غالب هلسا وأنا

(ثقافات)

غالب هلسا وأنا

نزيه أبو نضال

 

 

سيبدو غريبا القول ان من جمعني بغالب هلسا في القاهرة عام 1962 كان الروائي العربي الكبير نجيب محفوظ، واليكم الحكاية:

كان من اهم الأسباب التي دفعتني للدراسة في مصر ان التقي بكتابها وروائيّها الكبار الذين شكلوا اهتماماتي بالأدب العربي وفي مقدمتهم نجيب محفوظ .. وبالفعل قبل اعلان قبولي في جامعة القاهرة اتصلنا فخري قعوار وانا بمحفوظ وطلبنا اللقاء به فوافق مرحبا..وخلال الجلسة خطر لي سؤال عن امكانية اجراء حوار معه لينشر في الأردن فرحّب بحرارة، فأجريت معه اهم مقابلة في حياتي. ونشرت في مجلة الأفق الجديد المقدسية .

\ثم تفضل محفوظ فدعانا للجلسة الأسبوعية التي تقام في مقهى صفية حلمي بالعتبة وهناك كانت بداية علاقتي بغالب هلسا التي تواصلت بعد سنوات في لبنان ثم سوريا الى ليلة رحيله في مشفى الأسدي بدمشق وكنّا معه انا وام نضال..حيث نقل جثمانه الى وطنه الأردن..وكان رحيله في يوم ميلاده: بين 18/12/1932- 18/12/1989. فكان اكتمال الدائرة.

قبل رحيله بأيام كنا نقيم غالب وأنا ندوة بدمشق عن مبدعنا الكبير تيسير سبول، وبعدها بأيام كنت اشارك بندوة أخرى في المكان نفسه مع ناجي علوش وخالد ابو خالد ولم يكن غالب موجودا كانت الندوة عن غالب هلسا ثم بعدها عن ناجي وخالد و..البقية على الطريق! والغريب ان الموت بعد كل هذا لا زال يفاجئنا وكأنه يحدث للمرة الأولى.

والآن وعبر هذه الرحلة الطويلة مع غالب الانسان والمبدع والمثقف والمفكر والشاعر ايضا..وسنختم ببعض شعره، أراه يتوحد دائما يتوحد في أقانيم ثلاثة:

* خطوة المقاتل لاسترجاع الحق وهذا هو غالب الوطني الأردني الفلسطيني

*يد الجائع لانتزاع العدل والحق وهذا هو غالب المااركسي

* قلب العربي ينبض بوحدة الأمة. وهذا هو غالب العروبي القومي

وهذه الأقانيم الثلاثة التي يتوحد غالب فيها لا تحوله الى بطل تراجيدي..فمن المستحيل ان يكون بطلا على امتداد ساعات الحياة. وهنا بالضبط يكمن سر بطولة الانسان. ولهذا نجد غالب يقدم نفسه على الدوام، كما هو وبكل ما فيه من عناصر القوة والضعف.. ثم اليس جميلا ذلك الطفل الصغير الذي يمارس وجوده ببراءة وحرية.. فلماذا يتخفّى خلف كل هذه الأقنعة؟!

بالنسبة لغالب ظل هذا سؤال حياته.. وأسئلة غالب وأقانيمه جعلته يحترق طويلا على امتداد الأتون العربي..ولكن غالب رغم كل ذلك لم يفكر بالبحث عن حل للمعادلة الصعبة: أن يضيء دون أن يحترق..فكان ان احترق في السجون والمنافي..فكان أن اضاء فصار مشعلا ووساما نفتخر ان نضعه على صدورنا.

والأن سنختم ببعض شعر غالب:

في حلكة الغروب

تعود ارواح الموتى الى القرية

متلمسة طريقها الى الاهل،

تعود راجيةً ان تجتذب اليها

المزيد من الأحياء

وتهجع المواشي المتخمة

بعشب المراعي وبأشعة الشمس

ويتكوم الرجال على الأرض كالقتلى

من الاجهاد في انتظار الطعام

والنساء في غبش الغروب

اصوات عذبة مفردة،

معزولة وسط جدران الحلكة

منتظرات ان ينسل اليهن الرجال

كاللصوص في الليل

عندما ينام الاطفال

ويهدأ كل شيء

عدا اصوات ليل الريف الأبدية

May be an image of 2 people, people standing and people sitting

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *