بعيدا عن سراب المدينة

(ثقافات)

بعيدا عن سراب المدينة

البشير عبيد

 

قبل مجيء امراة النور إلى المكان
المتاخم للضباب
كان الرجل الجسور يعبر الجسر
العتيق
يسير وحيداً بعيدا عن بهاء الرخام
الجندي الجريح يسال عن وجاهة
المعركة
هنا التقى المتخاصمان
السيف و الوردة
العاشق و العشيقة الباحثة عن عناق
لن يجيء
كم من الوقت يكفي لانتظار المدد
حروب هنا في الشرق القديم
و لا أحد يعرف متى يتلى البيان الأخير
امي التي اسمها آمنة تقول لي فجر كل يوم:
كن بعيدا عن سراب المدينة
كن قريباً من بهاء الكلام
حبرك الذهبي هو السند
حين يغيب عن البلد الرجل الجسور
كيف نسيت صوت فيروز و مارسيل
و لم تذهب سريعا إلى خيام العابرين
لا تخف من صلف الرعاع
صوتك العالي صادم للقابعين في الظلام
صمتك أعلى و اعلى من ضجيجهم
في المقاهي

قادماً من مدن الثلج و الرماد
تراه العيون لا يهاب لهيب العاصفة
ربما ارتوى من ماء الاساطير
و اخذته خطاه إلى ينابيع الرؤى
فجأة يباغت حارس المقبرة بالسؤال:
لماذا يخافون من الاتي…..؟
و اجسادهم غارقة في مياه الخوف
هنا التقى الصوت و الصدى
الرحيل و البقاء
الذهول و الانكسار
رخام القصور و ذاكرة الانين
أطفال التخوم و اللافتات

صوت خفي يخرج من الاسوار
و النشيد الذي تنشده الحناجر
لا تردده الافواه الباهتة
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
هنا بلاد و أحفاد و رايات
هنا امي تطعمني حليب الانحياز
صبيحة كل يوم تقول لي:
لا تخف من غيوم المكان القصي
ليس لك من سبيل سوى الرحيل
إلى بهاء الكلام
حرفك الذهبي هو البوصلة
و اخضرار الجسد العليل
قبل ذهاب أولاد القرى الى الينابيع
خذ ما تبقي من ثمرات الفصول
و الاغنيات العتيقة

امي لا تنام على رصبف الخوف
تقول لي فجر كل يوم:
أكتب يا ولدي و لا تلتفت للرعاع
صمتك أبهى من ضجبج القطيع
لا تخف من زيف هذا الزمن اللعين
أكتب ورقاتك الحبلى بالبهاء
ففي البدء كانت العاصفة
معك الله و ذاكرة الأيام و انفتاح الحبر
على الاسوار
هنا بيادر و دفاتر و صيحات الحناجر
هنا تخرج الاصوات من النفق القديم
و ترفع الرايات قبل الغروب
لنا ما ابقته الفصول
من ثمرات و حكم الاجداد
و لهم ضجيج الازقة و تيه المرحلة

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *