رواية ( الحرب التي أحرقت تولستوي ) للكاتبة الأردنية زينب السعود

(ثقافات)

قراءة في رواية ( الحرب التي أحرقت تولستوي ) للكاتبة الأردنية زينب السعود

 ابتسام ملا جمعة الخطيب*

قضيت في الأيام العشر الماضية رحلة مختلفة مع رواية جديدة الفكرة، جميلة المعنى والمضمون ( وليسمح لي متخصصو النقد فأنا هنا أتحدث كقارئة ومتذوقة للنص فقط ).

أخذتني الرواية معها في عوالم مختلفة، فارتفعت وهبطت، وابتسمت وحزنت  بل دمعت عيني أحيانا. انتظرت، وتمنيت خفت، تلهفت ونجوت .

الأسلوب الذي طرحت به الكاتبة قصتها أسلوب سهل ممتع ممتنع، تمكنت من ربط أحداث الرواية وجمع خيوطها الممتدة في أكثر من مكان. جمعتنا بأبطالها لنسير معهم عبر الأحداث بلا شعور (كيف يمكن للمرء أن يتغير إلى درجة يجد نفسا غريبة غير نفسه؟ وقلبا ضعيفا ما كان يوما هو الذي بين أضلعه). فنصل للحكمة المرادة والمختبئة بين طياتها.

في الرواية نكتشف سلاسة التعبير وصدق المشاعر وحيادية الكاتب وأمانة الصورة بلا تعقيد. حيث وصلنا إلى عمق الشخصيات بإحساسها وخلجات نفوسها ، وستشعر أنك ربما مررت بتلك المواقف يوما ما (عندما يكبر الذكور تتحول علاقتهم بوالديهم من الحب إلى الواجب، أما البنت فلا شيء يبدل عاطفتها، بل تتحول الأدوار فتصبح البنت أم أبيها وأمها).

شعرت تلقائيا أن الكاتبة حين أمسكت القلم لتبدأ الحكاية لم تتركه حتى انتهى مداده بانتهاء آخر كلمة منها ( جرة قلم واحدة ). فالرواية تحكي أحداثا قريبة جدا عايشناها من جانب أو آخر، والسرد فيها جمع بين الحزن والفرح ومختلف الانفعالات ( يخجلها ضعف مشاعرها واضطرابها لمجرد مرور طيف من ذكريات مراهقتها أمامها). والحقيقة أن الكاتبة وفقت في اختيار عنوانها ( الحرب التي أحرقت تولستوي) الذي يجعلك تتساءل: لماذا ؟ وكيف ؟ حتى تصل لذلك المشهد الرائع من الأحداث فتدرك معه دفء العنوان وذكاء الاختيار .

ينفتح عالم الرواية من خلال العنوان على أديب روسي طالما قرأنا أعماله وأعجبنا بروائعه الأدبية، وجمع كلمتي الحرب وتولستوي في العنوان جعلنا نتساءل لوهلة: هل هذه الرمزية تشير إلى رائعة تولستوي ( الحرب والسلم) التي حمل فيها على صناع الحروب والدمار وأشار إلى الويلات التي جرتها الحرب على بني الإنسان؟ لتأتي حرب أخرى مصدرها بلاده وموطنه وبني جلدته. العنوان عالم من الرموز وأجزم أن القارئ يستطيع أن يخرج بكثير من التحليلات التي ربما لم يقصدها الكاتب، وهنا تكمن جمالية الأدب الذي يجعل من النص عالما مباحا للقارئ الواعي المتلمس لما بين الكلمة والسطور.

أخيرا الرواية تناولت تفاصيل مهنة لم نقرأ عنها من قبل ولم نتعرف جوانبها الاجتماعية والمهنية، والكتابة عنها لفتة جميلة، فنادرا ما نجد من يتطرق لحياة المراسلين وتسليط الضوء عليها مهنيا واجتماعيا. كما هو من النادر أن يجمع الكاتب جنسيات مختلفة في رواية واحدة مع دراية تامة بها وهذا يشي بوعي الكاتبة وخاصة عندما تحدثت عن شخصية ( اليمني) فاليمني مثقف ولكنه منسي ومهمل.

شكرا للكاتبة على هذه الإضافة الجميلة الراقية لأرفف المكتبات وهنيئا للأدب ترك بصمة جديدة في عالمه .

*تربوية وناشطة اجتماعية كويتية.

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *