(ثقافات)
فهم الإنسان سبيلا إلى فهم الدّين
قراءة في مشروع عبد الجبّار الرّفاعي
د. إيمان مخينيني[1]
على سبيل المدخل:
يبدو عنوان ندوة الدكتور عبد الجبّار الرّفاعيّ “الدّين: حياة في أفق المعنى”[2] لافتا، جذّابا لسببين على الأقلّ. لكونه يلفت الانتباه إلى مستويين في المعنى، أوّلهما وجوديّ، وجدانيّ يربط الدّين بالحياة الإنسانيّة في أعمق أبعادها. وثانيهما معرفيّ – تفكّريّ، يتقوّم بالرّبط بين الدّين والمعنى، فيؤسّس لعلاقة بين العقديّ والمعرفيّ.
والمطّلع على كتابات الرّفاعي يدرك أنّه يبني رؤيته الإسلاميّة التّجديديّة على هذين المقوّمين الرّئيسين، اللذين ترتكز عليهما جلّ المبادئ الفرعيّة. وقبل أن ننظر في الإجابات التي قدّمها وأسّس عليها مشروعه الفكريّ في إصداراته العديدة، وآخرها خماسيّته التي نحن بصددها:
-
1. الدّين والنّزعة الإنسانيّة.
-
الدّين والظّمأ الأنطولوجيّ.
-
الديّن والاغتراب الميتافيزيقيّ.
-
الدّين والكرامة الإنسانيّة.
-
مقدّمة في علم الكلام الجديد.
يعنينا أن نتفكّر في الأسئلة التي طرحها أوّلا. من جهة كون السّؤال يمثّل أولى خطواتنا التّأويليّة في اتّجاه المعنى. فسؤالنا حينئذ: عمّ تساءل عبد الجبّار الرّفاعي في سياق تجربته الفكريّة والرّوحيّة وفي إطار بحثه عن المعنى الدّينيّ وعلاقته بالمعنى الإنسانيّ؟
من خلال مراكز الاهتمام التي ضمّنها كتبه ومنشوراته، كان سؤال الإنسان في فكر عبد الجبّار الرفاعي هو السّؤال المركزيّ الذي تدور في مداره كامل الأسئلة، وتطوف حوله كلّ المباحث والمشاغل.
فقبل السؤال عن الدّين ومقتضياته ومشروطيّة الانتماء إليه، لا بدّ من فهم حقيقة الوجود الإنسانيّ. حيث أنّ الدّين لا يتقوّم إلا بالإنسان. ولا يتعرّف الإنسان إلى الدّين إلا بمعرفة نفسَه أوّلا.
هذا السّؤال المركزيّ عن الإنسان، تتفرّع عنه أسئلة تفصيليّة تختصّ بالبعد النّفسيّ والبعد الرّوحيّ بما هما بعدان داخليّان في وجوده، تنتج عنهما الأبعاد الوجوديّة الأخرى على المستوى الاجتماعيّ والثّقافيّ والسّياسيّ وغيرها. ويتفرّع عن سؤال من نحن؟ ومن أنا؟ أسئلة من قبيل ما الحياة؟ ما الموت؟ أيّة رحلة وجوديّة تربط بين البدايات والنّهايات؟ أيّ سبيل للخلاص؟….
هذه المشاغل غير منفصلة عن بعضها البعض، بل هي تحتكم إلى تواصل وتواشج وثيقيّن، وتتقوّم بعلاقة التّأثير والتّأثّر. ذلك ما نقف عليه في طرح الرّفاعي ونجد عليه أدلّة ثابتة في مؤلّفاته.
ذلك أنّ مساءلاته عن الإنسان وعن حقيقة وجوده في الكون، وعن علاقة ذلك بوعيه بذاته وبالآخر وبصيرورته التّاريخيّة، جعلته يخصّص أقساما كبرى من كتاباته – وخاصّة في مؤلّفه “الدّين والظّمأ الأنطولوجيّ”- للإصغاء إلى صوت ذاته العميقة وهي تتحدّث إليه.
يمكن انطلاقا من هذا المدخل أن نوجّه اهتمامنا إلى نقطتين أساسيّتين:
-
I. ماهية الإنسان ، ماهية الدّين: أيّة علاقة؟
1- من هو الإنسان؟ [من الماهية الموهومة إلى الماهية المطلوبة]
1-1 الماهية الموهومة
1-2 الماهية المطلوبة
2- ماهية الدّين: نحو تصحيح المسارين المفهوميّ والعمليّ
2-1 الماهية المحرّفة
2-2 الماهية المنشودة
-
II. “السّؤال اللاّهوتيّ الجديد” ومساراته الممكنة
1- المسار القلبيّ – الوجدانيّ – الحيويّ وآفاقه
2- المسار الفكري – المعرفيّ
3- المسار التّفعيليّ – الواقعيّ
-
I. ماهية الإنسان ، ماهية الدّين: أيّة علاقة؟
يؤكّد الرّفاعي في غير موضع من كتاباته أنّه لا وجود لدين جامد – جاهز يقدَّم في شكل قواعد متكلّسة، ثابتة. وأنّه لا وجود لماهية واحدة تختزل التّنوّع الإنسانيّ في وحدة صامتة مصمتة. التّنوّع الإنسانيّ الذي قوامه تعدّد البيئات الحاضنة لطفولة كلّ إنسان والذي يتأسّس على كثرة التّجارب وتعدّد الثّقافات، يحتّم على من يتجشّم مسؤوليّة التّعريف بالإنسان عامّة أن ينطلق من تجربته المخصوصة، ويتتبّع تفاصيلها، ويتملّى دقائقها، ويلج أغوارها بصبر شديد وجرأة كبرى على مواجهة آلامها الدّفينة، ورغباتها الخفيّة، وهواجسها الكامنة. وذلك ما تجرّأ عليه الرّفاعي في إطار ما يعرف بـ “كتابة الذات”.
-
من هو الإنسان؟ [بؤرة الأسئلة]
“لكي تعرف من أنت، عليك أن تعرف ما لست أنت” [حكمة شرقيّة]
(على سبيل التّصدير)
1-1 الماهية الموهومة:
يرفض الرّفاعي في التّعريف بالذات الإنسانيّة أمورا عدّة أوكدها وأبرزها:
* التّنميط، بمعنى حصر الوجود الإنسانيّ في قوالب انتماء موروثة ومسقطة.
* نسيان الذات واغترابها عن ذاتها.
* تعريف الذات بملامح شخصيّة مستعارة – مقنّعة.
* تزييف الأنا واستتارها وراء أنماط مجتمعيّة سائدة ومكبّلة.
* تنزيه الذات وتجريدها من تناقضاتها (إقصاء ثنائيّة الخير والشّرّ).
* تقزيم الذات ورفض تناقضاتها.
* اختزال الإنسان في الذات الاستهلاكيّة – التّملّكيّة.
* اختزال التّنوّع الإنسانيّ في مفهوم تبسيطيّ – سطحيّ.
* تعنيف الذات (استحضار التّجربة التّعليميّة التّربويّة الأليمة في طفولة الرّفاعي، ويحيلنا على هذه المعاني تحديدا كتابه “الدّين والظّمأ الأنطولوجيّ”).
* إقصاء قيمة الكرامة في التّعريف بماهية الوجود الإنسانيّ.
* الاستعباد والاستكانة، وذلك في شكليها:”العبوديّة المقنّعة الطّوعيّة” و”العبوديّة المسلّطة – المفروضة”.
* ذوبان هويّة الذات الفرديّة في الذات الجمعيّة. وانمحاء فردانيّتها لتكون جزءا من نظام كلّيّ يلتهم وجودها ويفرغه من ذاتيّته ليحتكره. (مثال الذات الجمعيّة الطقوسيّة – الذات الجمعيّة الاجتماعيّة، السّياسيّة…)
1-2 الماهية المطلوبة:
“إنَّ الإنسانَ أشْكَلَ عليهِ الإنسانُ” [أبو حيان التّوحيديّ]
“من أهمّ الاكتشافات التي يكتشفها الإنسان في حياته هو اكتشافه لعجزه عن فهم نفسه” [عبد الجبّار الرّفاعي، الدّين والكرامة الإنسانيّة، ص70].
هدف الإنسان الأكبر “أن يخلِّدَ الحياةَ ويميتَ الموتَ” [الدّين والنّزعة الإنسانيّة، ص58.]
(على سبيل التّصدير)
في مقابل التّعريف المزيّف للذّات، يعرّف الرّفاعي الذات الإنسانيّة بكونها:
1- الذات المتسائلة عن ذاتها، المتعطّشة لحقيقتها.
2- الذات المعترفة بالاختلاف مع الآخر وبصيرورة حالاتها الوجوديّة (احتضان تناقضاتها، “الطبيعة الإنسانية ملتقى الأضداد”، الدّين والكرامة الإنسانيّة، ص69.)
3- الذات اللاّنمطيّة – اللاّمتكلّسة: الحركيّة، الحيويّة “حياتي عبور متواصل” (الدّين والظّمأ الأنطولوجيّ، ص122).
4- الذات المقرّة بأخطائها والمتطوّرة بواسطتها (“أولد كلّ يوم عبر أخطائي”، الدّين والظّمأ الأنطولوجيّ، ص95).
5- الذات الغافرة لزلاّتها، الرّحيمة بذاتها، إذ أنّه لا يمكن أن يغفر الإنسان للآخر ما لم يغفر لذاته عثراتها.
6- الذات المتحرّرة من أشكال عبوديّاتها، الفارضة لكرامتها.
7- الذات الواعية بغربتها، والباحثة عن الألفة في الوجود في تصالحها مع المآزق الوجوديّة، وأبرزها “الموت”.
8- الذات الواعية بحقيقتها المركّبة. “الإنسان كائن مركّب غامض (…) والطّبيعة الإنسانيّة عميقة مركّبة متضادّة” [الدّين والكرامة الإنسانيّة، ص71.]. ويستدلّ الرّفاعيّ على صعوبة ضبط الطّبيعة البشريّة بقول ابن عربيّ: “لا شيء أوسع من حقيقة الإنسان، ولا شيء أضيق منها”.
ومن دلائل التّركيب، تداخل الأبعاد النّفسيّة والجسديّة والذّهنيّة والرّوحيّة فيما بينها، وتفاعلها في نسيج حياتيّ محبوك السّبك، بحيث لا استقلاليّة لبعد منها عن الآخر.
9- الذات المحبّة، المتّصلة بقيم الحبّ بما هي قيمة القيم.
10- الذات الجامعة بين الذّكاء الرّوحيّ والعاطفيّ والذّهنيّ. وهنا ننبّه إلى أهمّيّة اشتغال الرّفاعي على البعد الوجدانيّ في الإنسان، إذ يفرد في مؤلّفاته أقساما صريحة للطّرح النّفسيّ، من ذلك حديثه بدءا من ص80 من كتابه الدّين والكرامة الإنسانيّة، عن “علم النّفس الإيجابيّ”.
2- ماهية الدّين: نحو تصحيح المسارَين المفهوميّ والعمليّ
تصحيح المفهوم هو أوّل خطوات تصحيح التّجربة. فكلّ انزياح دلاليّ لا يؤدّي فقط إلى الخطإ النّظريّ المجرّد، بل كذلك إلى خطإ تفعيل ذلك المفهوم في التّجربة المعيشة.
-
الماهية المحرَّفة للدّين:
يرفض الرّفاعي أن يكون الدّين:
1- نظاما طقوسيّا مغلقا أصمّ وأخرس وغير تفاعليّ، منجزا ومكتملا وغير حيويّ.
2- مجموعة قواعد فوقيّة تتسلّط على الإنسان وفق منطق الأمر والنّهي، والثّواب والعقاب والتّرغيب والتّرهيب… هذا الفهم الأرثوذوكسيّ الذي تبنّته المؤسّسات الإسلاميّة الرسميّة قديما وحديثا، سواء في الوسط السّنيّ أو الشّيعيّ، هو أكبر مشوّه لماهية الدّين. وربط الإنسان به على وفق منطق الواجب، الإكراه، الخوف، الطّمع… يكشف عن تركيزٍ على الجانب الظّلاميّ في الإنسان لا على البعد النّورانيّ فيه. وفي هذا السّياق ينتقد المؤلّف بشدّة كلّ تشكّلات الصّياغة السّلفيّة للدّين عند كل المذاهب، القائمة على إقصاء الآخر لا فقط فكريّا بل كذلك جسديّا.
-
رفض أدلجة الدّين والاستحواذ عليه عمليّا. اعتماد الدّين أداة إيديولوجيّة سياسيّة واجتماعيّة يتضادّ مع ما أسماه الرّفاعي “العقلانيّة الدّينيّة”. إذ الغاية من الأدلجة الهيمنة على عقول الأتباع ووجدانهم.
-
رفض الانتماء الشّكلانيّ المفرغ من جوهرانيّته.
-
رفض اعتماد الدّين ذريعة لتدمير نفسيّة الإنسان والهيمنة عليه وتوجيه رغباته وإثارة هواجسه.
-
رفض الاستحواذ التّأويليّ والرّمزي على الدّين باسم التّخصّص المعرفيّ الأكاديميّ (المشيخة، كلّيّات الشّريعة، معاهد التعليم الديني التقليدية…).
-
رفض تحصيل التّجربة الدّينيّة عبر التّلقين والتّكرار السّلبيّ في غياب تامّ لكلّ إبداع.
-
رفض كلّ أشكال الدّين الشّعبويّ – المرضيّ – الشكّليّ – الاستهلاكيّ – التّكفيريّ – الإقصائيّ – العدواني – الحسيّ المباشر…
-
رفض النّقد العلمانيّ الدّحضي المناهض لحضور الدّينيّ في الحياة العامّة. هذا الموقف لا يقلّ تطرّفا عن الموقف السّلفيّ للدّين. فهو أشبه ما يكون بالسّلفية العلمانيّة التّقدّميّة على غرار السّلفيّة الرّجعيّة الماضويّة. فهما وجهان لعملة واحدة وإن بدا عليهما الاختلاف والتّعارض.
2-2 ماهية الدّين المنشودة:
يتمحور مفهوم الرّفاعي للدّين حول النّقاط التّالية:
-
الدّين الحيويّ:
“الدّين حياة”: إشادة الرّفاعي بالبعد الحياتيّ المعيشيّ المتخلّل لكلّ تفاصيل التّجربة الإنسانيّة يستبطن موقفا نقديّا ممّن يعزل فعل التديّن عن فعل الحياة ويقضي بحصر وجوده في دور العبادة المغلقة.
-
الدّين الرّمزيّ:
يعدّ عبد الجبّار ألا وجودَ لاعتباطيّة في العلامة الدّينيّة. فكلّ حركات الإنسان وكلّ سكناته الوجوديّة، لها دلالة روحيّة عميقة. وفي ضوء ذلك يكون التّديّن الحقيقيّ حركة وعي بهذه الحقيقة الرّوحيّة، وتفعيلا لذلك الوعي في المعيش اللّحظيّ.
إنّ إضفاء البعد الرّمزيّ لا يعني التّجريد والتّعالي ومفارقة الواقع، بل هو عين التّجذّر في الواقع الرّمزيّ للإنسان بما هو “كائن استثنائيّ” – رمزيّ، على حدّ تعبيره. على نحو تلازميّ، يعدّ عبد الجبّار تفريطَ الإنسان في بعده الرّمزيّ تفريطا في الحقيقة الرّمزيّة للدّين وعكس ذلك صحيح.
-
الدّين اللاّمركزيّ:
المقصود من توصيف الدّين بكونه لامركزيّا أنّه يراد له أن يكون تشاركيّا – تفاعليّا، غير محتكَر من المؤسّسات الرّسميّة، ولا ممّن يدّعون التّخصّص فيه. الدّعوة إلى اللاّتمركز الدّينيّ إذن، لا تعني فقط رفض التّمركز من خارج الذات، بل كذلك التّمركز من داخل الذات المتديّنة، حتّى لا تتوهّم حيازتها للحقيقة الإلهيّة واحتكارها لها.
-
الدّين التّحرّريّ:
يقصد به الرفاعي رفض الانتماء الاستعباديّ الإكراهي. فالدّين إن لم يقد إلى تحرير الإنسان من عبوديّة الأشياء والأشخاص والأحداث، “لا يعوّل عليه” بعبارة ابن عربيّ.
-
الدّين القيميّ:
نفهم من كتابات الرّفاعيّ أنّه يميّز بين الدّين المشاعريّ الحيّ، والدين الشّعائريّ الميكانيكيّ/الآليّ.
-
الدّين التّوسّعيّ، التّطوّري:
نفيد من هذا التّوصيف أنّ معاني الدّين ليست محصورة في فهم واحد، وليست حكرا على شخص دون آخر، ولا على زمن دون آخر.
ونفهم التّوسّع هنا حينئذٍ على نحو بينيّ: بيزمانيّ، تطوّري (عبر التّجربة التّاريخيّة الممتدّة) وتذاوتيّ/بيذاتيّ (بين الذّوات المسهِمة في تشكيل معناه).
من البداهة بعد عرض كلّ من ماهيتَيْ الإنسان والدّين، أن يكون السّؤال الأساسيّ الذي ينبغي طرحه هو التّالي: ما الذي يجمع بين ماهية الإنسان وماهية الدّين عند الرّفاعي؟
قد نجد بعض إجابة في قوله: “من لا يعرف نفسه، لا يعرف الله”، وفي تركيزه على فكرة “الإنسانيّة الإيمانيّة”، وفي عدد غير قليل من عناوين كتبه منها “الدّين والكرامة الإنسانيّة” “الديّن والنّزعة الإنسانيّة”، “الدّين والظّمأ الأنطولوجيّ” إذ البعد الأنطولوجيّ لا يكون إلا إنسانيّا…
إنّ ملخّص مفهوم الرّفاعي لماهيتي الإنسان والدّين كما يرتضيهما وينظّر لهما نقرؤه في قوله: “الطريق إلى الله يمرّ عبر الإنسان”.
-
II. السّؤال اللّاهوتيّ الجديد ومساراته الممكنة
1- المسار الوجدانيّ – الحيويّ
يقول الرّفاعي “الدّين كائن حيّ”، إذ لا يمكن الحديث عن تجديد دين “ميّت”. فالتّجديد لا يكون إلا في كنف الحياة. والحياة التي يفعّلها الإنسان في عمق ماهيته تنعكس على الدّين لا بما هو مجموع قواعد جامدة، بل بما هو “كائن” يشاركنا الوجود. وهو ما يقتضي إخراج الدّين من القراءات النّمطيّة المسيّجة إلى فضاءات المعنى المعيش المتحرّك دائما.
إنّ البحث في مسارات القلب الذي هو “الطّريق” [كما يعبّر الرفاعي عن ذلك في كتاب الدّين والكرامة الإنسانيّة] يستتبع أن تكون العلاقة بالدّين قلبيّة – ذوقيّة. وهو ما يجعلنا نقف على حضور المعنى العرفاني بقوّة وكثافة في نصّ الرّفاعي. ومن منطلق ذلك يكون المسار الوجدانيّ طريقا نحو “دين العشق”، وتخارجا من مجرّد “دين الفرض والواجب” إلى بعد جماليّ فنّيّ في الدّين.
هذا المسار يتفعّل فيه البحث في أغوار النّفس البشريّة، وفي سبل تحرّرها من برمجيّات المجتمع والنّظم الفوقيّة المتسلّطة عليها، والتي تجعلها تعكس هذه النّظرة الضّيّقة على فهمها للدّين ذاته. ذلك أنّ الدّين يتلوّن “بالوعاء الذي يحلّ فيه”، كما ورد في كتاب “الدّين والظّمأ الأنطولوجيّ”.
كما أنّ هذا المسار من شأنه أن ييسّر الانسجام مع الحركة السّيّالة للأفكار والانطباعات. ويدحض الجهل بالطّبيعة الإنسانيّة المعرقل لكلّ تجربة إصلاح في الوعي الدّينيّ.
يمكن أن نخلص من كلّ ذلك إلى أطروحة الرّفاعي الرّئيسيّة فيما يخصّ المسار الوجدانيّ مسلكا للتّجديد الدّينيّ عبر تجميع عناوين مؤلّفاته التي يشعّ فيها جميعِها الجانب الإنسانيّ وينعكس بوضوح على الأفكار المضمَّنة في متونها. فالتّديّن إرواء للظّمإ الأنطولوجيّ إلى المقدّس، وفكّ للاغتراب الميتافيزيقيّ للإنسان في هذا العالّم، واستئناف لنزعته الإنسانيّة المولّدة بالضّرورة لكرامته، والسّاعية في طلبها بإلحاح.
-
المسار الفكريّ – المعرفيّ: