خاص- ثقافات
*محمود شقير
تبدو المرأة، من طريقتها في التعامل معي، كأنها تعمل في خدمة المخابرات، هكذا قالت لي خواطري التي التمعت في الرأس فجأة، لأنني – وبدون ادعاء – كثير الوساوس إزاء هذه المهنة التي بلونا المرّ من ثمرها، ولأن المرأة أكثرت في البداية من الأسئلة الدقيقة التي تنم عن قدر كبير من الذكاء، ومع ذلك قلت – لأنني أعجبت بالمرأة أيّما إعجاب – فليكن، فهذا لن يمنع أن تكون لها بطن رجراجة مثل عجين الحنطة، ولن يمنع أن يكون لها فخذان من مرمر، ونهدان ينبت على حوافيهما الزغب الخفيف مثل الأعشاب في أول تفتحها، وقلت فلأجرب حظي معها، ثم قلت لنفسي: كن يا هذا حذراً في القضايا التي تمس الصالح العام، فلا تثرثر ولا تتفضفض، وفي ما عدا ذلك فلك أن تخوض معها كما تشاء في بحر الكلام.
نجلس في الركن القصي من مقصف النبيذ في البلد الذي يقدس الملكية الخاصة أيّما تقديس، تفصل بيننا مائدة صغيرة وشمعة وطعام. أنا أشرب من كأسي في حذر، وهي توغل في الأكل، حتى اعتقدت أن جهازها السري يعاني من فقر الموارد، فكدت أسألها عن الأمر لولا أنني خشيت إغضابها، ثم من قال إنها ستعترف لي بحقيقة انتسابها إلى الجهاز، فكففت عن السؤال، وقلت أنتظر إلى الوقت الذي تستدرجني فيه للحديث عما يمسّ الصالح العام، آنذاك أكاشفها بما يعتمل في صدري من وساوس، وأقول لها قد عرفتك يا فاجرة.
أسترسل في هلوساتي الداخلية والمرأة ترمقني بين الحين والآخر، ثم تبتسم دون مغالاة، أتأمل لون القهوة في عينيها، وأعلن أمام نفسي أنهم أفسدوا كل شيء، لأنه لا يصح تلويث امرأة لها مثل هذا القوام، ولا يصح إجبارها تحت ضغط اللقمة على إيذاء الناس، وأقول لنفسي ما أشهى هذه المرأة، فقط، لو أنني استطيع التأكد من أنها لا تعمل في خدمة المخابرات.
أشرب من كأسي في حذر مضاعف، تلاحظ المرأة ذلك وهي تمسح شفتيها، تسألني في تلقائية لذيذة: هل تخاف من شيء ما؟ فأقول وأنا أخفي هواجسي: لا، وأدعوها للتدليل على ذلك إلى الرقص في الحلبة الفسيحة وسط لجة الخلق واصطخاب اللحم وتأود السيقان. نرقص وقتاً ثم نمضي في الطريق إلى حيث بيت المرأة التي لم تتكلم فيما بعد إلا قليلاً، ولم تسألني أي سؤال، ثم لم تشأ أن تدخلني بيتها، خوفاً من الأجهزة التي تعتقد المرأة جازمة، أنها تختفي وراء الجدران.
________
*روائي وقاص فلسطيني.
من مجموعته “صمت النوافذ”/قصص قصيرة جداً/ منشورات الأهالي/ دمشق/ 1991