شيء ما عن الوفاء الثقافي

*يوسف أبو لوز

في ذروة المشهد الثقافي الإماراتي، والتي يمكن معاينتها بكل مهنية في الشهور الأربعة الأولى عادة من كل عام، حيث نشهد تظاهرات سنوية منتظمة في الشعر والمسرح والكتابة بشكل عام.. أقول في مثل هذه الذروة الثقافية إن أمكن الوصف، من الوفاء الثقافي والأخلاقي أن نتذكر أسماء إبداعية إماراتية كان لها دور حيوي في بناء معمار العمل الثقافي المحلي وامتداداته الخليجية والعربية، وتحديداً منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي وأوائل تسعيناته، حيث شهد الواقع الثقافي الإماراتي صعوداً ملحوظاً يعرفه جيداً كل من واكب وعايش هذا الواقع، سواء أكان كاتباً أو مسرحياً أو تشكيلياً أو صحفياً ثقافياً.. وهؤلاء إضافة إلى أنهم صنّاع العمل الثقافي الإماراتي، هم أيضاً شهود عيان على مسارات وتحولات الحياة الثقافية، ومن حسن الحظ أنه تجمع بينهم إلى اليوم روح رفاقية أدبية إبداعية، ويحملون ذاكرة حية مشبعة بالحنين إلى ماضي تلك الأيام، سواء أكانوا من المبدعين الإماراتيين أو إخوتهم العرب المقيمين، وقد كان مفرحاً للروح وللقلب أن عرف كاتب هذه السطور قبل أيام من كاتب إماراتي من جيل الثمانينات أنه يعكف على وضع كتاب تكريمي للإخوة الكتّاب العرب المقيمين في الإمارات، وكان لهم دور ولايزال في تأثيث الحياة الثقافية بالعمل والكتابة وروح الصداقة. ومرة ثانية إن قيمة الوفاء والاحترام المتبادل بين كتّاب هذه الساحة النبيلة هي من ثوابتها ومن أخلاقياتها، ولذلك نشأت حالة ثقافية في الإمارات صحية ونظيفة وتسامحية، وهي صفات الروح الثقافية والاجتماعية الإماراتية، التي انعكست بالتالي في روح الكتابة والآداب والفنون المحلية.
في إطار الوفاء وفي إطار بيئة المحبة والسلوك الثقافي النبيل، وفي زمن الشعر المزدهر في الإمارات، وفي زمن المسرح والترجمة والفنون التشكيلية الراقية، نتذكر أسماء من مثل أحمد راشد ثاني، وجمعة الفيروز، وحسن شريف.. وهذه أمثلة تذكارية فحسب، فهناك الكثير من الرائعين الراحلين الذين يستحقون أن يضاء عليهم من جديد في إطار معرفي وثقافي، وفاءً لتاريخهم وتراثهم الثقافي الريادي التأسيسي.
في ظلال ما نشهده اليوم من فرح قلباني عميق بفن المسرح، نتذكر أحمد راشد ثاني المسرحي، فقد كان أحمد مكوناً أساسياً من نسيج المسرح الإماراتي، وإن لم يكتب كثيراً للمسرح، ولكن قيمة أحمد الثقافية المسرحية تظهر في أنه كتب عن المسرح بروح شاعر ومثقف معاصر. وقيمة أحمد العالية أنه كان صديقاً حميمياً للمسرحيين الإماراتيين والعرب، وقرأ في المسرح، وأحبه، و«نسّق» بين ثقافة المسرح في داخله وبين ثقافة الشعر، هو الذي بدأ تفعيلياً، ثم توجه إلى قصيدة النثر، وكتب الشعر الشعبي، وعرف البحث التراثي الشعبي.. وهذه هي أجنحة أحمد راشد ثاني الماثل بقوة في الذاكرة المسرحية، التي عادة ما تستعيده في كل تظاهرة من تظاهرات أيام الشارقة المسرحية.

دائماً تذكرنا الحيوية الثقافية والفنية والمسرحية في الإمارات بمن كانوا هم ضميرها ورموزها.. وسوف نتعلم من هذه البيئة المحتفية دائماً بالإبداع أن الفن هو الحياة والمحبة والصداقة والصدق.. وكل فنان مبدع صادق، فهو باقٍ في الذاكرة، وتراثه يذكّر به.. بل تراثه هو حياته المستعادة.
_______
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *