك ، و لم تؤدّ إلى الاستقلال ، بل تسببت في سقوطها تحت الاحتلال الصليبي البغيض . فانتقلت البلاد العربيّة من الحماية والاستبداد إلى الاحتلال و الاستدمار .

       لقد لخّصت هذه القصة الشعبيّة مأساة البلاد العربيّة و فلسطين على وجه الخصوص . و هي مأساة اشترك في تأليفها الأعداء الخارجيين و الخونة و العملاء الذين باعوا ضمائرهم مقابل المناصب و الدولار في الداخل العربي .

  و في القصص الشعبي  ، كما هو معلوم ، الكثير من الحكم البليغة  و العبر المفيدة  و الرموز العميقة و الهادفة  .

رمزيّة الرجل الحكمة :

أما شخصيّة الرجل الحكمة ، الذي صار عاصي صديقه و زائره و مخلّصه . فهو يرمز إلى الضمير العربي ، الواعي ، المتجذر في أعماق الأمّة . و هو مبعث الشعاع و النور و الثورة .  لقد شعر عاصي بأنّ زمن  الصمت و الخذلان و الخضوع قد ولّى  ، و أنّ زمن  التغيير قد حان قطافه ، قائلا   ” فهل لنا بأن نفسخ العقد مع السكوت و الصمت” ص 73

           لقد  رسمت الروائيّة بديعة النعيمي  شخصياتها  روايتها ( سلمى ، نصر ، روح ، عاصي ، الرجل الحكمة ، الأستاذ ) رسما إيجابيا . فجاءت تلك الشخصيات نابضة بالحياة ، واعيّة ،  ناقمة على الواقع المعيش ، ساعيّة إلى التغيير ، بأسلوب سلميّ و حضاريّ و عميق ، بوساطة  النهج الفكري و الثقافي . و قد أدرك عاصي ، بفضل الرجل الحكمة  ، أنّ أمّته  مصابة في عقلها و قلبها ،  لذا وجب علاجهما قبل أي علاج آخر . و أنّ الظلم المستشري في مجتمعه سببه الجهل و غياب  الوعي  . إنّ الخلاص من الظلم يمرّ عبر نشر الثقافة و تحريك العقل الخامل ، و قدح العواطف الراكدة ، الخانعة ، المستسلمة . لهذا بدأ نزول الوحي بكلمة ( اقرأ ) ، لأنّ العلم هو مفتاح لنيل الحريّة و صون الحقوق الفطريّة . يذكّر الرجل الحكمة عاصي قائلا :   ” ألم نتّفق بأن نرتقي بثقافة مجتمعنا لنتخلص من الظلم ” ص 82 .

و لم تعد سلمى في يقين حبيبها عاصي  مجرّد فتاة للحب و العشق ، بل  أضحت هي الوطن و الأمّ و المدينة . جاء على لسان عاصي قوله : ” سلمى وطن ، و هي أيضا أم و مدينة معذّبة … و هذا الوطن و هذه المدينة لا بد لها من النجاة ” ص 77 . و قال أيضا : “.. فسلمى بالنسبة لي وطن بأكمله ، و الوطن الآن يئنّ و يستنجد من يحرّره من صهير الماغما ( 1 )  الذي يقتحم جدرانه المتعبة ” ص 77 .  و قال كذلك  : ” و عندما بدأ الليل ينازع سكراته الأخيرة مع حلول الفجر ، فتحت سلمى عينيها … و ستفعل مدينتنا يوما كما فعلت سلمى ” ص 77 . إنّ الثورة  الحقيقيّة هي ثورة الثقافة و الفكر . كما فعل الزعيم الصيني ما تسي تونغ ، الذي أيقظ بها بلاده الصين ،  العملاق النائم . و أوصلها – بفضل الثورة الثقافية – إلى ما هي عليه اليوم من تقدّم و ازدهار في كافة المجلات الحياتية . أمّا تلك الثورات الداخليّة  الداميّة ، فقد تكتنفها الفوضى و اللغط و يستغلّها الجبناء و المنافقون و الجماعات  الإرهابيّة، و قد توصل المجتمع إلى الخراب و الدمار و التفكّك ، كما هو جار اليوم في أكثر من بلد عربيّ . يخبر الرجل الحكمة عاصي قائلا : ” هل تدري يا عاصي أن مجتمعنا لم يصل إلى مرحلة النضج …؟ هل تعلم بأنّه سيبقى عاجزا عن الحبو حتى ؟ و لن يصل إلى مرحلة المشي إلا إذا تسلّح بالثقافة .. ” ص 83 . ” فالثقافة هي القادرة على أن تجعل من أبنائها جبالا صامدة من المقاومة أمام تيارات الظلم ” ص 83 .

فالرجل الحكمة ، في الرواية هو شمس الحقيقة و اليقين اللذان يبحث عنهما عاصي ، للتخلّص من أصحاب الكروش المتدليّة ، و من ظلمهم و جبروتهم و استبدادهم . إنّ الثقافة – في عرف الرجل الحكمة – هي المخلّص القويّ من القهر ، و هي المخرج الإيجابي و الحتمي . و ليس أمام المجتمع العربي سوى طريق العلم و الثقافة للتحرّر من عبوديّة الجهل و العادات السلبيّة البائدة ، الميّتة و المميتة معا . إن الرجل الحكمة ، في الرواية ، فيلسوف . ” لقد كان الرجل الحكمة فيلسوفا  ، و لم يكن من أولئك السفسطائيين ، الذين يتّجرون بالحكمة ” ص 91 . ” و كان كل همّه  أن يرقى المجتمع بثقافته ليتحرر من دياجير الظلم ” ص 91 . هكذا نعت عاصي صديقه و معلّمه الرجل الحكمة . و شخصيّة الرجل الحكمة تذكّرنا بالعالم الصوفي جلال الدين الرومي .  إنّ الرجل الحكمة ينصح عاصي و يوصيه قائلا : ” لا ندع المجال للنوستالجيا ( الحنين ) بأن تسيطر علينا … فالماضي ذهب ، و لنعمل على تجديد أفكارنا و حياتنا ، و لنحاول أن نستيقظ من تلك الغيبوبة . أما كفانا نوما و الأمم من حولنا ترتقي ؟ ” ص 92 . هذا هو مربط الفرس . فأزمة المجتمع العربي ، بجناحيه الشرقي و الغربي ، تكمن هنا . إنّها أزمة فكريّة و ثقافيّة . فالأمّة العربيّة و الإسلامية تمتلك الثروات الطائلة فوق ظهر الأرض و في بطنها ، و تمتلك قوّة الشباب و شساعة الجغرافيا و المال و البنون . لكنّها تفتقد لب الحضارة و مصدرها ، ألا و هو العلم النافع قولا و فعلا ، و تفتقد الإرادة و العزم و التخطيط و رسم الأهداف بدقة و منطق  و حكمة .

     و تقدّم لنا الروائيّة شخصيّة المعلّم ( رمز العلم و الأخلاق ) في صورة رجل غارق في النوستالجيا ( الحنين إلى الماضي ) ، رجل يعيش في عالم الخيال و أحلام اليقظة .    يصف عاصي  معلّمه ذاك : ” لكزني المعلّم الذي يرتدي بدلة جدّه العاشر ، و يتمشّى بيننا بزهو معجب بنفسه ، صارخا بي .. أنشد يا ولد و إلاّ ” ص 85 . ثم يصف ردّ فعله تجاه معّلمه : ” و أنا أنظر إليه كالأبله ، فقد غبت وقتها عن هذا العالم …” ص 85 .

لقد نظر عاصي إلى ذلك المعلّم نظرة إشفاق و عتاب ، في وصفه له ، قائلا : ” و الأستاذ المسكين ، مازال يمشي بين الطلاب في الطابور الصباحي  ببدلة  جدّه العاشر ، و يلكز ذلك الطالب اللامبالي لينشد … بلاد العرب أوطاني …. ” ص 162 .

لكنّ الحقيقة التي يؤمن بها عاصي غيرها في الواقع . فهو فقد ذهب زمن الأسد العادل ، و حلّ زمن الثيران و الأفاعي و الخنازير ، كما ورد في القصة الشعبيّة السالفة الذكر . فشتّان بين القول و الفعل ، و شتّان بين الماضي المجيد و الحاضر البليد .  بعبّر عاصي عن ذلك بمرارة  الحنظل في قرارة نفسه ، ردّا على المعلّم و مدينا له  ،  قائلا  : ” أما زلنا ننشد من أجل أوطاننا ؟ و أين هي ؟ و قد تمزّقت منذ أكثر من قرن ( فكلّ النكسات كانت قبل قرن و أكثر ” ص 85 . و لهذا السبب رفض الإنشاد و السير في القطيع ، عكس قناعته و رؤيته . قال عاصي :  ” أنشد الطلاّب بصوت عال و حماسيّ ، بلاد العرب أوطاني ..إلا أنا ” ص 85 .

و لماذ كل هذا العصيان و التمرّد الصادر عن عاصي ؟ لماذا رفض  ترديد نشيد  مع أترابه من الطلاّب ؟ و الجواب ، أنّ عاصي رأى أنّ ما تعلّمه المدرسة ، هو ضرب من الخيال و الحماسة الزائفة و الوطنيّة ، و تزييف للواقع  ، و تمثيل مسرحيّ ، يمارسه الساسة على شعوبهم لخداعها  ، و يستغلّه الجبناء و اصحاب الكروش المتدليّة لملء جيوبهم بالمال الحرام ، و تحقيق الجاه المادي في المجتمع ، و استغلال الرعيّة أيّما استغلال . و لم يكتف عاصي بتحميل الجيل الحالي فصول المأساة الوطنيّة و  القوميّة ، بل حمّلها للأجيال السابقة ؛ جيل النكبة و جيل النكسة . لقد ضاعت هيبة العرب ، يوم تقاتل الأعراب على بقايا الرجل المريض ، و تحالف بعضهم مع الأعداء ضد ذوي القربى ، من أجل عروش السلطة . فسقطت فلسطين و قدسها ، كما سقطت قبلها بغداد تحت حراب التتار و المغول ، و ضاعت و الأندلس و غرناطتها تحت سيوف القشتاليين الصليبيين .    

  يقول عاصي : ” بلاد العرب ما عادت أوطاني .. قد اختبأت و اندثرت في وثيقة غربيّة ، و الحدود تزداد و يزداد عمقها ، و كأنّ زلزالا عميقا قد أصابها ” ص 85 .

و يضيف : ” فأيّ مسرحيّة هي ؟ و عن أي بلاد و أيّ عروبة مازالت أفواههم تتمتم بكل بلاهة ؟ ” ص 86 .

         و هكذا ، توالت النكسات ، و تناسلت الهزائم ، و لم تتعاف بلاد العرب من جوائح الفوضى و الانقلابات و الرباع الداميّة . أما عاصي ، فقد اعترف بلا مبالاته ، في انتظار يقظته القادمة ، إذا أخذ بنصائح الرحل الحكمة ،  قائلا : ” و أنا مازلت كالأبله غير مبال كما هي أوطاني ” ص 86 .

فقد سأل الرجل الحكمة عاصي  : ” .. لكن الانتصار لمن في النهاية يا بنيّ ؟ ” ص 93 . فأجابه عاصي : ” (  للصادق  ) .. ”

كما استغلّت الروائيّة بديعة النعيمي رمزيّة الألوان و رمزيّة الماضي و الحاضر  ( الليل ، السواد ، الظلام ،  الشمس ، النور ، الفجر ، الأمس ، الحاضر ، النوستالجيا ، التأريخ  ، التراث ) لرسم صورة التناقض الصارخ في الواقع المعيش . و هو تناقض مصدره الفكر الرجعي و العقل الغارق في الترّهات و الخزعبلات ، التي أفرزها الجهل و غياب الثقافة .      

خاتمة :

        و أختم القول حول رواية ” مزاد علني ” للأديبة و الروائيّة بديعة النعيمي ، هي من الروايات العربيّة الوطنيّة و القوميّة  الملتزمة ، و تّدرج في خانة  تيار ( أدب المقاومة ) ، سواء داخل  فلسطين المحتلّة ، أو في الشتات و المهجر . و المعروف ، لدى الكتاب و النقاد ، أن ( أدب المقاومة ) ولد و ترعرع و شبّ طوقه جنبا إلى جنب مع الثورات العربيّة التحريريّة  في المشرق و المغرب العربيين ، قبل نكبة فلسطين و بعدها .

     

   و انا على يقين  بأنّ النصر قادم لا محالة ، و الخيانة ستندثر من أصحابها ، إن آجلا أم عاجلا .

و أعود إلى الرواية ، فأقول ، إنّها رواية حافلة بالوطنيّة  و مشبعة بروح العروبة الصادقة ، و هي صرخة استغاثة وطن عربيّ  قرضه اليتم ( بمقراضه )  ، و صرخة إدانة في وجه من  باعوا  فلسطين و القدس و تاجروا فيهما ، أو هم على وشك بيعهما و المتاجرة بهما في المزاد العلني ، تحت إشراف الأعداء و الخونة على شاكلة صاحب الكرش الذي كشفته سلمى ( الوطن ) قائلة :  ” إنّه  يخطط لبيعي في المزاد العلني ..” ص 151 . و لكن رغم ذلك فالأمل مازال قائما في تحقيق النصر المبين ، و ها هي سلمى تتوعد صاحب الكرش ، قائلة : ” .. و قريبا سنتغلّب عليك  فانتظرنا قريبا …” ص 137 .

        إنّ رواية ” مزاد علني ” للكاتبة الروائيّة  المبدعة بديعة النعيمي   أنموذج سردي متميّز ، يضاف إلى السرديات الملتزمة  بقضايا الوطن و الأمّة  و السلام ، رغم وقوعها ، أحيانا ، في المباشرة و الخطابيّة ، ممّا أضعف  التجربة  الشعوريّة لدى ( عاصي ) ، بطل الرواية  . و استطاعت استغلال رمزيّة المكان  ، ( البيت ، الوادي ، الميتم ، القصر ، السجن – الغابة  ) و رمزيّة الحكاية الشعبيّة  ( الغابة و الأسد العادل ) ، (  لإدانة الجيل الذي أضاع فلسطين ، و كرّس وضعا مزريا ، قائما على الاستسلام للأمر الواقع ، و هي رسالة رمزيّة ، أرادت الروائيّة  بديعة النعيمي  تمريرها للأجيال الصاعدة  ، التي ستعيد بعث المجد العربي و الإسلامي ، و إيقاظ الروح الوطنيّة و القوميّة ، و تحرير العقل العربي  من الجهالة  و الخرافات  و الترّهات  بوساطة الثقافة و العلم . فالتغيير حادث لا محالة ، آجلا أم عاجلا ، لكنّه تغيير سلميّ ، ثقافيّ ، ينطلق من أعماق النفس و الذات . ولن تتحرّر الأراضي العربيّة  المغتصبة  ، إلاّ إذا تحرّر العقل العربي من  الجهل و الخرافات و الأوهام و الأحلام الزائفة . 

          لقد حاولت الروائيّة بديعة النعيمي الاختباء وراء شخصياتها الإيجابيّة ( نصر ، عاصي ، الرجل الحكمة ، سلمى ) ، لإسقاط مواقفها و قناعاتها ، و التعبير عنها من زواياها  السياسيّة و الاجتماعيّة .  ممّا أوجد تطابقا واضحا بين السارد ( الكاتبة ) و الشخصيات الإيجابيّة لروايتها التخيّلية  . و هو أسلوب ناتج عن الوصف المباشر ، أحيانا  . و لجوء الروائيّة ، إلى فرض تغييب الشخصيّات  في بعض المقاطع السرديّة ، و إلى الأسلوب الخطابي و الوعظي  من لدن الروائيّة بديعة النعيمي ، و هو تجاوز فنّي ، هدفه   تجسيد قناعة سياسيّة و إيديولوجيّة ، وغاية قوميّة و إنسانيّة .

 

بقلم : الناقد و الروائي : علي فضيل العربي – الجزائر –      

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ    

      هامش :

( 1 )  الماغما :  مزيجٍ من المواد المنصهرة (صخر سائل وشبه سائل) تمتاز بدرجة حرارةٍ مرتفعةٍ ، وتتواجد في أعماق سطح الأرض. في عام 1859 ، كان أول استخدام معروف لكلمة الماغما ، والتي تعني باليوناني “المرهم السميك” ، وهي مرادفةٌ لكلمة “صُهارة” في اللغة العربية . ( موسوعة أراجيك ) .

 

  

     

 

  

            

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *