الرحالة العربي (ابن فضلان) مصدر إلهام في هوليوود عبر فيلم
The Northman
*سهير عبد الحميد
صرح صناع الفيلم الأميركي ” The Northman ” أو رجل الشمال ، أنهم اقتبسوا كل المعلومات التاريخية حول حضارة الفايكنج في القرن العاشر الميلادي حيث تدور أحداث الفيلم ، من رسالة الرحالة العربي “ابن فضلان ” التي تعد المصدر الوحيد لتلك المعلومات ولا يوجد لها أي بديل عربي أو غربي .
وكان الفيلم الذي يستعرض قصة انتقام أمير الفايكنج لتحقيق العدالة لمقتل والده، قد طرح فى أبريل الماضي في الولايات المتحدة الأميريكية وأخرجه “روبرت إغرز” وشاركت في بطولته نيكول كيدمان ،ووصلت إيرادته حتى أيام مضت إلى ٦٣ مليون دولار .
وأكد صناع العمل أن رسالة “ابن فضلان” تحوى معلومات تاريخية في غاية الدقة عن حياة الناس في تلك الحقبة ومأكلهم ومشربهم ، وطريقة حياتهم ومساكنهم وعاداتهم ، فهى الوحيدة من نوعها حول تاريخ شرق أوربا وصولا إلى القطب الشمالي في القرن العاشر الميلادي ، وهو ما جعلها تنال اهتمام الباحثين خصوصا المستشرقين الروس .
الرحلة
لعب القدر لعبته في أن يسافر الفقيه أحمد بن فضلان أحد أهم علماء الدولة العباسية آنذاك إلى بلاد بعيدة ضمن رحلة رفيعة المستوى بأمر من الخليفة العباسي “المقتدر بالله ” . لكن الفقيه لم يكتف بأن يقوم بدوره المخول به في تعليم البلغار شئون الدين الإسلامي ، فقرر أن يكتب كل ما شاهده في تلك البلاد البعيدة تماما كما فعل رفاعة الطهطاوي الذي أوفد ضمن إحدى بعثات محمد على إماما وفقيها فعاد بمؤلفه تاريخ الإبريز في تلخيص باريز . إلا أن مؤلف ابن فضلان يظل أكثر أهمية لأنه وثيقة تاريخية نادرة عن تاريخ شرق أوربا في تلك الفترة التاريخية البعيدة التي كانت أوربا فيها تسبح في الظلام بينما كانت بغداد قبلة العالم الحضارية .
بدأت الحكاية عندما بعث ملك البلغار “ألمش يلطوار خان ” بطلب إلى الخليفة العباس ” المقتدر بالله” أن يرسل له من يعلم شعبه مبادىء الدين الإسلامي ويبني لهم مسجدا كما طلب منه بناء حصن لحماية بلدهم من غارات “الخرز” وهم من الأتراك الذين كانوا يحتلون السهول الممتدة من جبال القوقاز حتى بحر قزوين . وافق الخليفة العباسي على هذا الطلب فهو سيساعد من جانب على ترسيخ إيمان البلغار ومن جانب آخر سيساهم في تأمين المصالح التجارية لدولة الخلافة عبر التخلص من “الخرز” الذين كانوا يقطعون الطريق بين روسية الشرقية وبغداد .
وأصدر الخليفة أوامره بتجهيز الوفد العباسي برئاسة أربعة أشخاص : سوسن الرس ، تكين التركي ، باريس الصقلابي ، أحمد بن فضلان . يرافقهم مجموعة من الغلمان والمساعدين ، وتالفت القافلة من خمسمائة رجل وثلاثة آلاف دابة
خرجت الرحلة إلى بلاد البلغار يوم الخميس 21 يونيو 921م في رحلة شاقة استغرقت 11 شهرا وطوال الرحلة حرص ابن فضلان على وصف كل البلدان والشعوب التي مروا بها . وتحدث عن بلاد الترك الذين لم يدخلوا في الإسلام بعد ، وعبر عن تقززه مما شاهده فيها من القذارة والأوساخ في المدن والمناطق والقرى وكيف كان يهوله أن يرى النساء إلى جانب الرجال في مناظر مخلة ويفزعه أن يراهن في عري دائم ويخجل منهن ويدعوهن إلى التستر دوما وإذا شاهدهن بغير ثيابهن طار صوابه ونعى على القوم أنهم لا يستنجون من غائط أو بول ولا يغتسلون من جنابة ، وكان يرتجف لسماع أسئلة ملؤها الكفر ، فيستغفر الله لسائله حين يقول : ألربنا امرأة ؟
لكن ابن فضلان يقول إن اللواط كان أمره عظيم لديهم فكانوا يقتلون من يمارسه.
وصف البلغار
عندما وصلت قافلة الوفد العباسي استقبلهم ملك البلغار وذكر ابن فضلان أن الملك دعاهم إلى مأدبة وكان ممنوعا أن يبدأ أحدهم في تناول الطعام إلا إذا قدم الملك لأحدهم لقمة . وقد أبدى ابن فضلان انزعاجه من عدم تجذر تقاليد الإسلام لدى البلغار وسطحية تدينهم ، فكان الرجل إذا مات ورثه أخوه لا ولده وكانوا يعطون المولود للجد دون أبيه ، ويؤكد ابن فضلان في رسالته أنه نبه الملك لكل تلك المخالفات لقوانين الميراث في اٌلإسلام . كما استنكر تبرك البلغار بعواء الكلاب . كما استهجن نزول الرجال مع النساء إلى النهر عراة للاستحمام . “إلا أنهم لا ينون بشكل عام ومن زنى منهم كائنا من كان ، ضربوا له أربعة سكك وشدوا يديه ورجليه إليها وقطعوه بالفأس من رقبته إلى فخذيه وكذلك يفعلون بالمرأة أيضا ، ثم تعلق كل قطعة منه ومنها على شجرة “
الفايكنج
قدم ابن فضلان صورة تفصيلية عن الفايكنج الروسيين فقال إن لهم أجساد طويلة وصفها كأشجار النخيل وعظام خدود عالية بارزة في الوجه ويمتلكون شعرا أشقر وجلدا ورديا ويضعون الكثير من الوشوم من الأظافر حتى الرقبة من ألوان كالأزرق الداكن أو الأخضر الداكن وجميعهم مسلحين بفأس وسكين طويل طوال الوقت . ووصف نساء الفايكنج قائلا إنهن يرتديد مربعات من الحديد او الذهب أو الفضة فوق صدورهن وقيمة المربع تعكس ثروة الزوج كما يرتيدن خواتم للعنق من الذهب والفضة والحلي الثمينة لديهم من الخرز والزجاج الأخضر
وقال ابن فضلان إن ملك الفايكنج له 400 رجل في قصره يجلسون حول عرشه المرصع بالأحجار الكريمة وهم من أشجع الرجال الذين يموتون مع الملك .
قدم ابن فضلان وصفا تفصيليا عن الناس في تلك البلدان فوصفهم بالشقر الحمر أقوياء الأبدان ويلبسون أغطية الرأس لا ينزعونها أبدا إلا إذا مر الملك ، وطعامهم من لحم الخيول ولا يعرفون من الزيوت إلا زيت السمك وبيوت البلغار مصنوعة من الخشب تتسع لعشرة أفراد وربما لعشرين وهى مكشوفة لا خصوصية فيها .
أما عن نظافتهم الشخصية فقد أبدى ابن فضلان استياءه الشديد من انعدامها فقد لمحهم وهم يغسلون وجوههم في طست يمر عليهم بنفس الماء فيخرج أحدهم ما في أنفه وفمه ثم يستعمل الآخر نفس الماء للنظافة .
مصدر إلهام
كانت رسالة ابن فضلان مصدر إلهام مهم للفنانين والروائيين ، فقد رسم الفنان الروسي” سميرادكي ” لوحة بديعة عن الدفن معلقة بأكبر متاحف روسيا في ليينغراد ، بناء على وصف ابن فضلان لطقوس الجنازة عند الروس وكيف تستمر عدة أيام وتتضمن طقوس مختلفة حيث يحرق الرجل مع عدد من الفتيات والجواري وذلك بعد أن يجامع تلك التفيات عدة رجال ثم يتم وضع حبل حول رقبة الفتاة من قبل امرأة تسمى “ملاك الموت” ثم تقوم بطعن الفتاة بخنجر بينما يقوم رجلان آخران بخنقها بالحبل حتى الموت ليحرق جسدها مع سيدها على القارب
ومن وحي رسالة “ابن فضلان ” كتب الروائي والسينمائي الأميركي “ميخائيل كريكتون” رواية “أكلة الموتى” . وعن هذه الرواية وفي عام 1999 انتج فيلم “المحارب الثالث عشر ” الذي قام ببطولته الفنان عمر الشريف وأنتونيو بانديراس “الذي قام بدور ابن فضلان “.
مرتبط