“عظمة على عظمة يا ست”

“عظمة على عظمة يا ست”

حسن مدن

مَن منا، نحن محبي أغنيات السيدة أم كلثوم حين نسمعها من حفلاتها المسجلة التي تبثها أكثر من محطة تلفزيونية «كل ليلة وكل يوم»، لم تدو في أذنيه كلمات ذلك المشجع المأخوذ بأم كلثوم وأغانيها، والذي لا يعرف أحد ما اسمه ولا هيئته وهو يهتف بصوت عالٍ من وسط القاعة المكتظة بالجمهور الأنيق: «عظمة على عظمة يا ست»، في لحظة تكون «الست» فيها في ذروة سلطنتها على المسرح وهي تؤدي هذا المقطع أو ذاك من أغانيها التي نحب. ليست «الست» وحدها في حال «سلطنة» في مثل تلك اللحظات إنما كل من في القاعة.

قبل يومين شاهدت صوراً مختارة لجمهور أم كلثوم على أحد حسابات «إنستجرام» لوجوه رجال ونساء كانوا حضوراً في حفلات أم كلثوم، وتركز الكاميرا على تعابير وجوه هؤلاء ونظرات عيونهم، وهي تعابير ونظرات يلزم لقراءتها مهتم بقراءة ما يعرف بلغة الجسد، فهنا الدهشة والمتعة والفرح والحماس والصمت المتأمل والشجن وكل ما له صلة بالمشاعر المختلفة، كيف لا وكلمات أغاني «الست» وأداؤها يوقظان في النفوس كل الكامن فيها من أحاسيس.

ليست تعابير الجمهور وحدها ما يسترعي الانتباه، إنما تعابير وجه أم كلثوم نفسها، وحركة يديها وهي تلوح بالمنديل الشهير في إحدى اليدين، وفي تقرير صحفي قرأت أن مصوراً فرنسياً شهيراً اسمه جان كلود دويتش نجح في رصد انفعالات أم كلثوم وهي تغني على مسرح الأولمبياد في باريس عام 1967، أغنيتيها «الأطلال» و«أمل حياتي»، فكانت مزيجاً من الانفعالات المختلفة، تماماً كما هي انفعالات جمهورها، ولم تنشر هذه الصور إلا قبل سنوات.

حين نتحدث عن أناقة ورقي جمهور حفلات أم كلثوم تحضر في الذهن لوحات لصديقنا الفنان التشكيلي المصري المبدع مصطفى رحمة الشغوف بإبراز أشكال ملامح وتعابير وجوه وهندام ذلك الجمهور من الرجال والنساء، علامة على زمن جميل فقدناه، كنا فيه أقرب إلى الحداثة والتقدّم.

ووجدت أن أفضل شرح نقدّمه لذلك هو ما جاء في تقرير نشرته صحيفة «المصري اليوم» في أحد أعدادها بأكتوبر/ تشرين أول 2015، وكتبه أحمد مجاهد، وفيه قال عن هذا الجمهور: «حتى هيئتهم كانت مميزة، ما بين فساتين مزركشة، وتسريحات شعر مهندمة، وبزّات رسمية.. كانت أناقتهم توازي أناقة حفلٍ ساهر تحييه سيدة بقامة كبيرة، ترتدي أجمل فساتينها، وتختار أعذب الكلمات والألحان لتغنيها».

  • عن الخليج

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *