الجوائز العربية والاحتيال الأدبي
سليمان المعمري
أعادني مقال الكاتب محمد هديب في صحيفة “العربي الجديد” منذ يومين إلى تاريخ عربي غير مشرّف في الاحتيال الأدبي، ساهمت فيه عوامل عدة من ضمنها تكاثر الجوائز العربية (لا سيما في الرواية)، وحرص كثير من الكتاب بالطبع على المشاركة فيها، حتى أولئك الذين لم تتوافر لديهم نصوص مناسبة أو مؤهلة حتى لمجرد التسابق على جائزة.
يفتتح هديب مقاله بتساؤل مهم: “هل تدعم المؤسسات الثقافية العربية التي تقيم المسابقات، وتمنح الجوائز، حِيَلَ المحتالين وسرقات السارقين؟”، وقبل أن يترك لنا الفرصة للتفكير في الإجابة يجيب بنفسه على الفور: “بالتأكيد لا. لكنّها تفعل ما هو أسوأ: إنها توفر العتمة المطلوبة لهؤلاء”. ويضرب مثالًا بكاتب مصري لم يغيّر سوى العنوان كي يفوز بجائزتين عن الكتاب نفسه. هذا الكاتب فاز في أكتوبر من عام 2017 بجائزة “كتارا” القطرية في فئة رواية الفتيان عن روايته “جبل الخرافات”، وفي مارس من العام التالي (2018)، أي بعد خمسة أشهر فقط من فوزه بجائزة “كتارا”، فاز الكاتب نفسه بجائزة مصطفى عزوز لأدب الطفل في تونس عن روايته نفسها بعد أن غيّر عنوانها إلى “لا فائدة”!.
المحزن في هذا المثال الذي سرده هديب ليس أن كتابًا كهذا يمرّ بسهولة على لجنة التحكيم، فهذا أمر وارد، ومن الصعب أصلًا أن يكتشف المحكمون حيلة جهنمية كهذه، وإنما المحزن أن القائمين على جائزة مصطفى عزوز بعد أن اكتُشِفَ الأمر وافتُضح الاحتيال لم يكن لهم أية ردة فعل تصحيحية، كتقديم اعتذار مثلًا، أو سحب الجائزة التي لم يلتزم الكاتب بواحد من أهم شروطها، وهو أن يكون العمل غير منشور سابقًا، وغير حاصل على أيّ جائزة أدبية.
أمرٌ مماثل حصل في سلطنة عُمان قبل ستة عشر عاما، عندما أُعلِن عام 2006 فوز كاتب شاب بجائزة مسابقة المنتدى الأدبي للقصة القصيرة عن قصة “حتى إشعار آخر” للمرحوم عبدالعزيز الفارسي، التي لم يغير منها السارق الذي نسبها لنفسه سوى العنوان!، وعندما ووجه رئيس المنتدى آنئذ حاول في البداية التبرير للكاتب السارق، ثم رضخ للمطالبات بمعاقبته لا بسحب الجائزة منه أو شطبها من سجل المنتدى، كما هو مفترض في مثل هذه الحالات، وكما أوصت بذلك لجنة التحكيم بعد أن اجتمعت مجدّدًا بعد إعلان السرقة، وإنما فقط بمنع مشاركة الكاتب السارق في مسابقة المنتدى للعامين القادمين!، وهو العقاب الذي وصفه الكاتب هلال البادي في مقال له عن هذه الحادثة بأنه “أشدّ وطأة من فعل السرقة ذاته، إذ أنه يبيح لأي أحد أن يفعل الفعل مجددًا ما دام سينجو”.
إن عدم التصرف بحزم من قبل المؤسسات الثقافية العربية تجاه هؤلاء السارقين يعزوه هديب في مقاله الذي أشرتُ إليه إلى أن “القيّمين على المؤسّسة لا يريدون أي تشويش يشكّك في أهلية الجائزة ومستواها الرفيع. يريدون للموكب أن يمضي دون حوادث سير”، دون أن ينتبهوا للأسف أن فعل السرقة نفسه هو حادث السير الشنيع.
غير أن الصورة ليست قاتمة دائما، وكما أوردتُ مثالين على سوء تصرّف المؤسسات الثقافية تجاه السرقة والاحتيال الأدبي، فإنني سأُورِد في المقابل مثالين على حسن التصرف تجاه هذا الاحتيال. الأول حدث في أكتوبر من عام 2010 عندما سحبت إدارة جائزة الشيخ زايد للكتاب جائزة دورتها الرابعة لفرع الآداب التي كانت قد منحتها قبل سبعة أشهر لباحث جزائري عن كتابه “مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن” بعد أن كشف الناقد المصري عبدالله السمطي عن أن هذا الكتاب الفائز يحتوي على عدد كبير من الصفحات والفقرات المسروقة من كتب نقدية عربية ومترجمة أبرزها كتاب “النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية” لعبدالله الغذامي، و”دليل الناقد الأدبي” لميجان الرويلي وسعد البازعي، و”الثقافة العربية وعصر المعلومات” لنبيل علي، و”دفاعا عن إدوارد سعيد” لفخري صالح وغيرها من الكتب، والطريف أن الناقد عبدالله الغذامي أحد أكثر المسروقين في كتاب الباحث الجزائري، كان حينئذ ضمن اللجنة الاستشارية لجائزة الشيخ زايد التي صادقتْ على فوز الكتاب المسروق!.
الموقف الثاني الذي يحسب للمؤسسات الثقافية العربية حدث عام 2016، عندما سحبت إدارة جائزة “كتارا” القطرية جائزة كانت قد منحتها لروائي يمني اتضح أنه قد نشر محتوى روايته “ملكة الجبال العالية” التي شارك بها عن فئة “الروايات غير المنشورة” تحت عنوان آخر هو “مسامرة الموتى”.
يبقى أن أقول إن الجوائز الثقافية مهمة، ولها دور كبير في تنشيط الحركة الثقافية والأدبية، وهي مسؤولية يجب أن تنبري لها المؤسسات الثقافية، فهذا واجبها، غير أن تكاثر هذه الجوائز في منطقتنا العربية، وازدياد عدد المشاركين فيها، يجعل من المسؤولية مضاعفة على هذه المؤسسات، للانتباه للسرقات والاحتيال الأدبي، أو على الأقل في حال وقع المحظور تصحيح الوضع لا التستر عليه.
مرتبط
إقرأ أيضاً
-
المرأة العربية في الغرب*إيزابيللا كاميراعندما يقترب يوم 8 مارس/آذار من كلّ عام، حيث الاحتفال بيوم المرأة، تصلني طلبات…
-