عن المدينة والسد..!


بسام جميل *

( ثقافات )

نعيم . هيا احمل ما استطعت وانطلق قبل أن يدركنا الفجر , سنعود ليلاً لترتيب ما تبقى .
.إذا لم نجلب معنا المزيد فلن يصمد السد للغد؟! قال
– يؤلمني ظهري ولم نبدأ العمل بعد , دعك من هذا ..
حمل ما استطاع وتبعه زميله لبلوغ ورشة البناء المتواضعة في مسار النهر العلوي, الطريق طويل ومتعرج الصعوبة , ساعتان ونصف من الارتجاج العقلي والمعوي أثار سخط بعض العمال الجدد , لم يعتادوا الأمر بعد, وصلت الشاحنة المنهكة اصلاً بعجز عمرها وشيخوختها ترجل العمال ومعهم بدأ الغبار الذي خلفته بالهبوط ,بعض السعال لا يضر في اليوم الأول ايها المبتدأ


 , – لا بأس – يقول رئيس الورشة لعامل يحضر لأول مرة .
سار الجميع كل الى موقعه ، بعضهم نشيط منطلق ، وآخر تأفف حتى من لون الماء , السرعة مطلوبة لانجاز الاصلاحات ، فمنذ يومين اثنين تعرض السد لبعض التصدعات على أثر ارتداد زلزال ضرب مدينة مجاورة ,القلق باد على وجه عمدة المدينة حين أقر التعجل بالصيانة ، فهو وحده من يعلم أن الأمر خطير ، ولا يجب السكوت عنه, هذا ما تناقله بعض المقربين منه ، لكنهم يتحفظون خوفاً من أثارة الذعر بين السكان .

بدأت الورشة عملها المتأخر بفتور وكسل حتى بلغوا وقت الظهيرة ، الفترة المخصصة للراحة وتناول ” الكلام ” الطعام ! , حينها ستهدأ الآلات البالية وتصمت لوقت قليل .



يصير صوت النهر الهارب من مسارات السد أكثر وضوحاً وربما هيبة لمن أدرك قوته وحضوره , في القرية اسفل يمين السد , فهم البعض من العقلاء أن حضور ورشات لأعلى السد يعني مشاكل وخطر قادم , فهم على دراية بالزلزال القريب وأخباره التي تناقلتها بعض القرى المجاورة حاولوا أن يصلوا لعمدة المدينة , يأخذوا العلم بالأمر فيكونوا على أستعداد للمتوقع في حالاته الاسوأ ! , أفلح بعضهم بالوصول لكن كل التطمينات والتأكيدات التي قدمها لهم ماان استقرت في سمعهم حتى غادرته سريعا .



انطلق ناقوس الخطر في موقع البناء , أحد الشقوق توسع بشكل مفاجئ فأطلق العنان لمزيد من الماء الهادر بخروحه غير المنضبط, فتسقط بعض القطع الاسمنتية الكبيرة باتجاه القرية الامنة ,الفزع باد على وجوه العمال المشرفين بمن فيهم المهندس الذي تعهد الصيانة ,في غمار تخبطهم .
سمع صراخه المتبادل مع احد المشرفين وهما يتبادلان تهم التقصير بما فيها المهل والمواد المستخدمة ، وجودتها ونوعيتها ,أحدهم كان يختلس مؤن السد من الحديد المسلح ، ويكتفي بالنوع الاقل متانة وجودة , لم يسمع العمال ما يمكنهم الفهم في مثل ازمة كهذه . وضجيج يعلو في الموقع الابتعاد عنه في حالات كهذه هو الأكثر سلامة حتى يجد المسؤولون مخرجا مطمئنا .



توجه المهندس لعربته لاجراء الاتصالات مع العمدة ورؤسائه في الشركة لاخبارهم بصورة ما حصل وما المتوقع حصوله ، وينتظر الأمر بالخطوة التالية . بعد ساعات قليلة من الانتظار والكثير من الخسائر في مجرى النهر وتضرر بعض القرى بشكل جزئي ,فوصل قرار بالاغلاق الفوري للموقع !!
في تلك القرى قرر العمدة أن يعلن النفير العام ليضبط الفوضى التي لابد وتصل المدينة , رفعت حالة الاستعداد بأقصى صورة ، فبدأت تبنى السدود و المتاريس الصغيرة في كل مكان حول مداخل المدينة لتصل الطرقات الرئيسية والفرعية .
السد على حاله . يهدر الماء في جوفه , تتحطم الكتل الاسمنتية بتتابع , لا ورشة صيانة في الموقع .


هل ستصمد المدينة . ؟!


* قاص من سوريا

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *