الثقافة المصرية تواجه الإرهاب




*عيد عبد الحليم

مع تزايد حالات الإرهاب وترويع المواطنين في الشارع المصري، باتت ضروريا مناقشة تلك الظاهرة التي أصبحت تهدد كيان الدولة، وتعصف بأمن المواطن من قبل جماعات العنف المسلح، هنا آراء المثقفين المصريين لمواجهة ظاهرة الإرهاب القبيح .

يؤكد الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة أن موجة الإرهاب صارت ظاهرة عالمية، فبين الحين والآخر، بل ربما لا تمر ساعة إلا ونسمع عن تفجيرات هنا أو هناك، وما يحدث على أرض مصر يدعو للأسف والحزن الذي يعتصر القلوب من أجل هؤلاء الضحايا الأبرياء الذين يستهدفهم هذا الإرهاب، حتى لو كانوا من عناصر الشرطة والجيش، وهذا ما يؤكد أن مصر باتت مستهدفة بشكل كبير، وعلينا أن نأخذ حذرنا، لأن هذه الحوادث قد تتكرر في الفترة المقبلة، لذا يجب على كل صاحب فكر وقلم أن يلجأ بصوته عالياً مديناً كل أشكال الإرهاب الفكري والجسدي من خلال عمل جماعي والابتعاد عن الفردية التي تسيطر على الحياة الاجتماعية في مصر الآن، وعلى الحياة الثقافية أيضاً .
ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تنقية الخطاب الثقافي والإعلامي الموجه إلى الجمهور العادي، بحيث يكون هناك نوع من التوعية للجماهير تعتمد على بث الأفكار الصحيحة خاصة في أمور الدين، مع الاهتمام بالقاعدة الشعبية الشبابية على اعتبار أن الفكر المنحرف الذي يروج له البعض يؤثر أكثر في هذه الفئة العمرية .
ويشير الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي إلى أن مثل هذه الأعمال الإجرامية مخالفة بكل المقاييس للقيم الدينية، ولكل مبادئ الإنسانية، ودعونا نتساءل عن هؤلاء الذين يتربصون بمصر، بما يحلمون من فكر عشوائي يقوم على تدمير الآخر من دون وجه حق، والمحصلة في النهاية تكون تشريداً لأسر، وتدميراً للبنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتخريباً لعقل أمة من المفترض أن تنهض من سباتها إلى آفاق أكثر رحابة من التقدم العلمي، لكن للأسف كنا نظن أن موجة الإرهاب قد انتهت لكنها عادت مرة أخرى بما يفعله “الإخوان المسلمون” بوجه قبيح، ومن خلال شهوة دموية قاتلة .
وينفي الروائي د . علاء الأسواني أن تكون هذه الجرائم البشعة مرتكبة باسم الدين، لأن الدين الإسلامي يحافظ على الحياة الإنسانية بل يقدسها، ونصوصه تحرم الإفساد في الأرض، وهذا يجعلنا نتساءل عن هوية مرتكبي هذه الحوادث البشعة غير الإنسانية، فالإسلام منهم براء، والخطاب الديني يؤكد على حرمة النفس البشرية وتحريم قتلها .
ويقول د . جابر عصفور: “إن القمع قهر وإذلال وإجبار، والإرهاب تخويف وترويع وتفزيع، وكلاهما يلتقي في دلالة ممارسة العنف التي تتعدد أسبابها ويختلف الفاعلون لها، لكن لا تختلف نتائجها التي تستأصل الإمكانات الواعدة للحوار والاختلاف” .
وكلاهما “القمع والإرهاب” لصيق بالتعصب الذي هو أصل لهما خصوصاً في المدار المغلق الذي ينقلب فيه العقل على مبدئه الحيوي فيصادر حرية غيره التي لا معنى لحريته هو من غيرها، ويستأصل المختلف معه فكرياً بالعنف بشقيه المعنوي أو المادي، فارضاً ما يراه كأنه الحق والحقيقة المطلقة” .
ويضيف د . عصفور قائلاً: يحدث العنف حين يتجمد الفكر على نفسه، ويغدو نوعاً من التعصب الذي لا يعرف المرونة أو التسامح، سواء على مستوى الأفراد أم الجماعات، ويظهر ذلك عملياً في خطاب يدعي الإنابة عن النص الديني بالمغالطة والإيهام، ومن ثم التحدث باسم الدين الذي لا يجوز لغير أصحاب دعوى الإنابة التحدث باسمه .
ويرى المؤرخ الإسلامي د . محمد إسماعيل أستاذ التاريخ الإسلامي في كلية الآداب جامعة عين شمس، أن الأحداث الأخيرة الدامية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن جماعة الإخوان المسلمين تتخذ من الإرهاب منهجاً لمحاربة خصومها، فقد أثبتت الوقائع الدامية أن الجماعة لا تزال مخلصة لأفكار مؤسسها حسن البنا، ومن بعده منظرها الرئيسي سيد قطب، الإرهابية والإجرامية التي أودت بها إلى مصادمات دامية مع السلطة في الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي، بما يؤكد أن الإرهاب تحول من مخيلتهم المريضة إلى عقيدة .
وتضافرت جهودها مع جهود الجماعات الجهادية التي لا تختلف في منهجها عن تلك الجماعة المتطرفة، وهذا ما رأيناه في الحوادث الأخيرة، فقد كانت هذه الجماعات المتطرفة تقاتل جنباً إلى جنب الجماعة الأم وحسبنا أن معركتها الأخيرة في مصر وسيناء خصوصاً، شارك فيها الكثيرون من إرهابيي طالبان والشيشان .
ويضيف د . إسماعيل قائلاً: “لذا أنا ضد أي فكرة للمصالحة مع هذا الإرهاب، تلك المصالحة التي يرفع شعارها البعض تحت شعار “حقوق المواطنة” و”عدم الإقصاء” في حين أنه لا مصالحة مع قاتل وسافك للدماء” .
ويشير الفنان التشكيلي محمد الطراوي إلى ضرورة مواجهة كل الأعمال الإرهابية بحسم شديد من قبل السلطات المصرية، مؤكداً على أهمية الدور الثقافي في تلك اللحظة الراهنة، وهذا يتطلب سرعة تحديث مناهج التعليم وتنقيتها من أي دروس تحض على العنف، حتى يمكنا بناء ثقافة لجيل جديد تقوم على التسامح، كذلك على المثقفين النزول إلى الشارع وعقد جلسات وحلقات نقاش للتوعية بأهمية الحفاظ على متكسبات الثورة المصرية، ومن أهمها وحدة الشعب والتأكيد على الهوية المصرية القائمة على إعمال العقل ونبذ العنف والتطرف، ولن يأتي هذا إلا بادراك الجماعة الثقافة لأهمية دورها، لذا عليها التخلي عن ذاتيتها لأن هذه اللحظة هي لحظة العمل الجماعي، فعلينا أن نتخلى عن فرديتنا في مقابل المصلحة العامة، الشارع الآن بحاجة ملحة لتفعيل الدور الثقافي .
وتقترح الفنانة التشكيلية زينب السجيني إقامة مؤتمر ثقافي تكون ورقته الأساسية مناقشة ظاهرة التطرف والعنف التي باتت تشكل خطراً ملحوظاً على مستقبل الوطن .
وترى السجيني أن الكثيرين يمارسون العنف من دون وعي أو إدراك لعواقبه الوخيمة، فكثير من هذا الشباب الذي يمارس الإرهاب لا يعرف صحيح الدين، ولا يدرك قيم المجتمع الذي يعيش فيه جيداً، وقد لعبت السنوات الماضية دوراً سلبياً في عزلة هؤلاء الشباب الذين وجدوا أنفسهم معزولين عن المجتمع نتيجة سيطرة الأفكار الظلامية على عقولهم واستغلال الجماعات المتطرفة لهم، فكانت النتيجة ما نراه من صدامات عنيفة، فهناك أزمة نفسية عميقة داخل هؤلاء .
وترى السجيني أن الإرهاب لن يجتث من أرض الواقع إلا بسيادة ثقافة التنوير وحب الفن والقراءة التي تنتج الوعي والإدراك والفهم الصحيح للأشياء، وصناعة العقل صناعة من أهم الصناعات التي تمارسها الشعوب المتقدمة، لذا بات على الحكومة أن تدرك أهمية ذلك بتعميم ثقافة التنوير في المدارس والجامعات، وأن تحاول صنع مقاربة بين الأجيال .
_________
*(الخليج الثقافي)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *