تصنيع الذّائقة: على هامش فوز أني إيرنو

تصنيع الذّائقة

على هامش فوز أني إيرنو

 

واسيني الأعرج

أتابع باهتمام منذ يومين فوز أنّي إيرنو بجائزة السوربون، والحفاوة التي استقبلت بها عربيا، أو عكسها، في غياب شبه كلي لقراءتها على الرغم من أن منشورات الجمل ترجمت لها عددا من الروايات. المشكلة ليست هنا ولكن في ردة الفعل السريعة التي لا تتأسس على أية قراءة مسبقة، فعلية وعلى فضول معرفي طبيعي في الإنسان، ولكنها قراءة صنّعها سلطان الفوز، أو لنقل فرضها. هناك من اعتبر آنّي إيرنو كاتبة “حدوتات سخيفة لا قيمة” ولا أعلم كيف اعتبار منجز ارتبط بالإنسان في مختلف تحولاته، أو في صراعه مع زمنه الصعب الذي كثيرا ما يفرض عليه فرضا. مرض الأم الذكية و النشيطة بالزهايمر وقراءة البنت للتدهور العقلي الذي يتم أمام عينيها في رواية “امرأة”،

أو مشكلة الإجهاض في “الخزائن الفارغة” وكذلك في رواية “الحدث”، أو مشكلة المرأة واللاعدالة بين الرجل والمرأة في المهام اليومية التي كثيرا ما تحبس المرأة وتقتلها وتسرق منها حقها في الاستمتاع بالوقة في رواية “امرأة متجمدة” التي أصبحت مرجعا مهما عند الحركة النسوية، في الستينيات. وهناك بالمقابل من اعتبرها مؤسسة ومجددة للسيرة الذاتية وسيدة الالتزام الحديث متناسيا أن التزامها ليس سياسيا ولكن الالتزام بالأقدار البشرية ومعضلاتها التي لا يمكن النفاذ منها. وبين هذا الرأي وذاك غير المؤسسن على معرفة دقيقة بالكاتبة، تضيع الحقيقة كليا. مع أننا نحتاج إلى زمن قد يطول وقد يقصر، لاستعاب هذه التجرية الإبداعية التي يقارب عمرها الكتابي نصف قرن.

مع أن هناك من يتساءل بسخرية: من أين خرجت هذه الكاتبة المجهولة؟؟؟ بمنطق مبطن: كل ما لا أعرفه فهو غير موجود. وكأن العيب دوما في الفائز أو في المؤسسة المانحة للجائزة. مع أن أنّي لم تنشر فقط كثيرا نسبيا، لكن حضورها الكتابي كبير في فرنسا والعالم، للعارفين والمتابعين على الأقل. أولا كونها نشرت أغلب أعمالها في دار غاليمار التي تعد أكبر دار فرنسية بلا منازع. دار صناعة الشهرة. ثم أن كل رواياتها منشورة في سلسلة الجيب الفرنسية “فوليو” واسعة الانتشار، إضافة إلى كون الاهتمام الأكاديمي الفرنسي صاحب منجزها المهم. فقد اصدرت جامعة السوربون الثالثة كتابا جماعيا أعمالها الروائية وحواراتها ومراسلاتها، حاول أن يحدد مسلك الكتابة لديها، ونشر الكتاب تحت عنوان: أنّي إيرنو، التزام الكتابة. أعده الزميلان بيير لويس فور وفيولين هودار ميرو (مطبوعات السوربون الثالثة 2015) طورت أطروحاتها التي سبق أن ذكرتها في 2011، قي كتابها الحواري: ا”لكتابة مثل السكين” حيث تقول في آخر الكتاب: “قناعتي العميقة هي أن الكتابة ليست بمعزل عن العالم الاجتماعي والسياسي” كما قال عنها دومينيك فيار: “أنّي إيرنو أنتجت منجزا متساوقا مع عصرها وزمانها” لهذا موضوعها ليس ذاتيا بالمعنى السطحي ولكنه موضوع الذاكرة. العلاقة مع الزمن والفترة. فقج حرّكت حدود الانواع لتلتقي هذه الذات بما يصنعها من تاريخ وحروب وخيبات وصراعات ” لا أتصور نفسي أكتب كتبا لا تعيد النظر فيما نعيشه وولا تخضعه للتساؤل.”

لهذا شيء من التواضع أمام التجارب البشرية التي لا نعرفها، وكثير من القراءة، لا يضر أحدا. لنا ذائقة يفترض أن تتطور بالقراءة والتثقيف لا بالخضوع التام لما يملى عليها خارجيا. أي أن المحدد السلبي أو الإيجابي في الرأي هو لقاؤنا المباشر مع النصوص بالخصوص إذا كان بعضها مترجما إلى العربية.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *