يصادف اليوم الذكرى الثالثة والسبعون لرحيل شاعر الأردن مصطفى وهبي التل، الذي شكل حالة وطنية ناصعة للمثقف الأردني الواعي والملتزم بقضايا الأمة، وأسهم في تشكيل الوجدان الوطني لدى العديد من الأجيال عبر حضوره النوعي الأصيل في الثقافة المحلية والعربية.
وإذ نستذكر هذه القامة الكبيرة والسامقة، في هذا اليوم، فإننا نستعيد ذاكرة الأردن الجمالية والثقافية والوطنية، لترسيخ مفاهيم الوعي والثقافة الأصيلة لدى أجيال من المثقفين الأردنيين الذين يشعلون في كل لحظة شعلة الوعي القومي، الممتدة جذوره إلى شجرة الحضارة العربية، ومناخاتها الحيوية التي ألقت بظلالها الشاسعة على الحضارة الإنسانية، وقدمت إسهامات راقية في الأدب والعلوم والمعرفة، لتصير إلى ما هي عليه اليوم.
وخلال مسيرته، ظل عرار الذي اختير رمزا للثقافة العربية مخلصا لوعيه العروبي والوطني، والبسطاء.
وتتزامن هذه الذكرى مع اختيار إربد، “العاصمة العربية للثقافة”، وهي مهبط رأس الشاعر، وكان لأبنائها قصب السبق في مختلف الساحات الثقافية والتربوية والاجتماعية والسياسية والوطنية.
وجاء اختيار إربد، كعنوان ونموذج للفعل الثقافي المنفتح على الإنسانية والتنوع، الممتدة جذوره إلى تاريخ أرابيلا القديمة والحضارة العربية الإسلامية.
وقالت وزيرة الثقافة هيفاء النجار، في هذه المناسبة، إن عرار كان وما يزال يمثل حالة وطنية عميقة ومتنوعة، فهو سيد من سادة القصيدة العربية، الذي استطاع أن يرتقي بالمفردة المحلية إلى الفضاء العربي.
وأضافت أنه كان من أوائل من ترجم رباعيات الخيام، فضلا عن دراساته المعمقة في التاريخ العربي الإسلامي، ومحاوراته مع القامات الشعرية العربية والسياسية في زمانه.
وأكدت النجار أن اهتمام الوزارة بعرار، ينطلق من أهمية الاهتمام بالرعيل الأول من القامات الوطنية والثقافية ورواد صناعة الثقافة الوطنية والسياسية، الذين نسجوا علاقة جمالية ونضالية مع المكان والزمان في وطنهم العربي الكبير.
ويعد الشاعر عرار من أوائل الشعراء المجدّدين في الساحة العربية؛ ذلك أنه نقل القصيدة من الموضوعات التقليدية إلى القصيدة الحديثة من خلال انفتاحه على معارف الآخرين وثقافاتهم التي توفرت له بإتقانه اللغة التركية والفارسية التي ترجم عنها “رباعيات الخيام”.
ومن خلال اهتمام شاعرنا عرار المولود في إربد عام 1899 بالجوانب الاجتماعية والثقافية، فقد انطوى شعره على مرويات سردية تؤرخ للتحولات التي عاشها الأردن، وتحديدا في حقبة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي التي كان شاهدا عليها من موقعه الرسمي والشعبي.
ومن أبرز المحطات المهمة في حياة الشاعر عرار حضوره مجلس الملك المؤسس الفكري، ثم تسلمه لمنصب رئيس التشريفات في الديوان الأميري في عهد الملك عبدالله الأول، وهي الفترة التي يمكن أن توضح القاعدة الثقافية التي تأسس عليها لبناء الوعي، حيث كان القصر الملكي العامر مركزا للإشعاع والتنوير، وأن الثقافة لا تنفصل عن السياسة وهي العنوان الأبرز لبناء الذاكرة والوجدان.
إن تلك المرحلة المبكرة هي التي شكلت مرجعيات الهوية الوطنية الأردنية التي تقوم على الحوار والنقد وتقبل الآخر والتسامح كقيم ثقافية أصيلة جعلت الأردن نموذجا في الاستمرار والاستقرار، والتي نريد المراكمة عليها بالابتكار والإبداع من خلال امتلاك لغة العصر والأمل بالمستقبل الذي تجسده رؤى جلالة الملك عبدالله بن الحسين في دعوته لتوطين المعرفة، ودعم مبادرات الشباب وإنجازاتهم التي تحظى باهتمام ولي العهد سمو الأمير حسين.
كما تسعى الوزارة إلى اعتبار بيت عرار نقطة سياحية ثقافية من خلال تطوير محتوى المكان بالقصة المتحفية التي تلقي الضوء على حياة الشاعر وإبداعه سمعيا وبصريا.