ميادة الحناوي في بعلبك.. عظمة على عظمة


*عناية جابر

إطلالة الفنانة ميادة الحناوي (21 آب/ أغسطس) في «مهرجانات بعلبك»، سوف تأتي جسراً لعبور عشّاق الغناء العربي في لبنان والبلاد العربية المكتوين بنيران الحروب، الى رحاب الصوت الشجي والحب في سويعات من السكينة العاطفية المغلّفة بالصدق والإحساس.

ميّادة الحناوي (1959 ــ مواليد حلب) الملقّبة بمطربة الجيل، يتفق كثيرون على أنّها آخر عمالقة الغناء العربي وربيبته بحسب التصنيفات الفنية التي أطلقت عليها. صغيرة بدأت الغناء. يومها، لم تلق اهتماماً يُذكر، إلى أن سمعها الموسيقار محمد عبد الوهاب في إحدى سهراته في بلودان السورية حيث كان يصطاف. أبدى إعجابه الفوري بصوتها محاولاً اصطحابها الى مصر بهدف الانطلاق الفني والشهرة. غير أن الحناوي رفضت الفكرة كون الغناء بالنسبة إليها لم يتعد حينها الهواية والقضية المزاجية والشخصية التي لا ترتبط بأجندات زمنية.
بعد وفاة زوجها، ذهبت حناوي الى مصر بمرافقة أخيها عثمان الحناوي. أقامت في القاهرة على مدى ما يقرب عامين، تعاونت فيها مع عبد الوهاب الذي حضّر لانطلاقتها الفنية في القاهرة مصاحبة بفرقة «الفجر» بقيادة المايسترو أمين الخياط ومنتج أعمالها محسن جابر. تعاملت الحناوي مع كبار الملحنين أمثال الكبير محمد الموجي الذي قدّم لها أولى أغنياتها، ما أغضب عبد الوهاب وجعله يتراجع عن أغنيته لها «في يوم وليلة» فغنتها المطربة الكبيرة الراحلة وردة. تعاونت الحناوي مع بليغ حمدي الذي قدّم لها أشهر أغنياتها كـ «أنا بعشقك»، و»الحب اللي كان»، و»أنا أعمل ايه» و»سيدي أنا». كما غنّت من ألحان محمد سلطان وحلمي بكر فيما أهداها فاروق سلامة «نعمة النسيان» التي لاقت رواجاً جماهيرياً واسعاً. يومها، كتب رئيس تحرير مجلة «الموعد» محمد بديع سربيه بأنها حققّت في ثلاث سنوات ما حققته المطربة الراحلة وردة في ثلاثين سنة.
اعتكفت حناوي وغابت فترة تجاوزت السنوات التسع عن مسرح الغناء، ما عدا بعض الأغنيات الوطنية، لتعود وتُصدر جديدها في كاسيت ضمّ أغنيات عدة منها «عيني» (تلحين الجزائري نّبلي فاضل). تنحو حناوي في جديدها إلى الأغنيات القصيرة نسبياً مثل أغنية «غيّرت حياتي» (لحنّها لها الموسيقار سامي الحفناوي). كذلك في سعيها الى الأغنية القصيرة، تعاملت الفنانة مع مجموعة من الملحنين الشباب يومها منهم صلاح الشرنوبي في «أنا مخلصالك» و»مهما يحاولوا يطفوا الشمس».
ميادة الحناوي واحدة من كبيرات التجربة الغنائية العربية الحديثة من خلال تأصيل التجربة القديمة في خيارات تلوينية قائمة على معايير الإيغال في التطريب والسلطنة من دون استعراض مجاني شكلي، وبالارتجال على المدونات الرئيسية للأغنيات في مراوحة لا تفارق التأليفات الأساسية. في غنائها ذلك النوع من «التحليات» وهي مهارة تُحسب للأصوات المتمكنة لأنّها تستلزم المكنة والدربة في الصوت، والحنكة التي تتمتع بها بعض الأصوات النادرة كصوت أم كلثوم التي استلهمت منها الحناوي، الانضباط العالي والتعامل الواعي والمباشر مع الأوركسترا المرافقة.
في مساحات الأصوات، تتمتّع الحناوي بحنجرة نسائية بالغة الأهمية في اتساعها وتلاوينها وقوتها، وتتشابه هنا مع حنجرتي وردة وعليّة التونسية. الكتابة في فنية الحناوي لا تكتمل بغير ردّها الى نشأة المطربة وبيئتها الحلبية التي أشبعت حساسيتها الغنائية والموسيقية بالكلاسيكية العربية، فيما تعمل حناوي حالياً على تجديدية لا تساوم على الأصل بقدر ما تلوّنه وتضيف عليه في اغنياتها القصيرة الجديدة.
في حديث قصير مع «الأخبار»، ترى الحناوي في أولويات مشاركتها في «بعلبك» الفعل الذي يُمليه الشوق الى الجمهور اللبناني، خصوصاً أنّ زمناً لا بأس فيه حال دون لقاء الجمهور الذي يُحبها وتُحبّهُ. وتصف «مهرجانات بعلبك» بأنّها «الصرح الكبير ذو التاريخ والعراقة والصيت، وهو الذي شهد وقوف كبار الفنانين والفنانات العرب والأجانب على أدراجه وبين هياكله. وتؤّرخ هذه الوقفات العزّ الكبير للمهرجان وللزمن الماضي ولناس ذلك الزمن، حين كان الفن لا الحرب، عزّهم وتعبيرهم عن حضارتهم ورقيّهم. مشاركتي في «بعلبك» هي دعم للفرح والمحبة والتآخي والألفة، وهذه المشاركة تحديداً تعني لي الكثير».
عن برنامجها الغنائي لأمسيتها في بعلبك، ستقدم الحناوي من ريبرتوارها القديم، أي الأغاني التي سكنت قلوب الناس، موضحةً: «لا أريد تقديم الجديد في المهرجان، بل ما درج الجمهور على سماعه وحفظه مثل «أنا بعشقك» و»الحب اللي كان»، و»نعمة النسيان»، و»أنا مخلصالك»، و»مهما يحاولوا يطفوا الشمس»، و»ساعة زمن» الى سواها من ألحان السنباطي، فاروق سلامة ، بليغ حمدي، صلاح الشرنوبي». ويرافق المطربة المايسترو اللبناني إيلي العليا الذي سبق أن رافقها وتعامل معها، كما ستصاحبها فرقة مؤلفة من 24 عازفاً على آلاتهم الموسيقية العربية.
عن نتاجها الجديد المقتصر حالياً على الأغنية القصيرة، تقول الحناوي: «هي بهدف مواكبة العصر ومواكبة الجيل الجديد، ذلك أن المستمع حالياً يأنف من الأغنية الطويلة ويميل أكثر الى الأغنية السريعة».
______
*الأخبار

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *