آنا زيغرز.. على هامش نوبل


*يوسف ضمرة


قبل أيام فازت الكاتبة البيلاروسية، سفيتلانا أليكسيفيتش، بجائزة نوبل للآداب، وبفوزها بدأت المرأة في الظهور على لائحة نوبل بعد وقت طويل من التجاهل أو النسيان!
قبل سفيتلانا فازت أليس مونرو ودوريس ليسنغ وهرتا مولر.
سفيتلانا ليست روائية أو شاعرة أو كاتبة قصص، إنها كاتبة تقارير صحافية فقط، لكن من الواضح أن عداءها للشيوعية، وإيمانها بالليبرالية الديمقراطية في بلد شيوعي، كان لهما الأثر الأكبر في ترجيح كفتها على آخرين.
قد تكون سفيتلانا كاتبة جيدة، حيث لم يتح لنا نحن العرب أن قرأناها أو قرأنا شيئاً من كتاباتها. فهي قبل فوزها كانت اسماً مجهولاً على المستوى العربي، وهو أمر لا يعد مبرراً لعدم تفوقها في ما لو كانت كذلك.
السؤال الغريب هو: لماذا لم تفز إيزابيل اللندي مثلاً؟ بل لماذا لم تفز كاتبة ألمانية من برلين اسمها آنا زيغرز ـ توفيت عام 1983؟
آنا زيغرز كرست كتاباتها لمعاداة النازية والفاشية، وتحملت أعباء هذا الموقف من سفر وتشريد واضطهاد إلى حين انتهاء الحرب العالمية الثانية. أي أنها وقفت ضد هتلر فور وصوله إلى السلطة، ووقفت مع الجمهوريين الإسبان ضد فرانكو. ولكنها فور انتهاء الحرب عادت إلى برلين لتصبح رئيساً لاتحاد كتاب ألمانيا الديمقراطية، وكانت من قبل انضمت إلى الحزب الشيوعي الألماني وظلت فيه حتى وفاتها.
ترى، لو انشقت زيغرز عن ألمانيا الديمقراطية، وفرت باتجاه إحدى دول الغرب، ماذا كان سيحدث لهذه الكاتبة من ترحاب وتهليل وتصفيق وجوائز؟ ألم يحدث هذا مع سولجنستين؟ ألم يحدث مع ميلان كونديرا الذي لايزال ينتظر نوبل، وأظنه لن يفوز بها، لأن أهمية انشقاقه قد تقلصت بعد انهيار الكتلة الشرقية في أوروبا.
من يقرأ بعض ما كتبته آنا زيغرز، يكتشف كم يكون الأدب وفياً وفاعلاً ومؤثراً، في مواجهة الظلم والاستبداد والقمع والقهر والحرب. «أغاتي شفايغرت» وقصص طويلة أخرى كلها تناطح النازية والفاشية. ولكن زيغرز ـ في حدود ما قرأناه ـ لم تجعل من الهولوكوست «محرقة اليهود» على أيدي النازية، قضية القضايا، بمقدار ما وقفت على معاناة البسطاء والفقراء الألمان والفرنسيين والإسبان وغيرهم. أي إنها لم تتخذ من الهولوكوست ساحة لإبراز اسمها، وهي قادرة على ذلك لو أرادت. ولهذا لم تفز زيغرز، وما كان لها أن تفوز بنوبل، لأن نوبل أصبحت جائزة سياسية ينقصها التوثيق الرسمي أو التسجيل الرسمي كوثيقة سياسية.
ولا يستطيع أحد أن ينسى فوز بيغن بنوبل للسلام وهو أكبر سفاحي العصر الحديث، صاحب المجازر المروعة التي ارتكبها الصهاينة بحق أهلنا في فلسطين وخارجها.
عزاؤنا في كتّاب مثل آنا زيغرز، هو أن كتاباتهم تترجم دائماً إلى اللغات الحية، ويستمر الناس في قراءتها اليوم وغداً. أما بعض الفائزين بنوبل فلربما يذكرهم الإعلام لفترة وجيزة، ثم ينساهم ليعودوا إلى الظل الذي كانوا يرتعون فيه. وليقل لي أحد شيئاً اليوم عن مكانة سولجنستين في عالم الأدب! إنه مهمَل ومهمّش لأنه لم يكن يستحق جائزة كهذه من قبل. وأخشى ما أخشاه أن تظل قيمة نوبل في انحدار إلى أن تفقد بريقها الذي كان يضيء العالم كله ذات يوم.
_______
*المصدر: الإمارات اليوم

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *