شيء عن أمجد ناصر

(ثقافات)

شيء عن أمجد ناصر

يحيى القيسي

أول مرة قابلت فيها أمجد كانت في تونس عام 1993 وكان حينها في زيارة ثقافية، وقد أخبرني الصديق الشاعر غسان زقطان أن أمجد في فندق كارلتون بشارع الحبيب بورقيبة فذهبت للتعرف عليه، وهناك سألت موظف الاستقبال عن وجود شخص باسم امجد ناصر فبحث طويلا وأخبرني بعدم وجوده، في النهاية أخبرته إن كان هناك أي أردني ينزل في الفندق فوجد جواز سفر يتيم وقال لي انه لشخص باسم يحيى عوض فلما شاهدت الصورة قلت له هذا ما أبحث عنه واستغربت من تبدل أسمه فلم أكن أعرف أنه باسم مستعار، وفعلا التقينا وصرنا أصدقاء نتواصل باستمرار، وكان يناديني أحياناً ” يا سميّي” لأنني احمل اسمه يحيى الذي كانت والدته وأهله ينادونه به باستمرار، وفي العام 1999 اقترحني مراسلا ثقافيا للقدس العربي من عمّان وبقيت كذلك حتى العام 2009 حيث اعتذرت من أمجد لسفري للعمل في الإمارات.
أنجزت عن أمجد فيلما بعنوان سندباد بري ضمن مشروع افلام سيرة مبدع ما بين عامي 2002-2004 حينما كانت عمان عاصمة للثقافة العربية وهذا الفيلم كما أخبرني أمجد أول فيلم يتم انجازه عنه أردنيا، وأسرّ لي ونحن نقوم بتصويره بأنه اشتغل فترة من الوقت في التلفزيون نفسه قبل ان يغادر إلى بيروت.
كان أمجد طيب القلب ومتحمّسا للحياة بطريقة استثنائية، وكان عاشقا للأردن وفلسطين ومتفاعلا مع القضايا العربية، ورغم عمله في القدس العربي لمدة ربع قرن مع عبد الباري عطوان إلا أنه كان يختلف معه في الكثير من الطروحات السياسية، ويرى أن عطوان يبدو عاطفيا وينحاز إلى الخطاب الشعبوي أحيانا على حساب التحليل السياسي الحقيقي الذي لا يجامل الشارع، وكان أمجد منشغلا بإدارة تحرير الجريدة وخصوصا الصفحات الثقافية فيها التي تعد من أبرز الصفحات عربيا ثم اضطر للانتقال من الصحيفة بعد أن باعها عطوان للعمل في موقع ثقافي الكتروني هو “ضفة ثالثة” وكان أمجد يحلم بتأسيس دار نشر عربية الكترونية لكن يبدو أنه لم يجد الوقت الكافي لها أو التمويل.
ذات مرة حينما كانت والدته مريضة بالسرطان في مستشفى الملكة علياء بعمان جاء من لندن لزيارتها وأذكر أنني ذهبت معه في إحدى الزيارات هناك وسلمت على والدته التي لم يمهلها المرض طويلا، وظل أمجد بعد رحيلها يتألم كثيرا، وكان يتحدث عنها باستمرار ويشعر أن الغربة قد أخذت منه الكثير ولم يستطع أن يكون قربها باستمرار، وفي العام 2001 كتب قصيدة يرثي بها المصور السعودي صالح العزاز الذي مات بالسرطان، وتساءل فيها: هل أنت متأكد أن الانسان يموت كما يموت أهله..؟ ويبدو أن أمجد الذي ظل مسكونا برحيل والدته بهذا المرض قد جذبه إليه أخيرا وأجاب على هذا التساؤل بعد نحو ثلاثين سنة من تلك القصيدة..!
رحل أمجد في 31 أكتوبر 2019 بعد مرضه بالسرطان ودفن في مدينته “المفرق” بعد حياة طويلة وحافلة في المنافي وآخرها لندن.
لروحه السلام
* روائي ورئيس تحرير موقع “ثقافات”

شاهد أيضاً

فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“

(ثقافات) فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“ بقلم: إدريس الواغيش في البَدْءِ كان جمال الطبيعة وخلق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *