لغة أخرى

(ثقافات)

لغة أخرى

 

أنور بن حسين

ملت مع الحرف أقصى اليمين

وعن شمالي صروف تسحبني

تستعير من أنسجتي ما يشبهني

فأصير بين الضفائر لجة

تفك القواعد من أسرها

أنطف حرفا مهملا

يقيم بين الإيماء والإطلاق

أنتقل بين خلايا اللغة

أسهب في توليد المعنى

أزيل لبس الإشارات

أتشكل طيفا من فيزياء الأشكال المسقطة على جسد المجاز

أرسل روحي تلملم شظايا الأرداف

وأعيد بناء القصيد عودا على بدء

كأني أمَدٌ ينحسر بيني وبين ذاك البعيد

أهتز كرقصة أمازيغية على سفح جبل منثور

أنضوي نبرات حائرة

يربكني الفاعل بفعله

ينصب ذاكرته عارية أمام الشمس

يبحث عن المجهول في الأبنية القديمة

يكابد المعنى المؤول ألف مرة

ولا عتبة تدعونا إلى داخل البيت

***

صار متني كرقعة الشطرنج

يحبس الذكاء في مسافة الربح والخسارة

أصرف عني الممنوع من الصرف

الأسماء التي دخلت من لغة أخرى

الصفات التي لا نتصف بها

مَيدَ أني فلكي الخصال

لغتي تطوف حول نفسها كالأفلاك

ثوبها المجرات المضيئة

تتعدد الأصوات في جوفها

تَميدُ على صهوة الأنساق

على مخاض وصف عسير

تجتر ما يطفو للسطح

تصيب الأضداد في عقرها

وتمضي وحيدة بلا ضد ولا مرادف

القواميس تتوارى خلف السجال المكين

تنأى عن مدلولها مقدارا ضئيلا

تتسع المساحة الفاصلة بين الإيجاز والإطناب

تَفسَحُ ثَلمًا لتأويل ما يُمكنُ من الفوضى

***

أوجه أسئلتي إلى مرمى البصر

أتكلس كالحجارة التي لا تفكر في الانجراف

أسئلتي كالسنة الكبيسة

ألقاها واجمة بحرقتها في الحول الموالي

لا تحتمل أجوبة للمسلمات

لا أحد التقى بكلماتي قبل اليوم

لا أحد يقرؤها

هي تمضي حيث حتفها

حتى أنا أجهل وجهتها

أسائل الريح من يفتح أوردتي في فُوهَةِ القصيدة

من يطلق القذائف من أوردتي إلى السماء؟

من يعلمني كيف أطير؟

كيف أحوّلني رمادا لأذوب في الأرض دون أوجاع؟

كيف أحوّلني ملاكا يجوب المدى؟

***

يفلت الوقت من معصمي

يتأرجح على أصابعي المرتعشة

لحظة من العمر المارق إلى الرفوف

أحفر عن حفنة الحروف التي بذرتها يوما

على أرض مدينة بحجم الكون

الكلمات جذور تمتد شجرة من الأعماق

تعانق المفردات اليتيمة

تسكن تفاصيل الرصيف

تصغي إلى همسات المارة خلسة

تصوغ من نسغها هواء للصامتين

تحدث الشعراء عن جنون الليل

لمّا ينام الجياع بلا أقنعة

لما يتدثر البياض بالشجون

القصيدة تفر من عرينها القديم

تفصح عن أحلامها المعلقة هناك

ولا معلقةً تتماسك أمام النثر المتناثر

على بلاط اللغة

لا إيقاع يدنو من آخر القصيدة

كل الأوزان تفر إلى القاع

 وُعُودًا مؤجلة لا تنتهي

***

حدثني عنك أيها الكلام الغائب في دفاتري

أين سافرت بلغتي؟

من أين أفتح نافدة إليك؟

حتى أصعد من الدرك إلى أعلى الفُوهة

حتى أتنازل عن أشلائي للخرافة التي حبستني

وألتهم الوهم دفعة واحدة

لما أصرّ على آخر رمق

تلفظني الغيم من أعلاها

أنبت بيانا على سديم اليم

أزداد دفقًا على دفقٍ

فيضا على ضفاف اللفظ

أختفي بلا عَوْدٍ

أستوي نصا

وأتسق مع الحلم في قوافل الوقت

*من ديوان عتبات الذهول

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *