عضيب عضيبات

عن الشاعر “عضيبات” وقصيدته “بين البداية والبداية”

عن الشاعر “عضيبات” وقصيدته “بين البداية والبداية”

حلا سويدات*

فاز مساء الإثنين الرابع عشر من نوفمبر 2022 الشاعر الأردني عضيب عضيبات في مسابقة أمانة عمان الكبرى بالمركز الأول عن أفضل قصيدة عمودية،وهي (بين البداية والبداية)، وقد كان فوزًا مستحقًا ليس عن هذه القصيدة فقط، بل عن أسلوبٍ شعريّ مائز بسمة إبداعيّة خاصّة تستندُ إلى تشكيلٍ دلاليّ لا يفرغُ شكل القصيدة من الرؤية الخاصة التي ترسمها الذات الشاعرة، وتلحُّ في حكايتها ورسمها كأنّها أسئلة ناصبةٌ نفسَها بضربٍ من صخب، يطرحُ الدلالة بوصفها صوْغًا للمُحتمل في المعنى والمُشكل من الفَهم المُسبق للمقولات الفلسفية والفكرية السابقة عن لحظة الكتابةِ نفسها.

بين البداية والبداية، يتضح قطبا الزمن، لحظتان خالصتان من الامتلاء بالوجود، وبدء آخر، بمنتهى الوعي والإدراك للحظة الوعي الأولى، التي تتوج الذات العارفة/ الشاعرة لامتلاك حق السؤال، والمقاربة، والإفاضة باعتراكها الفكريّ والوجدانيّ، وربما هذا ما يضعه العنوان عليه، إلا أن المدلول الموزع في القصيدة برتابة الحفاظ على الثيمة التي تخاطب المؤنث الذي يحتمل تجنيس القصيدة والحبيبة والحياة، ماذا بكِ الآن؟ سؤال يدفع الشاعر للسردِ عن أثر فاعلية الآخر فيه، الآخر المؤنث، الذي سيضيء نفسه، ويتماثل مع لحظات الشاعر التي يمتحن فيها وجوده ككتابة القصيدة، فالأنثى/ الحياة، تكتبُ نفسَها مثل القصيدة تمامًا، فيشتبه الشاعر بها ويراقب الأثر ومضمار الحركة والفاعلية في جوٍّ قائم على ثنائية بارزة ترسمها الدوال الموزعة على الأبيات، تبدين راضية، دعيني، لكن، هل أنكر الشاعر نفسه وظلّ يراقب؟

تنتقل الدوال إلى إحقاق فاعلية الذات الشاعرة، بطلةُ نفسها ووجودها، المصدر الرئيس لخطاب الكينونة، فيأخذ من علٍّ قوّة الوصف، والتنقل بين المشاهد والصور الشعريّة، وتضمينها أنماطًا إدراكية ومعرفيّة عن الأشياء المجرّدة الحسيّة، وعن كل المشاعر الوجدانية التي تنظم ذاتها داخل ثيمة الدلالة الكبرى التي يستقي منها الشاعر سؤال الوجود الأوحد، كيف يثبتُ قدمَه تحت أرضه؟ وما إن انفجّت هذه الأرضُ وصارت فُتاتًا أيتحلل ويختفي؟ أم يُكمل حديثه وتوصياته للنار يا نار كوني على ما أنتِ كائنةٌ، ويبرهن لخوفه وقلقه أنّه ثابتٌ كالرّمح حتى في فضاء وهواء؟ لي في المطالعِ أمجادٌ لهوت بها، يتقوّس خوفه في عين السؤال، والآن تُنكرني في آخر السطرِ.

ليس شاعرًا كعضيب لا يحلُّ مسألة قلقه، دون أن يعيد الوقوف بارزًا ذاته ومعيدًا لها حيّز الفاعلية، وكأنه ثأر من المطلع المُستسلم للحياة، إنّي خيالُكِ، حُرٌّ، غيرَ أنَّ دمي/ جيشٌ أسيرٌ ومبسوطون في الأسْرِ، لكنّها قوة المُدرك لاستسلامه ولجماليّاته وتفاعلاته، وكأن يرقب أثر الشغف يسري في عروقه منتفضًا، فتكون ذاته مرجعًا ومدارًا تدور فيه الحبيبة/ القصيدةُ/ الحياة، بكلّ ملامح وجودها ولزومياتها.

لا نستطيع إغفال جمالية الصورة الفنيّة والمقاربات المجازية التي تعتمد على حكاية الصورة ضمن أفق الدلالة في قصيدة البداية والنهاية، مما يسّهل على المتلقي إدراك المعنى الكلي والخيط الخفي من القصدية الذي يرمي له الشاعر في تشكيلاته الفنية الكثيرة، وربما هذا ما يجعل القصيدة حُلّةً فنية لامعة ومائزة، أنها لا تنفك عن التفرد بعناصرها جميعها التي تخدمُ بعضها بعضًا. وفيما يلي نص القصيدة الفائزة:

ماذا بكِ الآنَ؟ قلبي منكِ كالنّهْرِ   غيّرْتِ مجراهُ حتّى فجَّ لي صدري

مثلَ القصيدةِ؛ خيرٌ حينَ أبدؤُها     لكنّ آخرَها لا يتقّي شرّي

تبدينَ راضيةً حينًا وساخطةً      حينًا فأشعرُ أنّي واحدٌ غيري

يا نارُ كُوني على ما أنتِ كائنةٌ    لكنْ دعيني على عهدي مع الجمرِ

لي في المطالعِ أمجادٌ لهوتُ بها    والآنَ تُنكرُني في آخر السطرِ

ماذا أقول؟ أخاف اليوم من لغتي    كما أخاف على أمسي من النثرِ!

لي نبضُ قلبكِ إيقاعًا وهدهدةً     كذلك الحبُّ إذ يُفضي إلى الشعرِ

عيناكِ لي منهما خمرٌ يُعاقرُني     كأنّني رشفةٌ في كأسِكِ الثرِّ

فكيف عاتبةٌ جدًّا على رَجُلٍ     سوَّتْهُ عيناكِ تمثالًا من الخمرِ

إنّي خيالُكِ، حُرٌّ، غيرَ أنَّ دمي      جيشٌ أسيرٌ ومبسوطون في الأسْرِ

ماذا أقولُ، وروحي غارقٌ، ويدي    تطفو لديكِ، وأحلامي على ظَهْري!

أقولُ: ألقي يقيني كي نعودَ معًا       بِشارتَينِ إلى كونٍ من القهْرِ

يا حيرتي فيكِ، يا خوفي عليكِ، ويا      جميعَ أمري إذا قدّرتِ لي أمري

ماذا بكِ الآن، والأيّام هاربةٌ      منّا ويشغلُنا التفكيرُ في العُذْرِ

إذا أجبتِ فهذا كلُّه قلقٌ        من اتهامي بما يجري ولا يجري

*كاتبة من الأردن

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *