مركز عناية بالمغرب يحتفي بتجربتي الشاعرين مصطفى غلمان ورشيد منسوم

(ثقافات)

مركز عناية بالمغرب يحتفي بتجربتي الشاعرين مصطفى غلمان ورشيد منسوم

نظم مركز عناية بالمغرب، نهاية الأسبوع الذي ودعناه، برحاب رياض دار الشريفة بحي المواسين المدينة العتيقة بمراكش الزاهرة، ندوة ثقافية شعرية، احتفاء بإصدارين شعريين، الأول “نمش على مائي الثجاج” للشاعر والإعلامي مصطفى غلمان، والآخر “أتقرى أشهى ما في السراب” للشاعر رشيد منسوم.
وقد تم تقديم وتسيير اللقاء من قبل الباحثة والشاعرة فاطمة الزهراء اشهيبة، التي اعتبرت الانفتاح على التجارب الشعرية المغربية، جزءا أساسيا من ترسيخ طفرات المنجز الشعري لتجارب متراكمة، واعية بالشكل الجديد للقصيدة العربية، وقارئة مجدة للمتون الأخرى، من الضفف المتعددة.
وأبرزت اشهيبة حضور هذا الاختيار الدائم والسيروري لمركز عناية، الذي يعي كيف يمكن تقديم نماذج حداثية راسخة الدلالة في الوعي الشعري المغربي، مركزة بالأساس على استغوار التجربة التسعينية التي ينتمي إلى صفوفها الشاعر مصطفى غلمان، وما يستتبعه النظر من إغناء الدراسة والاعتبار لتجربة ما بعد الألفية التالية، التي يجسدها الشاعر رشيد منسوم.
وفي هذا الصدد، قدم الباحث والناقد حميد منسوم، دراسة نقدية، حول “اشتباكات القصيدة عند الشاعر مصطفى غلمان وتأرجحها بين بذخ اللغة وفتنة التخييل”، تفاعل أولي مع ديوان (نمش على مائي الثجاج).
وتضمنت الدراسة، موجز اعن الشاعر والديوان ورأيه في الشعر ، واشتباك الشعر مع أسئلة الموت والزمن والحقيقة والحب والوطن والهوية، والقصيدة والتارجح بين بذخ اللغة وفتنة التخييل .
في ما يتعلق بالنقطة الأولى أشار الاستاذ حميد منسوم إلى أن الشاعر مصطفى غلمان قد استطاع بكدحه الشعري ان يحجز له مكانا في مملكة الخيال المغربي منذ ديوانه (خاتمة لدبيب الوشي) واستمر في رعاية تجربته سقيا وحرثا الى ان بلغ من الشعر عتيا خصيبا . فكان المحصول ستة دواوين شعرية، (خاتمة لدبيب الوشي) و (ماجاء في الرؤية عند ازدحام الأثر)و (على شفا موت)و(قاعدة البطريق)و(قلق البراديم).
وبعد سرده لعناوين ديوان (نمش على مائي الثجاج) أكد بأن المتجول في حديقته سيصادف لقاءا حميميا بين الشعر والفلسفة والميثولوجيا.
وانطلاقا من من حوار مع الاعلامي والشاعر عبد الاله التهاني في برنامج (مدارات). فقدصرح الشاعر مصطفى غلمان بأن الشعر أقرب إلى حشرجة الموت، وبأنه نقد وتجاوز للماضي. وتأسيسا على ذلك وتجوالا بين قصائد الديوان تبين للأستاذ حميد منسوم أن سؤال الموت عند الشاعر لم يعد بيولوجيا بل أنطولوجيا، اقترب فيه من لغة الفلاسفة (افلاطون وابيقور) والحكماء (بوبانشاد ). إن الزمن عنده سائل ومتدفق وليس جامدا ومتكلسا إنه زمن يرنو ألى ماسيضيفه الأبناء والاحفاد ولا يقف عند ماتركه الاباء والاجداد . زمن يجعل من الماضي ممرا وليس مستقرا :

 (أيها العام القادم كن معي لأعبرك إلى نهري وأغريك بالعدول عن وخز آلامنا) ص123.
أما الحقيقة في نسبيتها بالطبع، حسب ذات الناقد، فقد رفضها الشاعر إذا جاءت مدججة بالتفاهة والترديد الببغائي والدجل والبطولات الوهمية. يقول:

سألغي كل الحجج السخيفة عديمة الجدوى
وأعدم دفاتر الغياب والمحفوظات الطللية .
وأوردة الأولياء.
وخرافات البواسل من حدود آل يعرب. (ص 59
أما الحب عند الشاعر ، يقول منسوم، فقد انتقل من جواب محسوم إلى سؤال مفتوح، ومن إحساس إلى قضية . في حين أن الهوية الوطنية والقومية لاتختزل عند الشاعر في كليشيهات جاهزة و معلبات ايديولوجية إنها عابرة لكل التمترسات. يقول : (أنا قضية تتجاوز الهويات والتيارات والعلاقات الإنسانية العابرة ). ص63.
وبانتقاله إلى بذخ اللغة وفتنة التخييل في الديوان أشار منسوم بأن اللغة تسلس انقيادي لشاعرنا فتأتيه متطاوسة في أبهى حللها وبيناعة لا تتجعد مستفيدا مما خزنته ذاكرته من ودائع الشعر طريفه وتليده ومتصاديا مع محفوظه من القرءان الكريم والامثال والحكمة والاشراقات الصوفية الناطقة بتلميحات الإشارة أكثر من تصريحات العبارة.
أما الطاقة التخييلية فقد تشكلت من أنطاق الصمت ومنادمة الفراغ ولملمة المتشظي والركض وراء المنفلت العابر مع التبئير غالبا على الماء وكل مايقترن به (النهر والثلج والسحابوالغيمةوالدموع….) وفي كل ذلك كان الأستاذ حميد منسوم يستشهد بمقاطع من الديوان.
ليصل في خلاصته الختامية إلى أنه كان أمام شاعر اشتغل كنجار يكشط السطح ليستغور العمق، واشتغل كجراح يؤلم ويبلسم . شاعر عاشق ولهان يلبس جبة الصوفي ويجاور الفيلسوف ويحاكي صاحب الكاميرا بعينه اللاقطة ويرثي زمن وطنه متأرجحا بين وطأة الألم ووثبة الأمل.
وتحت عنوان “الشعر والفلسفة وسؤال التأويل”، أضاء الناقد البلاغي الدكتور عبد العزيز لحويدق، استاندت قراءته لديوان “نمش على مائي الثجاج” للشاعر الأكاديمي د. مصطفى غلمان على المدخل الفلسفي الناظم للمتخيل الشعري المهيمن على مجمل القصائد. ولتحقيق هدفه نهج سبيلين متكاملين:
الأول؛ خطي استكشافي يرصد اللانحويات والانزياحات والملامح الأسلوبية البارزة التي استرعت انتباه القارئ النموذجي.
الثاني؛ استرجاعي تأويلي يقوم بتركيب الأجزاء والمقوّمات الشعرية والإحالات المرجعية ضمن رؤية فلسفية أساسها تفكيك ميتافيزيقا التطابق والتماثل، وتشييد سرديات بديلة تطهيرية عمدتها فلسفة الاختلاف والتعدد بمرجعياتها الصوفية المختزلة في قولة ابن العربي الواردة في التصدير ” فما العلم إلا في الخلاف وسرِّه، وما النور إلا في مخالفة النهى” (ص9)، أو في مرجعياتها الدريدية التي تقوّض الدلالات الأصلية وأوهام العقلانية باجتراح صور شعرية غير نمطية، وبالانفتاح على اللاشعور الجمعي والأساطير، وبالتشابك مع نصوص غائبة قرآنية وشعرية تكشف أسطورة تملك المعنى الواحد الأصلي، وتفتح عملية الفهم على سيرورة تدلالية لا متناهية دون الارتهان إلى القصد الواعي للشاعر. ومن ثم يمتزج التخييلي بالواقعي وفق جدلية رؤيوية تتشوف إلى عالم يتجاوز استعارة السواد والقتامة إلى استعارة الغضب والتمرد والماء بدلالته الرمزية التطهيرية وذلك ضمن قلق براديغم السؤال اللامتناهي غير المطمئن للأجوبة النهائية، يقول الشاعر:
أكسر قواعد الإملاء والطاعة وركعتين جهريتين
……..
هل تؤمن روحي بالعصيان
كما الشاعر في زخم القصيدة.
وتناول الناقد الدكتور رشيد طلبي، من خلال قراءة لديوان “وداعا أيها الدغل مرحبا أيتها الفأس” للشاعر رشيد منسوم، تحت عنوان “التناص الفكري والشعري”، نقطتين نفصليتين ، تمثلت الأولى في تحليل المرجعية التناصية، سواء الفكرية منها التي ارتبطت بالترنسنتالية الأمريكية، أم الشعرية التي أسفرت عن التناص مع الشاعر الأمريكي هنري ديفيد ثورو، أم الشكلية ذات الصلة بشعر (الهايكو).
أما النقطة الثانية، فقد تم توضيح من خلالها، الرؤية الشعرية للشاعر، حيث يرفض الواقع الخام بشكل مضاعف في رفضه للكتابة الشعرية التقليدية، انتصارا للكتابة الجديدة ذات الاتجاه المفتوح، في أفق بناء عالم استشرافي، لا يعدو أن يكون هو عالم (الدغل)، الدال على الحلم والفضيلة والفرح والسعادة.
واقتفى الناقد والشاعر الدكتور عبد اللطيف السخيري، معالم الإبداع والترقي في ديوان “أتقرى أشهى ما في السراب” للشاعر رشيد منسوم، واضعا لقراءته كعنوان: “شهوةُ السراب وتجربة الكتابة القُصوى”، مبرزا أن الشاعر رشيد منسوم، انخرط في البحث عن أشهى ما في “شقيق الماء”، وشقيق أرواح الشعراء في التهابِها، وعطشها الأبديّ الذي لا يرتوي من المجاز إلا بالمجاز، ومطاردة المعاني في أقداح اللغة. ولا سبيل إلى ذلك البحث والتقرِّي سوى الكتابة، التي تتخذ صبغة رحلةٍ (عُبور) لا نعلمُ لها بدايةً، ولا ندري متى تنتهي. مؤكدا في السياق ذاته، أن الشاعر يوقن أن عبور السراب نحو السرابِ قدرُهُ، وكأنه بطلٌ تراجيديٌّ يسير نحوَ مصيرٍ لا يكادُ يتبيَّنُهُ، ولكن بإمكانه أن يحدِسَهُ.

 وأضاف السخيري، “إن السرابَ صنو الشعر ومن ثمةَ صنو كل كتابة تُريد أن تكون وفيةً لذاتها. مشددا على أن حضور “الكتابة” عند منسوم كان موضوعاً لتأمل  الشاعر حضوراً لافتاً للنظر. فقد تعددت محاولات تعريف الكتابة، بما يشكلُ شذراتٍ تلامسها مجازياً من أبعادٍ متعددة. فوعيُ الشاعر بتجربة الكتابة القصوى هو ما يجعله يقلبُ الكوجيطو الديكارتي قائلاً مع موريس بلانشو: أنا أكتُبُ إذن أنا غير موجود”، وذلك لأن الكاتب وهو يكتُبُ تقوم العلامات مقام أناهُ، وتنوبُ عنه كذات.

وخلال فقرات اللقاء الذي تابعته ثلة من المثقفين والباحثين، برحاب دار الشريفة بمراكش، قدم الفنان الموسيقي والشاعر عزيز باعلي أجمل مقطوعاته الملتزمة، مبادرا إلى تنويع قصيده الموسيقي، بين محمود درويش وأحمد المسيح وسيد درويش..
وقرأ الشاعران مصطفى غلمان ورشيد منسوم، نخبة من قصائدهما، محتفين بالإصدارين الجديدين، مثنيين على متابعة الأصدقاء في الجامعة والمجتمع المدني، والمؤسسات الجماعية، مسارهما في الكتابة الشعرية والفكرية، متمنين أن تعود جذوة الشعر إلى ما كانت عليه، مناشدين المسؤولين في الشأن الثقافي الحكومي وغير الحكومي إلى إيلاء الثقافة العناية اللازمة والضرورية، من أجل نشر الوعي وتحقيق مبغى صونه من مخاطر العصر والتفاهات.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *