تجديد الثقافة المصرية ..مطلب عاجل

قضية للمناقشة في الحوار الوطني

تجديد الثقافة المصرية …مطلب عاجل

* د. نبيل عبدالفتاح

الخطاب السياسى والثقافى حول الثقافة فى مصر، وعالمنا العربى ماضوى من منظور تاريخى، ولا يعنى ذلك أنه جزء من الاتجاهات التقليدية ذات السند والتوجه الدينى التى تربط بين الثقافة والتراث الدينى، وسردياته التاريخية.. إلخ، هذا اتجاه لا يزال مهيمنًا فى الحياة السياسية والعقلية، لكن ماضوية الخطاب السياسى والثقافى الذى نقصده، هو خطاب بعض «السياسيين»- من البيروقراطيين والتكنوقراط ووزراء الثقافة، وأجهزتها الرسمية- وخطاب غالبية «المثقفين»، وفق الوصف الشائع الذى يطلق على كثيرين من الروائيين والشعراء والقصاصين والفنانين التشكيليين رغم انحساره عن غالبهم، ومصدر وصف هذين الخطابين بالماضوية مرجعه أنهم ينظرون إلى الثقافة فى مراحل تاريخية من تطور مصر السياسى والاجتماعى والثقافى، خاصة فى المرحلة منذ الحركة الجماهيرية الكبرى فى عام ١٩١٩، وما بعدها إلى المرحلة شبه الليبرالية، وحالة الأسئلة التى كانت تطرح على العقل المصرى، والتى اتسمت بالشجاعة حينًا وبالصدمة للعقل التقليدى السائد، والسعى إلى حالة من التحرر العقلى والاجتماعى والسياسى والاستقلال الوطنى، خاصة فى المرحلة شبه الليبرالية ١٩٢٣-١٩٥٢.

هذه المرحلة تبدو ذهبية لدى غالب الليبراليين وأشباههم- مع التحفظ على الوصف «ليبراليين»، واستخدامه فى الحالة المصرية- ومعهم بعض الماركسيين، رغم الضغوط التى مورست عليهم لممارسة حقوقهم السياسية، بل وحجب الشرعية القانونية عنهم وتجريم تنظيماتهم فى قانون العقوبات!

بعض من الطبقة الجديدة من أثرياء الانفتاح والخصخصة والرأسمالية العقارية والعائلية الحديثة، وأتباع أيديولوجيا السوق الرأسمالية المتوحشة والاحتكارية، يميل بعضهم فى محاولة تجميل أصولهم الاجتماعية إلى «تمجيد» هذه المرحلة، ومحاولة إثبات نسبهم لها، أسريًا وعائليًا، وقلة قليلة تميل إلى المرحلة شبه الليبرالية! غالبُ الأقباط، والمؤسسة الدينية الأرثوذكسية وغيرها- الكاثوليكية والإنجيلية- يميلون إلى هذه المرحلة وتمجيدها لاعتبارات المواطنة السياسية الاجتماعية، وقلة قليلة من أبناء الطبقة شبه الرأسمالية، ومن كبار الملاك، يميل أسلافهم إلى خطاب التمجيد والمبالغات حول هذه المرحلة، وثقافاتها، وحياتها السياسية كجزء من إحياء ذاكرتهم الأسرية والعائلية والطائفية. بعض أبناء الطبقة الوسطى من المتعلمين وأبنائهم وأحفادهم ممن صعدوا مع نظام يوليو واستمروا، وأثبتوا بعضًا من الكفاءة، يميلون إلى تمجيد ما قبلها، لإثبات الاختلاف السياسى، ورفض قمع الأفكار المختلفة فى ظلها، ولهم فى هذا بعض الحق.

هذه المرحلة مع أهميتها القصوى فى تطور الثقافة المصرية، إلا أنها بوصفها أيقونة تاريخية فى نظر عديدين تبدو وكأنها مثالية، ونموذجية ودونما نظرة تاريخية نقدية لمجمل الأفكار الكبرى التى طرحت، وأصولها المرجعية الأوروبية والمرحلة التاريخية التى تمت فيها استعارة هذه الأفكار، أو ترجمة بعضها دونما إسناد للمراجع المنقول عنها، والأخرى المترجمة عنها! والأهم السياقات التى طرحت فيها، وعلاقاتها بالواقع الموضوعى المصرى، والانتقادات التى وجهت لها، فى المرجع الأكاديمى والفكرى الأوروبى.

ثمة تركيز أيضًا وعلى نحو تبجيلى وتمجيدى لبعض أفكار «كبار» المثقفين المصريين، دونما متابعة تطورات أفكارهم ومناوراتهم، ورجوع بعضهم إلى المنشورات التراثية المحافظة، وهو ما يرجع إلى سطوة العقل التقليدى فى الحياة العقلية والسياسية والدينية، والأهم التركيز على بعض كتب «الكبار» دونما درس للهامش الثقافى المعزول، من «الأفندية»، خاصة ممن لم يكن لهم علاقة بالطبقة السياسية الحاكمة، والصحف والمجلات الأساسية فى هذه المرحلة. هذا الخطاب- السياسى والثقافى- يبدو مبتورًا ومبتسرًا وغير نقدى للثقافة «الأيقونية» التى يشار إليها عند الحديث عن الثقافة المطلوبة والمرغوبة فى حياتنا الآن!

من هنا هذا التركيز على مرحلة ما، ومحاولة استعادتها مجددًا فى عالم مختلف تمامًا، بما فيه تحولات الثقافات فى عالمنا! من هنا يبدو تراثيا وماضويًا بامتياز، أيا كانت دعاويه وأطروحاته، لكنه يبدو مفارقًا لتحولات الواقع الموضوعى الكونى والإقليمى والوطنى.

أحد محفزات هذه النظرة «الماضوية»، تطورات الحالة المصرية شبه الحداثية منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى النصف الأول من القرن العشرين، وتحولها إلى مثال ملهم للدول العربية قبل الاستقلال وبعده، فضلًا عن كونها كانت مركزًا للإنتاج الفكرى والأدبى، والتطور الاجتماعى مقارنة بغيرها من البلدان العربية.

بعض الخطاب الماضوى حول الثقافة، يدور حول مرحلة مصر الناصرية، وبعض من التطور الثقافى فى الفنون والآداب، والترجمات، وجيل الستينيات من القرن الماضى، من الشعراء، والروائيين، والقصاصين، والنهضة المسرحية، وفى الفنون التشكيلية، ودور وزارة الثقافة وأجهزتها وهيئاتها المختلفة، فى عهدى فتحى رضوان، ثم ثروت عكاشة، فى ظل رأسمالية الدولة الوطنية، والدولة التسلطية، وقمع الحريات العامة، وغلق المجال العام السياسى، ومن ثم ظاهرة موت السياسة.

هذه النظرة السائدة، والتى يمكن وصفها بالماضوية والتراثية ترجع إلى التركيز على هذه المرحلة وتحويلها إلى أيقونة، فى النظرة الثقافية.

وراء هذا الخطاب التمجيدى الذى يمايز بينها وبين المرحلة شبه الليبرالية، الناصريون، والقوميون العرب، ومعهم بعض الماركسيين من المثقفين، وجيل الستينيات، من الأدباء، لا شك أن هذه المرحلة شهدت نقلة فى التطور الثقافى، لكنها اعتمدت أساسًا على فوائض المرحلة شبه الليبرالية فى الثقافة المصرية الحديثة، بعضهم يتناسى موت السياسة، وقمع الأفكار الحرة، وبعضهم الآخر يمجد هذه المرحلة ويركز على الدور الثقافى المصرى فى الإقليم العربى.

النظرة الماضوية لفكر المرحلتين شبه الليبرالية ومصر الناصرية، تركز على عدد من المحاور:

١- الأدب والفنون والمسرح أساسًا، أى على الثقافة، وفق المعنى الضيق نسبيًا، وليس الثقافة بالمعنى العام للمصطلح فى الأنثربولوجيا والسوسيولوجيا.

٢- التركيز على بعض الاهتمامات الجديدة فى المرحلة الناصرية كالفنون الشعبية والأجهزة الجديدة لوزارة الثقافة.

٣- إنها نظرة تركز على الجوانب الرسمية والأيديولوجية للأجهزة الثقافية، ومن ثم على الوجوه التى عملت فى ظلها، دون الاهتمام إلا قليلًا بمن هم خارجها، وعلى هوامشها، وتم إقصاوهم عن الحياة الثقافية الرسمية فى عهدى السادات ومبارك، تمت إقصاءات واستبعادات لأجيال من المبدعين، والمثقفين المصريين، فى ظل مواجهات السلطة الساداتية للاتجاهات اليسارية والقومية والناصرية، والليبرالية المستقلة. دعم نظام السادات ووزارة الثقافة بعض الموالين- وغالبهم من غير الموهوبين والأكفاء- فى أنشطتها مع إقصاءات للمعارضين فى مجال الثقافة.

فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، تركزت جهود الوزارة على بعض القطاعات دون الأخرى، وكان الهدف الرئيسى هو ثقافة استعراضات أمام السلطة والحاكم، والسعى إلى استيعاب الكتاب والمثقفين والمبدعين، وإدخالهم إلى «الحظيرة» وفق تعبير مسىء للوزير فاروق حسنى ينبو عن اللغة السياسية والثقافة. تمكن وزير الثقافة وبعض قادة أجهزتها من استيعاب عديد الوجوه من أجيال الستينيات وبعض السبعينيات والثمانينيات داخل «حظيرة» الوزير!

تمكن الوزير وقيادات أجهزته الثقافية من غواية هذه العناصر من خلال جوائز الدولة- التى أدت إلى فقدان بعض وهجها وألقها- وعضوية لجان الوزارة والمجلس الأعلى للثقافة والسفر إلى الخارج فى الوفود الرسمية والمشاركة فى المؤتمرات والندوات التى تعقدها الوزارة وأجهزتها، ونشر الكتب والمقالات فى المجلات وجريدة «القاهرة» التى تصدرها الوزارة، لا شك أن بعضًا من النشاط تم بفاعلية فى مجال الفنون التشكيلية، ودار الأوبرا، والمجلس الأعلى للثقافة ومكتبة الأسرة- على الرغم من بعض الخلل فى معايير النشر للموالين- واعتمد ذلك على دعم حرم رئيس الجمهورية واهتمامها بهذا النمط الاستعراضى للثقافة حول السلطة وتركيزها على المركز.

لا شك أن غياب النظرة إلى هيئة قصور الثقافة كان تعبيرًا عن عدم الاهتمام بالأنشطة الثقافية خارج العاصمة والمركز، وخاصة فى المدن المرئية للمحافظات، والقرى.

كانت سياسة الوزارة موضعًا للنقد من بعض المثقفين، وترتب على ذلك تنشيط بعض المبادرات خارج الأطر الثقافية الرسمية و«حظائرها» وفق وصف الوزير فاروق حسنى، الذى اعتمد على بعض أساتذة الأدب فى جامعة القاهرة، وآخرين، وهو أحد أخطاء السياسة الثقافية التى تصورت أن الثقافة قصرًا على كليات الآداب- بعضهم من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية من أعضاء لجنة السياسات فى مشروع توريث السلطة الذى شاعت بشائره وعلاماته.

إن العلامات السابقة تشير إلى تركيز بعضهم، كل بحسب توجهاته ومصالحه، وانحيازاته، إلى بعض هذه المراحل فى تطور الثقافة المصرية، ومن الشيق ملاحظة ما يلى على هذه التوجهات فى الخطاب حول ضرورات تجديد الثقافة المصرية:

١- النظرة الضيقة للثقافة، وتعريفها حول الآداب، والفنون التشكيلية والنشر والموسيقى والغناء فى الأطر الرسمية، دون النظرة الأوسع للثقافة- وفق تعريف تايلور الشهير والقديم، والمستمر، خاصة شمولها لمكونات عديدة أوسع، وأكبر من الآداب والفنون والموسيقى.. إلخ! من هنا عجزت السياسة الثقافية، إن وجدت، عن مواجهة ظواهر العنف الدينى، وثقافة الكراهية.. إلخ.

٢- يركز غالب الخطاب السياسى والثقافى المهيمن على الثقافة الرسمية ووزارة الثقافة وأجهزتها ولا يزال هذا الخطاب مستمرًا وشائعًا.

٣- تركز الخطاب السياسى والثقافى على الأوضاع الداخلية دونما اهتمام بوضع الثقافات العربية على تعددها، وتطور أوضاعها.

٤- ثمة شيوع لمصطلح القوة الناعمة، الذى تم تجاوزه فى العلاقات الدولية، ونسبته إلى الثقافة المصرية، ووصفها بالقوة الناعمة فى الإقليم العربى، على الرغم من تجاوز واقع الثقافات العربية هذا الدور والقوة المسماة بالناعمة مصريًا، مع تراجع الثقافة المصرية الرسمية واللا رسمية.

٥- الثقافة السائدة، هى ثقافة إجابات جاهزة تعيد إنتاج نفسها، وليست ثقافة أسئلة معاصرة ومستقبلية تفتح الأبواب أمام العقل النقدى للإبداع، وهدم الأبنية الثقافية المتآكلة، والتى لا تتوافق مع تحولات عالمنا.

٦- لا تزال الأفكار الحداثية معطوبة ومبتسرة، ومن ثم تعتمد على بعض الموروث البنائى التقليدى على مستوى نظام اللغة وبعض الأفكار كى تكتسب مشروعية فى حضورها فى الجدل العام.

٧- محدودية المراجعات النقدية الرصينة لإنجازات كبار المفكرين والمثقفين المصريين منذ القرن الماضى إلى الآن، بل وتحول بعضهم لأيقونات فكرية تحاط بالتمجيد، بينما المطلوب نقد الطبقية المعرفية والفكرية فى عديد المجالات، سعيًا وراء التجديد فى الأفكار والإبداعات.

٨- هيمنة رهاب الخوف من النقد الحر عن الأفكار والإبداعات التى تتناول المحرمات الكبرى، بالنظر إلى إغلاق المجال العام، والأخطر سيطرة الفكر الدينى النقلى المحافظ وفرائض التدين السلفى والمحافظ على الاتجاهات الدينية الشعبية، وشيوع الاتهامات بالكفر والإلحاد لمن يطرحون أفكارًا أو سرديات إبداعية تتسم بالجرأة أو التجديد.

لا شك أن هذه التغيرات على المشاهد الثقافية أدت إلى تمركز الخطاب حول الثقافة حول مراحل تاريخية محددة دونما متابعات، ونظرات إلى الثقافة، وفق التعريف الواسع، خاصة الشعبية والجماهيرية لكل مكونات المجتمع.

من الشيق ملاحظة أن الانقسامات حول الثقافة لا تزال مستمرة بين الاتجاهات الحديثة، وبين الاتجاهات التقليدية، وتحول العلاقة بينهما من المجال الحوارى إلى الانقسام الحاد، والمجال السجالى والعدائى والنفى المتبادل، نظرًا للقيود على الحريات الفكرية والعامة.

يميل التيار التراثى النقلى إلى التركيز على الثقافة الحديثة ونقدها من منظور دينى تراثى وسلفى ونقلى، واعتبارها المجال الهش الذى سهل الهجوم عليه من منظور دينى وتراثى، خاصة فى ظل الخشية من النقد السياسى الدينى للسلطة الحاكمة الذى يؤدى إلى اتخاذ إجراءات قانونية وأمنية ضدهم، ومن ثم يتم اللجوء إلى المجال الثقافى ليكون النقد السياسى مضمرًا وراء نقد الأعمال الثقافية.

من هنا التركيز على السرديات الروائية، والفكرية، كهدف للنقد السياسى الدينى، وإشاعة الخوف لدى المثقفين والمبدعين.

النظرة النقلية الدينية إلى الثقافة، دينية ومحافظة وتراثية، وتميل إلى خطاب الهوية المغلق تاريخيًا، واللا تاريخى، من هنا يبدو تديين خطاب الهوية هو أحد مداخل جماعات الإسلام السياسى والسلفيين، والأزهريين، لتديين المجال العام، والثقافة تحت خطاب الهوية. من هنا يبدو عنوان الثقافة والهوية غير موفق فى إحدى اللجان الفرعية للحوار الوطنى فى المحور الاجتماعى، لأنه يتبنى خطاب الهوية وأسئلته التى يطرحها الخطاب الإسلامى السياسى والسلفى، وحتى مع افتراض محاولة البعد عن التناول المباشر لمشكلات الثقافة المصرية، وأجهزتها الرسمية، إلا أن هذا العنوان يتسم بالعمومية والغموض ويفتح الباب أمام جدل أيديولوجى وهوياتى يعاد إنتاجه بين الحين والآخر.

معنى الثقافة الذى يستخدمه التيار الدينى وجماعاته، تراثى وقديم، لأنه يدور حول نظام الشريعة وسردياتها الفقهية التاريخية، والدفاع عن منظومة قيمية تأويلية ووضعية حول قيم العائلة والأسرة المحافظة والتقليدية، وعلى التراث الأدبى والشعرى والفقهى والكلامى الإسلامى القديم- والآخر فى حدود من بعضهم- ومن هنا مفهوم الثقافة تقليدى، ويدور بين حدود الحلال والحرام، والمشروع واللا مشروع من منظور فقهى وضعى، فى إطار من الثنائيات الضدية، ونسق من المحرمات والمحظورات التى تتناقض مع التغيرات الكبرى فى الثقافة والمجتمع المصرى، خاصة مع الدولة الشرقية الحديثة. تجميد مفهوم ومعنى الثقافة حول المراحل التأسيسية للدين الإسلامى، أو المذهب الأرثوذكسى، ورفض اتجاهات التجديد فى الفكر الدينى، تشير إلى أزمة العقل النقلى وعدم ثورته على مواجهة أسئلة العصر، ومتغيراته الكبرى.

انطلاقًا مما سبق نحن أمام مفهوم ومعنى للثقافة يتسم بالجمود التاريخى، سواء لدى الاتجاهات شبه الحداثية أو المدنية، ولدى التيارات الدينية السياسية وداخل المؤسسة الدينية، وكلا المفهومين قاصران على مواجهة مظلات الثقافة المصرية الرسمية واللا رسمية، ما يعنى تحويل الحوار الوطنى حول المسألة الثقافية إلى مجال الهوية وخطاباتها.

بداية الثقافة الوطنية، ومصادر ومكوناتها المختلفة هى أكبر وأوسع من مفهوم الثقافة الرسمية وأجهزة الدولة الثقافية، من ناحية ثانية الثقافة أحد أكبر المكونات فى تشكيل الهويات المتعددة، ومنها الهوية الوطنية فى إطار الدولة الحديثة المصرية. الهوية فى أحد أبرز تحدياتها مفهوم سلطوى وحديث جدًا- برز المصطلح فى أربعينيات القرن الماضى على مستوى الدرامات الأنثربولوجية والسوفيولوجية- ثم وظفته الجماعات الإسلامية وتحديدها للهوية الوطنية إلى مجال الهوية الدينية، وفق تأويلاتها اللا تاريخية واللا علمية.

الهوية المصرية- ومكوناتها من الهويات الصغرى- محددة المعالم ويتم الصراع بها، وعليها، باسم الخطاب الهوياتى الدينى الوضعى القديم.

من هنا ربط الثقافة بالهوية يحيل إلى هذا النمط من الصراعات.

إذا كان اختيار موضوع الثقافة والهوية بهدف توجيه المتحاورين إلى الربط بين كليهما فلا جديد، وإذا كان الهدف هو تحديد هذه الهوية وربطها بالموروث شبه الحداثى فى إطار الدولة القومية، فهى بداهة لا تحتاج إلى جدل جديد. نحن إذن إزاء محاولة للتحايل أو الهروب من مناقشة المسألة الثقافية المصرية فى عالم متحول، وفى ظل تراجع القوة الثقافية المصرية فى الإقليم، وفى حياة المصريين المعاصرين وأيضًا تآكل الموحدات القومية والتكامل الوطنى بين المكونات المتعددة اجتماعيًا وثقافيًا ومناطقيًا وعرقيًا وطبقيًا فى مصر.

المرجح أن هذا العنوان العام والسائد يحتاج إلى مراجعة، لأنه سيقود الحوار إلى مساحات صراعية وسياسية. إذا كان الهدف الغامض هو توظيف الثقافة فى الصراع بين دعاة الدولة الحديثة ودعاة الدولة الدينية من التيارات الإسلامية السياسية والسلفية، حيث لا يدرك بعضهم معنى الثقافة وتعدد مصادرها، مجتمع متخلف يوظف الدين وتأويلاته الوضعية فى العمليات السياسية من فاعلين متعددين فى المجالين السياسى والدينى.

والثقافة الحديثة تعتمد على العقلانية النقدية، وهو معنى ضيق للثقافة، ولا يمتد إلى الثقافة بالمعنى الواسع المراد تجديدها وتطويرها لمواجهة النزعة النقلية الاجتماعية الدينية، وإنما المقصود هو توظيف سياسى رسمى لهذا المعنى المضمر من وراء هذا الطرح فى مواجهة تغلغل وهيمنة النقل وثقافة المرويات والشروح الدينية التى يطرحها مشايخ الإسلام السياسى والسلفيين وغالب الأزهريين فى خطابهم الدعوى على الجماهير الغفيرة.

فى ظل هذه المفاهيم المبتسرة والجزئية حول الثقافة والهوية، هل يمكن إدارة حوار حول تجديد الثقافة المصرية. إن هذه الثنائية تؤدى إلى حصر النقاش فى إطارها، وهو ما يشير إلى عديد من الانفصالات المعرفية والتحليلية عن التحولات الفعلية، والرقمية للثقافة المصرية- وروافدها المختلفة- وبين الجدل حول الثنائية المطروحة، وأيضًا بينها وبين الثقافة الرسمية واللا رسمية. من ناحية أخرى الانفصال عن تحولات الثقافات العالمية وتوجهاتها الجديدة فى الغرب الأكثر تطورًا، وفى آسيا الناهضة حول الصين، وكوريا الجنوبية والهند وسنغافورة، وماليزيا وإندونيسيا وفيتنام، المجهولة فى العقل السياسى والثقافى المصرى والعربى.

السؤال ما هى مشكلاتنا الثقافية، كيف يمكن إيجاد حلول عملية لمواجهتها بعيدًا عن بيروقراطية الدولة الثقافية، وهذا هو المطلوب من الحوار!

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *