حبُّ دمشقَ، هواي الأرقَّ!

(ثقافات)

حبُّ دمشقَ، هواي الأرقَّ!

هاني يارد

بعيدا عن السياسة وأدرانها، والربيع والخريف، والرياضة وهدفيّ المنتخب الأردني اللذين هزا شباك المنتخب السوري اليوم . . .

بعيدا عن السياسة وعقائدها وعقدها، وبعقالها أو بانفلاتها من العقال، بل وتفلتها من العقل أحيانا . . .

بعيدا عن كل هذه الأمور وسواها . . . أحب سوريا!

أحبها هكذا بفجاجة!

لكن ذلك لا يعنى أني أحبها ”خبط لزق“!

فسوريا في الوجدان، سوريا التي كانت يوما ”الشام“ . . . الشآم!

سوريا رحلة الصيف . . .

سوريا من الإسكندرون حتى معان . . .

سوريا التي كان ”فيصلها“ قبل قرن حجازي . . . وقبل نصف قرن كان حاكمها مصري.

منازل إربد العتيقة كانت شامية الطراز . . . قاع الديار وبركة . . .

عائلات إربد القديمة منها عائلات شامية كريمة . . .

فاللهجة الشامية الدمشقية كانت جزءا من لهجة إربد أو على الأقل ليست غريبة علينا قبل أن نسمعها من الإذاعة أو التلفزيون، فـ ”وينك لهلأ ابن عمي . . . غلي ألبي عليك“ و ”تشكل آسي“ سمعتها ”شخصي“ قبل أن أسمعها في مسلسل من التلفزيون العربي السوري . . . و“اوله إيه ولا ترد عليه“ . . .

عندما ابتاع والدي، رحمه الله، في منتصف ستينيات القرن الماضي جهاز التلفزيون كان ”التلفزيون العربي السوري“ أول ما شاهدناه، ببساطة لأن التلفزيون الأردني لم يكن قد تأسس بعد.

فشاهدنا ثقافة ليست بعيدة كثيرا عن ثقافتنا ”الإربدية“، فَجُلُّ متعلمي إربد درسوا في ”الشام“، بدءا من ”مكتب عنبر“ أيام الحكم العثماني، إلى جامعة دمشق . . .

من أخوالي، رحمهم الله، مَنْ تخرج في جامعة دمشق ربما منتصف الأربعينيات وكان رقمه 11 في نقابة أطباء الأسنان الأردنيين . . . بل هناك شباب عشائر إربدية وأردنية بكاملها يعود الفضل في تعليمها لدمشق، إما دراسة، انتظاما أو انتسابا، أو حتى لجوءا عندما تمت ملاحقة الحزبيين الأردنيين في خواتيم خمسينيات القرن الماضي، وقرى العبيدات وقلعتها ”كفر سوم“ تذكر ذلك ولا تنساه.

بل يذكر جلالة الملك حسين بن طلال، رحمه الله، في كتاب ”مهنتي كملك“ أنه سجل لدراسة الحقوق انتسابا في جامعة دمشق.

أحب دمشق لأنها كانت القريبة البعيدة لقضاء جزء من إجازة الصيف، أو لقضاء ساعات فيها قبل الوصول إلى بيروت أيام الطفولة قبل اشتعال حرب لبنان الأهلية منتصف السبعينيات.

في الصف السادس الابتدائي حفظنا ”محفوظات“ ”حماة الديار“ التي كانت مقررة في منهاج اللغة العربية الذي يدرسه جميع طلبة المملكة في كل المدارس الحكومية والخاصة، قبل أن تصبح الدولة القُطرية ديدنا وأسلوب حياة ونبشا في التراث المحلي.

عندما بدأت بحفظ القصيدة دهشت أن والدتي، رحمها الله، كانت تحفظها.

– هل كانت القصيدة مقررة في كتبكم وأنتم صغار؟

-كلا. خالك أديب كتبها لي ولخالاتك عندما كنا صغيرات، وشجعنا على حفظها عن ظهر غيب، فقد حفظها هو عندما كان يدرس في الشام.

سوريا علمتنا أن عرين العروبة بيت حرام وعرش الشموس حمى لا يضام. دون أن تذكر اسم كيان سياسي حديث واحد في ”حماة الديار“!

سوريا أتاحت لنا رؤية طائرات العدو تسقط محترقة لأول مرة في طفولتنا.

عندما بلغت أشدي وذهبت للعيش في كاليفورنيا قبل نحو ٣٠ عاما، كان لي بعض من أهالي ضيعة ”فيروزة“ في لوس أنجلوس القادمين من حمص أهل أو قل كالأهل.

الأردنيون والسوريون يتقاسمون الكثير؛ قاسمونا الماء من نهر اليرموك عندما عطشنا ذات صيف، وتقاسمنا الوطن بلجوء من العسف في وطنينا في فترات مختلفة . . .

لجأ إلى الكرك المناضل اليعربي سلطان باشا الأطرش ولجأ إلى سوريا كثير من أحرار الأردن . . . بل نتقاسم أهازيجنا ”شدو على الركايب . . . سوريا يا وطنا“، لا أحد يعلم من أتى بتلك الملحمة الشعبية.

دهشتُ وأنا في مقتبل العمر عندما بدأت بقراءة رواية الراحل حنا مينا “الثلج يأتي من النافذة“ أنها مهداة إلى الدكتور نبيه إرشيدات! قرابتنا!!

سواء سجلنا في مرمى المنتخب السوري هدفين أو ”ألف وستماية“ فأنا أحب سوريا.

وأنا أنشد ما تشدو به فيروز: ”أحب دمشق، هواي الأرق . . . أحب جوار بلادي . . . ”

  • مترجم وكاتب من الأردن يعيش في بريطانيا

(2021-08-09)

شاهد أيضاً

جماليّة الموت عند الشاعر المغربي مراد القادري: ديوان “و مْخَبّي تَحْت لسَانِي رِيحَة المُوتْ” نَموذجاً

(ثقافات) جمالية الموت عند الشاعر المغربي مراد القادري ديوان “و مْخَبّي تَحْت لسَانِي رِيحَة المُوتْ” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *