في فهم الغياب!


*مرزوق الحلبي

( ثقافات )

(في الذكرى الثانية لرحيل والدي اسعيد نجيب اسعيد الحلبي) 
مرزوق الحلبي
سنتان ناقصتان فاقدتان للمعنى
جالستان في الظلّ كلاجئتينِ
فأنت لست هنا
لتكتب الوقتَ، 
وتضبطه تماما
وتردّه من منتهاه
إلى ما كانه في مُبتداه 
يا سيّد الوقتِ، والبيتِ
الوقت من سنيتن ليس هو!
أوراقك البيضاء بيضاء
تنتظر الحروفَ وتنتظركْ
هو السؤال عن الحضور،
هو السؤال عن الغياب.
فقط، الكتابُ منقبض هناك
لم تكتمل دورةُ الكشفِ فيه
ولم تصل الرسائل
هي الأقلام، 
تمدّ إليكَ أعناقَها
تهدي الأصابع حبرها ودواتها
نسألها وتسألنا
ونربكها وتُربكنا
فأنت، من سنتين، لستَ هنا
لكن ابتسامتك هناك
حاضرة وسط هذا الغياب.
وهدوؤك النسبيُّ
منتشر وممتدّ كغيمة في المساء
وأغراض الكتابةِ، هناك
مُصغية لخطى مألوفة الوقعِ
تذكرنا بخطك الفارسيِ المنساب على سجيته،
سجيّتك،
تذكرنا، 
بصوتِك العذبِ
بأسئلة وأجوبة عن “الشخصي” و”اليومي” و”القومي” 
عمّا يقول الطيرُ للطيرِ هذا الصباح
وعما تخبئه الإذاعات وراءَ الكلام
عن الحروب وعن السلام
نشتاقك،
نشتاق حكمتَك وحلمَك 
واعتدالك،
نشتاق قهوَتكَ.
نشتاق يدا تصافحنا وتملؤنا اغتباطا
نشتاق وجها طيّبا َيُدخلِ القلبَ في المدارِ
ويفتح لنا مسارب الكون،
يصير بسيطا،
يصير ودودا
يصير جميلا مثل محيّاك
لكن البيتَ شديد الغياب!
مصباحُك مطفأ
وساعة السلسةِ فقدت مؤشّرها
والنظارتان في العلبة المقفلة
والعمامة في الركن محزونة
والمقعد شاغر 
شاغر
في المكان هوة مفتوحة 
وفي الوقت جرف لا قرار له
يُضللنا الضيوف إذا حضروا
نخالك واقفا معهم ملءَ قامتك 
فنلمح غيابك بينهم.
الكلام المُنسابُ
لا يستر سنتين جالستين في الظلّ كلاجئتين.
سنتان ضائعتان،
فاقدتان للمعنى تماما
فأنت لست هنا كي تضبطَ الوقتَ
من سنتين، يأتي العيدُ وفي صُبحه نُدبةٌ
لها ظلّ في عناقِ الأحبّة
وفي الوجوهِ
لم يعد طيبا كما كان
ولا حميما بما يُرضي 
زفاف حفيدك يا أبي غير مكتمل
ولا فرح القلبِ كما ألفناه
ولا لقاؤنا اليومي 
يا أبي،
يأ أبي، 
غيابك شديد هنا
فهل أنت مستأنسُ هناك؟*
وهل سريرك مُريح؟
وعيشك هادئ؟
قل لي يا أبي!
هل يُضاحكك أحد هناك كما ضاجتنا هنا!
سنتان ضائعتان،
فاقدتان للمعنى تماما
فأنت لست هنا كي تضبطَ الوقتَ
وتُجيب على السؤال!
*إشارة للعقيدة الدرزية بالتقمص وانتقال الروح لحظة الموت إلى جسد آخر في مكان ما.
_______
*شاعر من فلسطين

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *