النّحّات الدكتور كُرام النمري: تجربة إبداعيّة لافتة

(ثقافات)

 

النّحّات الدكتور كُرام النمري: تجربة إبداعيّة لافتة

مجدي دعيبس

 

حضرتُ قبل أيام أمسية لطيفة في منتدى الروّاد الكبار- ضمن برنامج مبدع وتجربة- والتي خُصّصت للاحتفاء بتجربة الفنان والنحّات كُرام النمري، وبإدارة المستشارة الثقافية للمنتدى القاصة سحر ملص.

شارَكَنا الدكتور كرام ذكرياته في التلفزيون الأردني في سبعينيّات القرن الماضي، حيث عمل لفترة قبل التّوجّه للدراسات العليا من ماجستير ودكتوراة في أمريكا. ما أثار اهتمامي في الندوة هي السيرة الذّاتيّة للمحتفى به وهذا التّنوّع الثقافي والأكاديمي والمهني والفني؛ فمن الحصن إلى دمشق إلى عمان إلى أمريكا إلى الجامعة الأردنية التي عمل فيها أكاديميًّا محمّلًا بخسارات جيل وتطلّعات جيل آخر، ومؤثرًا بطلّابه المتعطّشين للمعرفة من الفنّانين وغير الفنّانين.

عرض الدكتور المحطّات الرئيسة في مسيرته الفنيّة والمهنيّة وعلّق على بداياته والعمل على تصميم الدّيكور في أعمال مسرحيّة مهمّة قُدّمت في السبعينات، ثم تطرّق لأهم المنحوتات وقدّم ما يشبه شهادة إبداعية لبعض أعماله شملت الظروف المرافقة وبداية تشكّل الفكرة وتطوّرها لتحمل أبعادًا ثقافيّة وإنسانية تعكس ذات النحّات بما فيها من حساسية تجاه الجمال والفن وارتباطهما بالبيئة والحاضر والماضي والمستقبل. لستُ متأكدًا إن كان ما ذكره الدكتور في هذه الشهادات الإبداعيّة موثّقًا في كتاب ما، ليس من باب إلغاء دور المتلقّي في تفسير العمل بالأدوات المتوفرة لديه من ثقافة ورؤية جماليّة ولكن حفظًا لكل المعلومات حول هذه الأعمال التي ستتحول إلى إرث فني كبير في قادم الأيام.

خلال العرض التقديمي أشار الدكتور إلى النظرة المتحفّظة لفن النحت وقال بصريح العبارة:  «المنحوتة بقيمتها الجماليّة والمعرفيّة ليست حرامًا، ولكن الشرك بالله هو الحرام». وهذا أمر غاية في الأهميّة، فالانفتاح على الفنون بأطيافها المختلفة مع الحفاظ على الخصوصيّة الثقافيّة والحضاريّة من أسباب نهضة أي أمّة.

وعلى هامش تنمية التّذوّق الفني للمنحوتة وتشجيع النقد الانطباعي البسيط، فقد رأيتُ أطفالًا دون العاشرة يقفون إلى جوار أهلهم متأمّلين بصمت بديع منحوتة أو تمثال ما في متحف أوروبي معروف. لا أريد لهذا المنشور أو المقال أن يتحوّل لشيء من جلد الذات، لكنّني -وليكن على الصعيد الشخصي- أشعر بالتقصير في تنشئة الأولاد للنظر إلى هذه الفنون ومنها النحت بمزيد من الجدّية والتقدير والاهتمام. السؤال الذي يتبادر إلى ذهني الآن: لماذا لا يكون للمدرسة دور في هذا الأمر، على الأقل في النشاطات غير المنهجيّة؟ والخيارات في هذا المضمار كثيرة؛ مثل إقامة معرض منحوتات في المدارس الكبيرة التي فيها قاعات عرض مناسبة، أو استضافة نحّات في مدرسة ثانويّة ليقدّم شهادة إبداعية حول تجربته. هناك أشياء كثيرة يمكن أن نقوم بها دون أن تجهد موازنة الدولة، لكنها تحتاج جرأة التفكير وجرأة القرار وجرأة التغيير. عندما اقترح غاليليو أنّ الأرض كرويّة الشكل أجبروه على تجرّع السّم، لكن هذا لم يؤثر على كرويّة الأرض في نهاية المطاف. وربّما يكون موضوع النحت قد وُضع في خانة الفلسفة واستبعد من المدارس لأسباب غير مفهومة.

السؤال الآخر الذي تبادر إلى ذهني يتعلّق بموضوع صيانة المنحوتات المعروضة في الأماكن العامة مثل منحوتة الرّقاع عند الجامعة الأردنيّة، أو منحوتة صلاح الدين الأيوبي ممتطيًّا صهوة جواده في الكرك. ما أعرفة بثقافتي المحدودة في هذا الأمر أنّ عوامل الطقس والمناخ تؤثر في المادة التي شكّلت المنحوتة مهما كانت مواصفاتها؛ فقد يتغيّر لونها أو ملمسها أو صلابتها مع تقدم الزمن وبالتالي تحتاج لأعمال صيانة دوريّة متخصّصة من قبل أناس مؤهلين لهذا العمل، وقد رأيت موظفًا يقف إلى جوار لوحة الموناليزا طوال النهار بابتسامة كبيرة ليذكّر الزوّار بممنوعيّة التصوير ومشيرًا إلى الملاحظة المعلّقة على الجدار التي توضّح أنّ الفلاش يؤثر على اللوحة. وربّما تكون الصيانة من واجب البلديّات التي لديها على الأغلب خطة واضحة بهذا الصدد.

تحية للدكتور كُرام على هذا الشغف وعلى هذه الحساسيّة الفنيّة العالية..

شاهد أيضاً

سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في أبوظبي للكتاب

(ثقافات) سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في جناح مؤسسة العويس بمعرض أبوظبي للكتاب   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *