تأثير الانتداب الفرنسي على بواكير الرواية السورية

(ثقافات)

 

تأثير الانتداب الفرنسي على بواكير الرواية السورية 

 صالح الرزوق

لا يمكن مقارنة المؤسسة الشعرية بكل أطيافها في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين مع المحاولات البسيطة والمتعثرة للرواية، والتي يمكن تلمسها عند الكاتب السوري في نفس الفترة. فقد طرح الشعر، على الأسلوب والمضمون، عدة هموم، وبقي السرد غامضا ومحتارا. وبشكل من الأشكال أستطيع فرز وتصنيف ثلاثة محاور.

الأول هو الذي جاء في ختام عهد الإمبراطورية العثمانية. وغلب على خطابه التدرج بكل شيء. بدأ من شكل بسيط دون حكاية وتحركه الأفكار والأحاسيس، ثم تمايزت الشخصيات ونشأ بينها حوار، أو الأدق مونولوجات. وساعد الشرخ الناجم عن الرغبة بالحداثة والتملص من الماضي إلى تنشيط الأسئلة والأجوبة ضمن دائرة ضيقة من الأفعال. وأقرب مثال على هذا النوع هو “غابة الحق” 1865 لفرنسيس المراش. ومع أنها متأثرة بالاشتراكية الفابية (توماس مور ومن سبقه)، تبقى أصداء العصر الوسيط للنثر العربي واضحة، وبالأخص كتابات الغزالي، وفي مقدمتها “المنقذ من الضلال” 1115. فالتقاطع بين العملين يغطي عدة جوانب.

أولا شكل وأسلوب الرحلة. وهي رحلة مشاق يتخللها الألم والمعاناة دون بروز مفاجآت مدهشة أو غرائب، كما هو حال السير الشعبية وألف ليلة، فالخيال المجنح غير متضمن في العملين. ولا تجد غير إشارات للعقل والمنطق الذي يغلفه الإصرار والدأب. ويبدو أن فكرة الترحال جزء عضوي عند المسلم والمسيحي، فالحج فرض كفاية لأبناء الطائفتين، بمعنى أنه طوعي ويلبي حاجة روحية.

نجيب الريس في المنفى بجزيرة أرواد 1923

ثانيا مع أن هدف الرحلة هو يوتوبيا تتحقق فيها مبادئ تساعد الإنسان على التخلص من عذاب الشك أو تردعه من السقوط في بحر الأخطاء والنواقص في حالة الغزالي، وتقربه من أهداف البشرية في التحرر والتطور في حالة المراش، هذا لا يعفي الاثنين من العمل على وضع حد للدايستوبيا المفترضة. والحقيقة أن الخيال الفني في الغرب يختلف عن الخيال في الشرق بنقطة جوهرية. فالأول ينبش في رماد الثورات عن البدائل، لذلك يستطيع أن يرسم صورة واقعية ومرئية لعقله المفكر، بينما الثاني يستمد أدواته من تجريدات ذهنية ضمن إطار روحي، ولذلك يغلب على تخيلاته أوهام قابلة للتحقق. وهو ما يضعه ضمن النطاق المجدي لنشاط الأساطير. فالرحلة في الخيال الغربي لها أهداف، ويتم تحقيقها بواسطة أفعال (وهي الحبكة). في حين أنه تتقاطع في الخيال الشرقي الأهداف والنوايا مع الشعور الباطن، ويكون نشاط الروح (بمحور عمودي – من أسفل إلى أعلى – أو تصعيد) متزامنا مع الأداء (بمحور أفقي – أو محاكاة). وبلغة أوضح يغلب على الخيال الشرقي المشيئة الإلهية وضرورة العودة لها، سواء كان الإله قيمة غائبة أو معيارا.

المحور الثاني هو الذي ظهر مع نهاية  الانتداب. وأعتقد أنه متأثر مباشرة بالواقعية الطبيعية، مع فرق واحد وهو التركيز على الأفكار وما يرافقها من مونولوجات وحوار يقف وراءه ملقن هو ذات الكاتب. ويعاني الشرق كله حتى هذه اللحظة من دكتاتورية المؤلف. ولذلك تحتل الأطياف والأشباح دورا حيويا في أي عمل، وذلك بالمعنى الذي أشار إليه دريدا في كتابه عن “الأرشيف الفرويدي”. فالطيف قد يأخذ شكل فكرة أو مونولوج (كما في “أشباح أبطال” لمطاع صفدي 1959 – أو “بنت الساحرة” للعجيلي 1948).  وبهذه الطريقة تتحكم المشاعر والتصورات بالطبيعة، ويتحول الواقع من منتج للأحداث أو مسبب لها إلى مجرد مشارك وأحيانا إلى شاهد فقط. وهو جزء من واقع مجتمع الهزيمة الذي أفرد له العجيلي مساحة هامة من مشروعه السردي، وفسره بأفكار تتحرك وراء الواقع. وتبدو الشخصيات في معظم أعماله مدينة لظاهرة سحرية (كما في “ساعة الملازم”) أو لقدر يمسك بمفاتيحه الأسلاف فقط (كما في “السيف والتابوت”). ومثل هذا التزاحم بين  أطياف الأجداد الأموات وصور الأحفاد الأحياء يحرك الحبكة بحركة دائرية تقودنا بالنتيجة إلى أفكار مسبقة. ولا أعتقد أنه يوجد في السرد العربي كاتب خدع الواقع وأجبره على إخفاء عيوبه عنا مثل العجيلي. وبهذه الطريقة المواربة كان يرثي حاضرنا وبأسلوب لا يجبرنا على الزهد به. ويمكن أن تجد أن شخصياته تنظر للهزيمة على أنها إحساس مؤلم بالحياة. وباراه بهذا الاتجاه كوكبة من الأوائل، منهم خليل الهنداوي 1932   وفؤاد  الشايب 1944 *.

المحور الثالث والأخير هو الذي  تطور خلال فترة الانتداب. ومن الطبيعي أن يعبر عن ممانعة. وهذا الوعي بالآخر – أو العدو – أو الحضارة المنافسة ساعد على بناء حوار بين أطراف شاركت به ذات الكاتب الجريحة. ومهما كانت الحبكة أخذت كل فكرة صورة رمزية، ووضعت نفسها بمواجهة احتمال تجريدي. مثلا مذكر أمام مؤنث، وسيف الأخلاق أمام سيف المعرفة، أو رحلة ضلال يعقبها صحوة أمام مجتمع مادي (وهو موضوع شكيب الجابري في مجمل أعماله منذ “نهم” 1937  و”قوس قزح” 1939 وحتى “قدر يلهو” 1946). ومن المؤكد أن الجابري اتبع سياسة الممانعة بعدة طرق.

1- اختار أن تجري أحداث رواياته في ألمانيا، لأنها انهزمت في الحرب مثل سوريا، ولأنها ذات أجندة معادية للمستعمر الفرنسي.

2- ابتعد عن المذهب الطبيعي الفرنسي وتبنى الفلسفة العدمية مع مؤثرات واضحة لنيتشة وغوتة. وعلى هذا الأساس كانت الدراما في أعماله غير تصاعدية بل تبدأ من نقطة الانفعال وتنتهي بنقطة التفجر. ولم يصاحب ذلك أي وعي وجودي وإنما ركز كل أفكاره على الفراغ النفسي واستنزاف الطاقة. فقد كانت شخصياته تدمر نفسها بفقدان الاتجاه. وعليه كانت الحبكة هي في استعادة المفقودات أو الجوهر الضائع، وتوافق ذلك مع الوعي عند البطل الشرقي، ومشكلة الحرية والذات عند المؤنث الغربية.

وقد اشتركت هذه المحاور بنقطتين هما من أهم مواصفات بواكير السرد.

الأولى أنها حرصت على تقنين الشكل، وكل الأمثلة المذكورة تراوحت بحجمها بين نوفيلا أو قصة طويلة. وإذا كان عدد الشخصيات لا يزيد في أي عمل عن ثلاثة – نموذج أوديبي نظامي يتبادل فيه الأدوار: الأب القوي والأم الطيبة أو خيال الأب الغائب والأم قوية الشكيمة، فإن مسرح الأحداث لم يخرج عن إطار غرفة في فندق أو بيت. ويندر أن تسمع صوت أمواج البحر. بمعنى أن المكان على اليابسة، وهو عرضة للبرد القارس في الليل، الأمر الذي يستدعي إشعال النار. وهي في هذه الأعمال أداة تنوير وإتلاف،  كما هو حالها في العصر الحديدي الذي سخرها لصناعة الأدوات، لذلك أفترض أن الخيال الفني كان إنتاجيا وجهاديا، ويؤمن بفلسفة تبديل الواقع باستعمال وسائط راديكالية. وقد خالفت النوفيلا بهذا السلوك الروايات الضخمة ذات الاتجاه الإصلاحي، كما أنها لم تلتزم بالشكل المتفرع الذي يشبه تعدد الوسائط في التكنولوجيا المعاصرة. ويمكن القول إن الرواية في أوروبا لجأت لرسم شخصيات متناقضة مع نفسها ومع ما حولها، في حين أن النوفيلا السورية التزمت بسياسة اللون الواحد.  وبهذا السياق يصعب أن تجزم أن السوريين قدموا رواية فنية قبل الستينات. فالنوفيلا هي استطراد على القصة، وأصلا كل قصص بلزاك وفلوبير بحجم البواكير. فهل ما كتبه الجابري وهنداوي هو تنويعات على القصة الأوروبية، وبالأخص أن الأحداث تدور في الغربة، وأكثر من نصف الشخصيات تحمل أسماء علم أعجمية؟. وإن شئت الحقيقة لم تظهر رواية وطنية قبل كتابات فارس زرزور الذي وضع حجر الأساس لروايات التحرير، فموضوعاته كانت عن المقاومة ضد المستعمر مثل “حسن جبل” و”لن تسقط المدينة” وسواها. وما يحسب لزرزور أيضا أنه قدم للرواية اسم نوع، بمعنى أنه وضع لها مجموعة من الركائز. فقد احتفظ بلغة رشيقة ولكن دون رومنسيات، واستبدل الاستعراض الإنشائي والبلاغي بتقنية الأصوات وتيار الوعي. ولا أستطيع أن أجزم أنه تأثر بفوكنر أو وولف، وربما انتقلت له هذه الشرارة من قصص مبكرة لزميلتيه كوليت خوري وغادة السمان.  فزرزور بلا شك ضعيف الاتصال بالآداب الغربية، وتلقى كشوفات السرد عن طريق المجددين في مصر وسوريا على حد سواء. ويظهر في قصصه المبكرة ولع خاص بالمذهب الطبيعي حيث أن الإنسان يبدو امتدادا موضوعيا لما حوله، وطور هذا الاتجاه لاحقا إلى نوع من الحركات البهلوانية على خيط نفسي مشدود في الفراغ. بتعبير آخر حوّل النشاط النفسي إلى معدة غير تغذوية تهضم ما يحيط بها من مرئيات وأصوات وتنقلها من نشاط محسوس إلى أحاسيس نشيطة (انظر قصص “أبانا الذي في الأرض” وسواها).

النقطة الثانية وهي عن ذات الكاتب. فالرواية الفرنسية كانت تتكلم عن جغرافيا محددة وعن تراجيديا وتاريخ واضح، في حين أن ذات الكاتب السوري كانت غامضة. ويندر أن تجد كاتبا ولد ومات في نفس البلد. فخليل هنداوي مثلا مولود في لبنان وعاش وتوفي في حلب. ولم يتشكل الوعي الحديث بالمواطنة إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وتتقاسم منطقة الشام – سوريا وما حولها هذا الإشكال مع وضع الحدود الحالي بين روسيا ودول الجوار، وهذا يضع بعض الأعمال في فضاء متنازع عليه. ولا يختلف الأمر من الناحية الفنية، فبعض أعمال العجيلي تصنف تحت عدة عناوين: رواية وسيرة ذاتية وأدب رحلات ومقالة مثل كل أدبيات ما بعد الحداثة. ولكن في النهاية ما يهم هو وعيه بموضعه من الذات والآخر. وأرى أن السؤال ملح الآن أكثر من أي وقت مضى: هل كان العجيلي وأبناء جيله ثوريين أم محافظين. وهل كان شكيب الجابري ليبراليا غربيا أم مع دكتاتورية الذات الإسلامية. وأين يقف فرنسيس المراش من علاقة الفن بالمنطق، هل هو مع العقل أم مع الينابيع – الروح والذات. وبتعبير آخر وأوضح: هل كان يكتب نوفيلا عن سابق وعي وتصميم أم أنه حمل عصا النبوة وضرب بها الأرض النائمة ونصف الميتة؟؟!!.

في كل الأحوال أثرت الجغرافيا السياسية بحركة الكاتب وأسلوبه الفني، ففي نهايات الدولة العثمانية لجأ المثقف السوري إلى مصر أو فرنسا لاكتشاف شخصيته. ولكن خلال الانتداب توزع المثقفون بين باريس للاطلاع على معنى الهوية الوطنية والقومية ولاكتشاف نقاط القوة في الذات والآخر، وبين ألمانيا لخلق شيء من التوازن مع الحاضر المفقود. وكانت خريطة الصراعات معقدة أكثر من الجغرافيا السياسية. فقد احتدم التناقض بين وكلاء ألمانيا وفرنسا من جهة، ووكلاء الرابطة مع الأتراك من جهة ثانية. ولا يسعنا أن نؤكد أن الصدام كان بحقيقة الأمر انعكاسا لمشيئة حضارية، بل اندلع بالوكالة على طول المثلث الحدودي الذي ربط الحجاز ببلاد الشام وتركيا. كان المثقفون السوريون مشتتين بين هذه الجبهات، ويحملون هوية روحية ممزقة لتبعيات إقليمية ناشئة وغير واضحة. ولم يتمسك باستقلاله الروحي غير السلفيين وهم دائما خارج الحسابات بسبب ميولهم. وأنت لا تستطيع أن تعزو لهم أي دور، فقد دخلوا سياسيا في سبات طويل، ولجأوا أدبيا وذهنيا للاجترار والتكرار، ولمحاكاة ماضي العصر الوسيط بكل ما عرف عنه من قلب ميت وعقل يذم الابتكار.

ولكن ما يدعو للدهشة انقسام السوريين بين بلد متوسطي وآخر قاري يشهد صعود النازية، وغيابهم عن بقية البلدان الدافئة ذات التوجه الفاشي كإيطاليا وإسبانيا. وربما وراء ذلك أفكار خاطئة عن علاقة محتملة بين اللاتينيين – لوبي روما ومدريد ولوبي باريس. وعلى الأرجح أن اللجوء إلى ألمانيا كان له هدف مزدوج: فك الحلف مع الفرنسيين واتباع سياسة شد الأحزمة ضد اليهود، وهو ما كانت ألمانيا جاهزة له بشكل واضح. وأيا كان الأمر لم ينجح الحلف الإيديولوجي مع ألمانيا ولكن أثمرت نتائجه في المجال الفني. وحرض الألمان حركات الرؤية والتحديث المرتكزة على قراءة داخلية لنشاط العقل والنفس مقابل النشاط الحسي والتصوري للفن اللاتيني والذي اتخذ لنفسه شعار النسر المجنح والشمس المشرقة. وفي كل الحالات تعدد السبب المباشر للاتصال مع الحواضر الغربية. فقد كان قبل الانتداب بالقسر (جراء عقوبة النفي والإبعاد – أقله المضايقة)، وبعده كان طوعيا – عند المثقفين، وقسريا – بالنسبة للعاملين في الحقل السياسي. وتجدر الإشارة إلى تآزر السياسة والثقافة في تلك الفترة. وأذكر من هؤلاء نجيب الريس وفارس الخوري. وكان سجن أرواد هو المفضل لاعتقال كبار السياسيين، ولكن لم ينتج عنه في النهاية ظاهرة أدبية محسوسة يمكن أن نسميها “أدب السجن السياسي”، وكل ما وصلنا منه عدد محدود من القصائد الحماسية مع أجزاء من مذكرات ظهرت في وقت لاحق وتدخل ضمن “أدب السيرة”.

وعلى ما يبدو أن المؤثرات الروسية لم تفرض نفسها إلا بواسطة الموجات المرتدة. وتحقق ذلك بعد عام 1956، بتعبير آخر بعد ذوبان الجليد ونهاية ستالين. وإذا كان لا بد من تفسير أعزو ذلك ببساطة لتوجه الرحلات العلمية. فقد وقع الاختيار على السفر إلى الميتروبول الغربي إما بسبب التوتر بين روسيا والقسطنطينية قبل الانتداب، أو بسبب جاذبية وإغراء الانتداب في وقت لاحق. حتى أن كاتبا من وزن ميخائيل نعيمة تلقى علومه في المعهد الروسي في لبنان، ولكن هاجر لاحقا إلى أمريكا، واشترك بوضع حجر الأساس للرابطة القلمية، التي ألهمت فيما بعد مدرسة مجلة “شعر” ثم “حوار”، وكلاهما مؤسسة انقلابية حرصت على تبييض العقل العربي.  ومهما يكن من أمر يختلف العرب عن الروس بطريقة فهم واستيعاب الحياة.  فالرواية الروسية لم تجد أي فرق بين المجتمع والطبيعية، وحروبها كانت موجهة ضد الطرفين: العاقل وغير العاقل، ومن هنا نشأ اهتمام لا نظير له بتنظيم العلاقات بين الإنسان والطبيعة والآلة. في حين أن العرب عملوا في حدود الضرورة، وركزوا على استعادة معايير ضائعة أو اكتشاف معايير غائبة. وهذا وحده يفسر ولع المثقف السوري بشخصية تروتسكي ولا سيما أن حياته لا تخلو من الميلودراما، مثل دوستويفسكي – المنتمي لخلايا ثورية سرية والمحكوم بالإعدام والمصاب بالصرع. ولا يفوتني هنا التذكير بترجمة سامي الدروبي له عن طريق طرف ثالث وهو اللغة الفرنسية**.  واعتمد في ترجمته على تطويف المعنى بالقياس. ولولا المبالغة لقلت إنه عرب دوستويفسكي وأصل شخصياته. وهذا بالضبط ما قام به شكيب الجابري في “نهم”، فقد أعاد إحياء فيرتر من خلال شخصية إيفان كوزاروف الناطق بلغة عربية بليغة وفصيحة. وتكرر ذلك مع فرنسيس المراش الذي حاول إنتاج نسخة عربية من زرادشت نيتشة.  فكلاهما حرص على تقديم آراء نبوئية بشكل مواعظ وخطابات، وكانت شهوة النبوة أو على الأقل السيرة الروحية للنبي هي المحرك الأساسي في الكتابين.

*الإشارة هنا لرواية بعنوان “صفحة من حياة باريس” للهنداوي، وصدرت عن المطبعة العلمية، ومجموعة قصص “تاريخ جرح” لفؤاد الشايب الصادرة عن دار المكشوف.

**اتسمت العلاقة بين روسيا وسوريا بكثير من الالتباس والغموض. في حين كان الطرفان حليفين في السياسة وفي الشؤون العسكرية لم يشجع التعليم الرسمي ولا الإعلام على انتشار اللغة الروسية. ومنذ الأربعينات نشطت حركة ترجمة الأدب الروسي عن طريق وسيط وهو اللغة الفرنسية، وهذا يعني أنه لتصل إلى تشيرنشيفسكي أو بليخانوف، لا بد من المرور عبر روسو أولا، وهو ما شجع على ظهور اشتراكيات سائلة ومارقة تتصف بالفوبية وأنصاف الحلول. في هذا المجال بالإضافة إلى سامي الدروبي ظهر مشروع جلال فاروق الشريف والمحامي سهيل أيوب وجورج طرابيشي. وحكما لعب الطرف الثالث دورا أساسيا في تأجيل إقامة علاقة عضوية مع روسيا. وزاد من تعقيد المشكلة اتباع الروس سياسة المماطلة في تسليح الجيش أو توفير أسلحة بنسخ قديمة وناقصة.  ولا أعتقد أنه يوجد مجال لتحقيق تعايش بين الثقافتين خارج جمعيات الصداقة التي تنشط في غرف وصالونات معزولة  أو خارج دوائر الإعلام الرسمي، وهو بدوره معزول وجدانيا وروحيا عن المجتمع. وحتى بعد توفر قنوات اتصال مباشرة بين القارئ السوري وروسيا – أخص بالذكر فروع دار التقدم ورادوغا في كل من حلب ودمشق، فرضت الرقابة عليها القيود. وفي كل الأحوال لم يكن انتشارها واسعا واستمر في حدود شريحة من الطلاب والمثقفين. ولم تبدل من هذه الصورة اتباع سياسة الإيفاد إلى الاتحاد السوفياتي بل زادت من أضرارها. ويعرب عن هذه النتيجة حقيقتان.

1-     كان الموفد موضعا للاحتفال والتكريم في الجمهوريات الإسلامية على أساس ديني. وأستثني من ذلك الموفدين لغايات التدريب العسكري. فقد كانوا بعيدين عن المجتمع.

2-     وكان الموفدون يستكملون دراساتهم لاحقا في عواصم غربية. وهذا دليل على قلة إيمانهم بالدور الحضاري والتاريخي للروح السلوفينية.

وأعتقد أن اللوبي العربي في روسيا لعب دورا متواضعا. فقد اهتم بالترجمة وبسياسة الدولة. بعكس نظيره الأمريكي الذي تحول لجزء من الظاهرة، وساعده ذلك على تبديل اتجاه العقل العربي. ويكفي أن أذكر أمين الريحاني وجبران. وربما لهذا السبب لم يحالف النجاح كاتبا استثنائيا من وزن غائب طعمة فرمان، بينما تحول أدونيس وبعد ذلك أمين معلوف لرمز من الرموز الثقافية، وينسحب هذا الاستنتاج على شخصيات لجأت إلى الغرب مثل ياكوبسون وتودوروف وكريستيفا، وإدوارد سعيد، والقائمة تطول.

شاهد أيضاً

عبد الصّمد بن شريف يُحاضر بفاس حول تحوُّلات الإعلام بالمغرب

(ثقافات) عبد الصّمد بن شريف يُحاضر بفاس حول تحوُّلات الإعلام بالمغرب متابعة: إدريس الواغيش احتضنت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *