holy water in the bowl, Christianity

ماء سانتا ماريا المقدّس / قصة من الأدب الكوبي

(ثقافات)

ماء سانتا ماريا المقدّس /  قصة من الأدب الكوبي

  لويس آغويرو

ترجمة: افلين الأطرش

    إذن، اذهب وأقابل الكاهن وأخبره بالقصة كاملة. أخبره بكل شيء كما حدث بالضبط. ثم ألاحظ أنه كان يولي انتباها أكثر مما اعتاد أن يفعل. الآن أراه ينظر إليّ بعينيه الزرقاوين الصغيرتين اللتين ستتعفّنان في الأرض ذات يوم. ينظر إليّ من خلال نظارته الداكنة. أنا أعرف أنه ينظر إلي. أعرف أنه ينظر إلي لكي يفهم بشكل أفضل ما أُخبره به.

   ” أمتأكد أنها تفعل ذلك بوحي من سانتا ريتا، يا بني؟ ” يقول لي.

   ” متأكد أنها تفعل، يا أبتِ”. أقول.

   ثم أتابع إخباره بكل ما تبقّى، ويستمرّ هو في التحديق إليّ بعينيه الزرقاوين الصغيرتين اللتين ستتعفنان في الأرض ذات يوم، واللتين لا يمكن رؤيتهما من خلال نظارته الداكنة…

   ”  يا بني” ، يقول ، ” معجزة قد حصلت”.

   ” ذلك أكيد ، يا أبتِ”. أقول له.

 لذلك يتمشّى الكاهن إلى الأمام وإلى الوراء لدقيقة. ثمّ ينزع نظارته الداكنة، ويقف هناك  ينظر إلي  بعينيه الزرقاوين الصغيرتين اللتين ستتعفنان في الأرض ذات يوم.

 ” يا بني”، يقول لي، ” يجب أن تُخبر كلّ واحد بهذا الأمر”.

 ” سوف أفعل ذلك بالتأكيد، يا أبتِ”. أقول له.

   لكن هذا حدث منذ زمن طويل. حدث عندما كانت ” سيرافينا رينوزو” بالكاد تُعرف. في ذلك الوقت كانت تعيش في كوخ يقع على جانب الجدول الصغير الذي يمرّ أمام بيتنا، وبالكاد كان يعرفها أحد حينذاك. أنا وواحد أو اثنان فقط ممّن يعيشون بالقرب منها، لا أحد آخر.

  ” صباح الخير، سيرافينا”. كنت أقول.

  ” صباح الخير، كاندينو”. كانت تقول.

  واستمرّ الحال هكذا لوقت طويل. أراها مرتين يوميا ( مرة في الصباح وأخرى في المساء. مرتان) وكانت سيرافينا دائما هناك. كانت تربي الخنازير في ذلك الحين وتتجوّل طوال الوقت تحمل سطلا تجمع فيه بقايا وجبات طعام الناس. كانت المرأة العجوز تعتاش على هذا. عاشت على هذا مدة طويلة. حتى حلّ عليها الوحي.

   في الحقيقة لم أسمع عن ذلك إلا في اليوم التالي. لكن بعد ذلك جاؤوا واخبروني بالأمر كله، تماما كما حدث. كانت سيرافينا مضطجعة على سريرها المثبت بالجدار، حين أضيء الكوخ بأكمله، ثم ظهرت لها سانتا ريتا. كان ضوءً غريبا، كما قالوا. ( وكان مثل ضوء رأيته ذات ليلة في مدينة كايمينو، يسمونه الضوء البارد). وقفت سانتا ريتا ـ نوعا ما ـ  في الهواء، ونظرت إليها بأعذب نظرة رأتها المرأة العجوز في حياتها الملعونة. قالوا بأن المرأة العجوز ذكرت بأنها كانت ترتدي ملابس الراهبات وتحمل باقة من الزهر بين يديها. قالوا أيضا بأن المرأة العجوز قالت بأنها أجمل بكثير من تلك الصورة التي رأيتها أنا وتحتفظ بها المرأة العجوز تحت وسادتها. كان ذلك عندما حلّ عليها الوحي.

   ” سيرافينا”، قالت سانتا ريتا، ” اختارك الله القدير لتشفي كل الأمراض”. تلك كانت كلماتها كما قالوا. أو على الأقل هذا ما قالته المرأة العجوز.

  لذلك قبل بدء النهار، أخرجت كلّ خنازيرها وجثت على ركبتيها، تحدّق في القمر وتصلي لجميع القديسين مرة واحدة. عندما حلّ النهار رآها شاب وقال بأنه لم يرَ أبشع من ذلك المنظر في حياته. قال بأنه لم يفكر أبدا بأن يكون جلدها بهذا الارتخاء. وقال بأنها كانت تُسقط سطلها في الماء وترشّ جسدها كله. بقيت على هذه الحال إلى ما بعد الظهر، حين أرجعوا لها خنازيرها ظانّين أنها قد فقدتها، وأنها جنّت كذلك.

  حسنا، في اليوم التالي جاء تالينو وجينيروسا لرؤيتي. وعندما وصلا كنت قد حلبت البقرة، وأضفت الماء للحليب، عبأت الزجاجات ووضعتها في الخرج. أقاما الدنيا وأقعداها وأجبراني أخيرا أن أترجّل. ثم أخبراني بكل شيء تماما كما حدث  “حلّ الوحي على سيرافينا” ،  قالا سوية .

 حتى ذلك الوقت لم أكن أدري لماذا جاء تالينو وجينيروسا. توقفا في مكانيهما لدقيقة، ثم تحدثا من عشر إلى اثنتي عشرة  جملة. أخيرا أخبراني.

  ” لقد شَفت حالتين”، أخبراني سوية، ” بالماء المقدس الذي أعطته إياها سانتا ريتا”.

  ثم حدّثاني عن الطفلة. لكنني لا زلت أجهل من أجل ماذا جاء تالينو وجينيروسا.

 ” تاتيكا مريضة، أليس كذلك؟” قالا سوية.

  عندئذ عرفت سبب مجيء تالينو وجينيروسا. التقطت الطفلة، امتطيت الدّابة، ووضعتها أمامي وغادرتهما.

 كانت سيرافينا تجلس على كرسي المرحاض بفستانها المرتفع عن عورتها ( وكان منظرا بشعا، يمكنني القول). كان بجانبها سطل ماء وكانت تغسل وركيها. لم أرَ أناسا كثرا حولها بعد.

  ” صباح الخير، سيرافينا”. قلت.

  تنظر إلي سيرافينا بتمعّن ولا تقول شيئا. تستمر بغطس يدها في سطل الماء وتتابع غسل وركيها، ثم في اللحظة التالية تنهض وتذهب وتسقط على ركبتيها، ثم ترفع رأسها وذراعيها وتبقى كذلك محدّقة تماما في السماء ولا تقول شيئا. ثم تذهب في غيبوبة.

 وهكذا أركب فوق الدابّة وأرفع الطفلة أمامي وأتوجه إلى البيت. ثم يجيء أحدهم راكضا خلفي ويقول: لا تكن أحمق، ما يحدث الآن أن النشوة تستحوذ عليها. وهذا يحدث فقط عندما تستطيع شفاء الطفلة لي. أعود فأنظر إلى الطفلة، إنها شاحبة جدا، فأستدير وأعود راجعا.

 لا تزال سيرافينا على ركبتيها، وهي تؤدي الآن صلاة بأعلى ما يسمح به صوتها الضعيف الحاد. ( ولا يزال منظرها بشعا، أقول لكم). ثم أترجّل وأُنزل الطفلة. وبعد ذلك أتوجه إلى المرأة العجوز.

   ” صباح الخير، سيرافينا”. أقول.

 لا تلاحظني المرأة العجوز وتتابع كما سبق. ثم أنظر إليها وأرى كم هي بشعة. لم أنظر إليها بتمعّن من قبل. وجهها مغطّى ببقع صغيرة منتفخة تماما كالكدمات المزرقة. بركوعها على ركبتيها، تبدو ممتلئة الجسم أكثر مما تستطيع تخيلها. فكّت رباط شعرها الذي يصل إلى خصرها. إنه شعر جاف وينزل باستقامة. لا يمكنها أن تكون أبشع من ذلك.

 ثمّ تنهض سيرافينا وتقف محدّقة بي، ثم تحمل الطفلة وتدخلها كوخها. لذلك تُركت أنا خارجا لبعض الوقت، منتظرا حتى تنتهي، ثم أخبروني بالشيء الثاني الذي قالته لها سانتا ريتا. يقولون بأنها تقول إن سانتا ريتا أخبرتها بأنها روح طاهرة وإنها اختيرت لتشفي كلّ الأمراض. ويقولون بأنها تقول إن سانتا ريتا أخبرتها أن تدع الخنازير تذهب وتغتسل عشر مرات في الجدول حتى تتخلص من الأرواح الشريرة التي بداخلها. ويقولون بأن سانتا ريتا باركت المياه  بعد ذلك والتي تحتفظ بها داخل الكوخ، لتشفي كل مسيحي من أمراضه. وهكذا بدأت أصدق أن هذا الوحي حقيقي، لأن المرأة العجوز أبقت على حياتها بواسطة هذه الخنازير وكانت دائما، في الحقيقة، تخاف كثيرا من استحمامها.

  وهكذا بعد قليل تخرج المرأة العجوز ومعها الطفلة. تعطيها لي وتقول بأنها قد شفيت . ويجعلني هذا أستغرب قليلا كيف يمكن أن تكون قد شفتها دون أن تعرف حتى ما أصابها. ثم أعتلي دابتي وأحمل الطفلة وأتوجه إلى البيت.  حسنا  لم تلوّث الطفلة نفسها في تلك الليلة وهكذا آمنت فعلا أن قصة الوحي هذه حقيقية.

 أتوجه إلى المدينة مبكرا جدا في اليوم التالي، وأول شيء أقوم بعمله أن أذهب إلى الكاهن وأخبره بالقصة. أخبره أن الطفلة كانت مصابة بإسهال أخافني حدّ الموت، وأن المرأة العجوز شفتها مباشرة في المكان نفسه. كان هذا عندما أخبرني الكاهن بأنها معجزة وأن عليّ إخبار الجميع بهذا.

  ” يا بني”، يقول، “أمتأكد أنها تفعل ذلك بوحي من سانتا ريتا؟”.

  ” متأكد تماما، يا أبتِ”. أقول.

   ثم يبدأ الكاهن التحديق إليّ بعينيه الزرقاوين الصغيرتين اللتين ستتعفنان تحت الأرض ذات يوم، واللتين تتعذّر رؤيتهما من خلال نظارته الداكنة.

  ” يا بني”، يقول ” لا تخبر أحدا بأنك تحدّثت معي”.

  ” بالتأكيد لن أفعل، يا أبتِ”. أقول له.

  وهكذا أُخبر الجميع بالأمر في ذلك اليوم. ولكن أحدا لا يعيرني أيّ اهتمام، لا أعرف لماذا. ثم أبدأ بإخبار الناس بأن الكاهن نفسه هو الذي أخبرني بأن الأمر كان معجزة. وهكذا منذ ذلك الوقت بدأ الناس يدركون وجود سيرافينا رينوزو.

   حسنا، بعد ثلاثة أيام أذهب إلى المدينة وأسمع هرجا مخيفا في كوخ المرأة العجوز. أرى أناسا كثيرين يتجمعون هناك،  وأرى سيرافينا في وسطهم ( أستطيع رؤية ذلك الآن بوضوح وكأنني أمرّ راكبا من هناك). تملأ المرأة العجوز سطلها بالماء وتسكبه فوق الفتاة. تفعل ذلك مرة، مرتين وثلاث مرات. ترتجف الفتاة من رأسها حتى أخمص قدميها، ولكنها تدعهم يسكبون الماء فوقها.

   ثم أتوقف وأسأل أحدهم عن مشكلة الفتاة. يخبرني الرجل بأنها مصابة بداء السل. أنظر إلى الفتاة ثانية وأرى أنها لا زالت ترتجف. وأسأل الرجل ثانية في ما إذا كانت المياه ضارّة لها في مثل هذا الجو البارد. يخبرني الرجل بأن الماء هو ماء مقدس، ولن يؤذيها.

 لذلك في تلك الليلة، بعد أن سلّمت الحليب, وفي طريق عودتي أسمع هياجا آخر في كوخ المرأة العجوز. الآن إنه ولد زنجي صغير قد عُري تماما, والمرأة العجوز تفعل به مثلما فعلت بالفتاة. أسأل أحدهم ماذا حصل للفتاة.

  ” ليس للفتاة أي أمل بالشفاء” يخبرني.

 وهكذا كثير من المرضى كانوا يموتون على يدي المرأة العجوز ( لا أستطيع أن أفهم لماذا يأتي مزيد من الناس كلّ يوم لاستشارتها !). في ذلك الوقت لم يكن الطابور يمتدّ متصلا  مع الطريق حتى بيتي. ولكن على أية حال، كان هناك عدد كافٍ من الناس.

  كان ذلك حين وصل الرجل الذي يدعو نفسه  شوكو ويدعونه هم باتروشينو. أحضر كومة صناديق ملأى  بقوارير مع صور صغيرة لسانتا ريتا، مكتوب عليها عبارات مثل هذه:

 هذا هو الماء المقدس

 هدية ريتا المباركة

 بها أشفي كلّ الأمراض

 وأرفع كل عبء.

    لذا أعقد اتفاقا معه وأسمح له بتعبئة قواريره من الجدول، وهذا يكسبني نصف بيزو يوميا. يأخذها ويذهب إلى نهاية الطابور ويخبر الناس بأن المرأة العجوز لا تستطيع رؤيتهم جميعا. ثم يريهم القوارير، ويخبرهم بأنهم إذا ما شربوا هذا الماء المقدس فإن كلّ أمراضهم ستشفى. يشتري الناس قواريره بنصف بيزو لكل قارورة. ثم يكرعونها مرة واحدة ويركعون على الأرض، ويبدأون الصلاة لجميع القديسين.

   حسنا، كان الجدول في ذلك الوقت من السنة مليئا بروث الحيوانات، وأصيب الناس بأبشع  حالات اسهال ممكنة. وعلى الرغم من ذلك استمروا في المجيء وامتد رتل الناس تقريبا حتى المنزل. وهذه كانت بداية المشكلة بالنسبة لي. فقضية سيرافينا رينوزو قد انعكست بشكل سيء عليّ منذ تلك اللحظة.

في الصباح الباكر، أمسكتُ صبيّا يرضع من ضرع البقرة، هجمت  نحوه بالعصا وبينما كنت مستمرا في ضربه، اختطف شخص ضخم العصا من يدي وظلّ يضربني إلى أن دخلت بيتي. بعد ليلة أو ليلتين حلبوا بقرتي حتى جفّ ضرعها متذرّعين بأن المرأة العجوز لم تأكل شيئا منذ يومين. بعد ذلك قتلوا الدابة وأكلوها في ما بينهم. ثمّ حلّ الأمر التالي:

 عندما وصل جواراشا كان الوقت مساءا تقريبا. وصل ومعه أهله وكلّ شيء. رأيت شاحنته القديمة المحطّمة وهو يسوقها مارا من هنا، ورأيتهم ينزلون حمولتهم من قماش القنب والأسرّة والفتيات. خرجت وركضت لأرى. كان جواراشا والرجال الثلاثة الآخرون قد بدأوا للتو. حفروا الحفر وثبّتوا الأوتاد وعلّقوا قماش القنب. صنعوا أجمل بيت يمكنك تخيّله. ثم وضعوا الأسرّة والفتيات في الداخل. نظرت جيدا إلى الفتيات. كنّ ثلاثا وكأنهن متشابهات. لم يكنّ حقّا متشابهات. ولكنهن أُلبسن ثيابا متشابهة، وكأنهن ثلاثة توائم.

   تركوني في سلام حتى هذه اللحظة. ولكن جاء مزيد من الناس ونصبوا مناصب ليقدّموا الطعام عليها. جاءت مجموعة أخرى ومعها ألعاب الدومينو واليانصيب، فأمضوا الليل يقامرون، الأمر الذي كان مخالفا للقانون. كانت هذه المجموعة تكسب كل الوقت تقريبا، وعندما انتهت اللعبة دخلوا خيمة جواراشا. يقولون بأن أفراد هذه المجموعة قد قالوا بأن لديهم تصريحا خاصا من رئيس الشرطة.

  حسنا، أحيوا حفلة راقصة طوال تلك الليلة. ( واستمر الناس في الموت يوميا طيلة ذلك الوقت. ولكنهم تابعوا الوصول، وبعضهم أحضر معه خياما تشبه خيمة جواراشا ).

  ورجع أيضا ذاك الشخص الذي يدعو نفسه شوكو ويدعونه باتروشينو، بقواريره وكلّ ما يتبع. ويبدأ الناس في الركض حوله، ويبدأ صفّ جديد معاكس للطابور، وتبدأ امرأة عجوز في البصق على زنجي. ثم عندما يكون كل شيء قد استقر، يقف أحدهم وراء طاولة اليانصيب ويأخذ في القرع عليها بقبضته.

  ” أنت تغش، أقول لك”، يقول.

 ثم يرمي الرجل الآخر كيس الكرات ويصيب إحدى الشمعات ويبدآن العراك. ولا يلحظ أحد ، وسط ذاك الهياج، أن الشمعة قد وصلت القماش وأشعلته. خلال ثوان قليلة كان الجميع يركضون هنا وهناك. ويصرخون بأعلى أصواتهم، وكانت النار ترتفع أعلى فأعلى.  ثم هربت الفتيات الثلاث إلى الخارج نصف عاريات وأحدهم وراءهن يرفع بنطاله. ثم يركض جواراشا خلفه وعندما يمسك به يخبره بأن عليه أن يدفع، ويدفعه الرجل ويتابع الركض رافعا بنطاله.

  ولكن حتى هذه اللحظة لم تصل النار كوخ سيرافينا رينوزو. ( لم يستطع الناس فهم ما الذي جعل كلّ شيء ساطع جدا). عندما يلحظون ذلك بالفعل ينفجر هياج شديد ويختطف أحدهم سطل  المرأة العجوز ويركض بالاتجاه الذي يقولون إن فيه النار. يدلق سطل الماء عليها، ويقف منتظرا أن يُطفئ الماء المقدس تلك النار. وبعد ذلك  يقف كل واحد منهم في مكانه منتظرا أن يطفئ الماء المقدس تلك النار. ما عدا المرأة العجوز التي  تصرخ بأعلى ما يسمح به صوتها الضعيف بأن ذلك تدنيس للمقدسات وبأن سانتا ريتا ستجعلهم يدفعون الثمن.

 لكن ماء سانتا ريتا المقدس لم يطفئ النار إطلاقا. ثم ينفجر الهياج من جديد، وكل واحد يدور راكضا، ويقفز كل من يقدر على ذلك في الجدول. ما عدا المرأة العجوز التي تتابع صراخها بأعلى ما يسمح به صوتها الضعيف. ثم يقترب اللهب وتركض خارجة أيضا وتقفز أيضا في الجدول. وهكذا في النهاية تنطفئ النار من تلقاء ذاتها بعدما أتت على كل شيء في طريقها.

 ثم عندما ينتهي كل شيء، يأتي رئيس الشرطة مع حارس المنطقة ويأخذ الجميع إلى المدينة. يطلقون سراح جواراشا أولا. ثم الشخص المدعو شوكو ويدعونه باتروشينو. ثم يتذكر أحدهم أنني أول من ذكر شيئا عن المعجزة. وأُخبر رئيس الشرطة بأن الكاهن هو من أخبرني أن أقول هكذا. ثم يخبرهم رئيس الشرطة بأن يحضروا الكاهن ليراه، وألاحظ هذه المرة بأنه لم ينظر إلي بعينيه الزرقاوين الصغيرتين اللتين ستتعفنان في الأرض ذات يوم واللتين تتعذر رؤيتهما من خلال نظارته الداكنة.

 ” يا بني” يقول لي ” لا يقول الكاهن شيئا كهذا أبدا”.

  ” هل أنت متأكد تماما، يا أبتِ؟ ” أقول.

        ويتابع رئيس الشرطة نظرته القاسية إلي، ومن ثم يخطو الكاهن خطوة قصيرة باتجاهي وألاحظ أنه لا ينظر إلي بعينيه الزرقاوين الصغيرتين اللتين ستتعفنان في الأرض ذات يوم واللتين تتعذر رؤيتهما من خلال نظارته الداكنة. ” يا بني” يقول ” كيف تستطيع اختراع قصص سخيفة كهذه؟”.

  وبما أنني لم أفهم ملاحظته الأخيرة جيدا، بقيت صامتا ولم أفه بشيء آخر.

          *******************************************************

لويس آغويرو  : ترك دراسته الجامعية عندما أغلق باتيستا جامعة هافانا إبان مظاهرات الطلبة لانخراطهم في الثورة الكوبية. عمل كصحفي وناقد منذ الثورة. صدرت مجموعته القصصية التي اختيرت منها هذه القصة العام 1962  وهو في الرابعة والعشرين من العمر.

  ***************************************************************************

شاهد أيضاً

سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في أبوظبي للكتاب

(ثقافات) سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في جناح مؤسسة العويس بمعرض أبوظبي للكتاب   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *