نساءٌ مُلوَّنةٌ

(ثقافات)

 

 نساءٌ مُلوَّنةٌ

            (قصة قصيرة)

  هناء متولي

(1)

 مسكنٌ حجريٌّ، تدخل امرأة صهباء تستر مواطن أنثوتها بالزهور، اختارت الموتَ قربانًا للمُتعة، تتبعها أخرى شقراء تضع زهورًا أكثر منها حول خصرها، ثُمَّ امرأة سمراء تُخفي من جسدها أكثر ممَّا تظهر، يجلسن على مقاعد حجريةٍ حول جِذْع مقطوع لشجرة عتيقة كأنَّه مائدة.

    الصَّهباء: الوحش لم يحضر بعد.

    السَّمراء: الجوع يلتهمني.

    الشَّقراء: تُرى.. هل جُرِحَ في معركة؟

    الصَّهباء: ليت الضبع ينهشه.. أو تبتلعه حفرةٌ سحيقةٌ.. أو يأكله دبٌّ هائجٌ.. لا بأس.. لكن ليحضر الطعام أوَّلا.

    الشَّقراء: اسكتي أيَّتها الخنفساء.. أموتُ إن مسَّه وجع.

    السَّمراء: الليلة المنصرمة، أثناء محاولتي إشعال النار، رأيتُ وحشًا آخر في مسكنٍ قريب، أشار إليَّ وهو يبتسم، ما رأيكن؟

    الشَّقراء: رأينا؟!

    الصَّهباء: ليس سيِّئًا، فليتعاركا، ومن يفز؛ نكن له، ليته يقضي على وحشنا، لقد مللتُ منه.

(2)

غرفة تبديل ملابس في ملهى  ليلي، الغرفة صاخبة الإضاءة، في الخلفيَّة صوت لمونولوج إسماعيل ياسين (ما تستعجبشي ما تستغربشي)، امرأة صهباء ترتدي فستانًا لامعًا يُبرزُ مؤخِّرتها، وتتبعها شقراء يتدلى فستانها بسلاسة حتَّى ركبتيها، ثُمَّ تلحق بهما امرأة سمراء ترتدي فستانًا يجرجر خلفها.

    الصهباء: السارق اللعين.. يُصرُّ على حرماني من حصَّتي في الأرباح اليوميَّة.

    السَّمراء: دائمًا لا يعطي أحدًا، مَن اعتاد أن يأخذ لا يجيد المنح إلَّا مضطَّرًا.

    الشقراء: نعم، لكنه يحمينا ويحبنا.. وأنا أحبه رغم نذالته وطمعه.

    الصَّهباء: حمقاء غبية.. لا تثيري غضبي أكثر من ذلك.. وإلَّا وقع عليك ما لا ينفعك.

    السَّمراء: توقَّفا عن الشِّجار.. عدوُّنا واحدٌ.. لا مفر من الخلاص منه أو استبداله.

    الشَّقراء: يموتُ قلبي؛ إن حدث له مكروه.

    الصَّهباء: الحق معك، من الآن نبدأ التدبير للتَّخلُّص منه.

 (3)

غرفة في بيتٍ شعبيٍّ، الفوضى في كلِّ جنباته، صوت عدوية يملأ الكون وهو يُغنِّي (عيِّلة تايهة)، امرأة صهباء ترتدي زيَّ الرقص، تتبعها أخرى شقراء ترتدي ثوبًا ضيِّقًا، ثُمَّ تلحق بهما سمراء تذوبُ في ثوبها الفضفاض.

    الصَّهباء: خائب الرجاء.. ابن أمه.. عديم الفائدة.. عاد قبيل الفجر يتخبَّط في الجدران وتفوح منه رائحة الحشيش.

    السَّمراء: أنفق مالي ومال والدي على زيجاته ومزاجه.

    الشَّقراء: يفعل ذلك لإمتاعنا.. ألا تشبعان أبدًا؟

    الصَّهباء: ابلعي لسانك يا ابنة العاهرة وإلَّا مزَّقت شعرك وألقيت بك عاريةً من النافذة.

    السَّمراء : يا غافلات، استمرَّا في شجاركما بينما تتركانه يُدبِّر لزيجةٍ جديدة.

    الشَّقراء: سأقتلُ نفسي؛ إن فعل.

    السَّمراء:  بل نقتله.

    الصهباء: هذا هو العدل.

شاهد أيضاً

جماليّة الموت عند الشاعر المغربي مراد القادري: ديوان “و مْخَبّي تَحْت لسَانِي رِيحَة المُوتْ” نَموذجاً

(ثقافات) جمالية الموت عند الشاعر المغربي مراد القادري ديوان “و مْخَبّي تَحْت لسَانِي رِيحَة المُوتْ” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *