(ثقافات)
بقلم :الاعلامي عامر الصمادي
لعل جيلنا من الاعلاميين لم يتعرف على المذيع الابرز بمجال المسابقات الثقافية الدكتور عمر الخطيب ابو عزام الا في وقت متأخر وسبب ذلك يعود الى انه غادر الاردن للعمل بالخليج العربي منذ مدة طويلة ولم يعد الا في منتصف التسعينات لتقديم برنامجه الشهير(بنك المعلومات) لصالح راديو وتلفزيون العرب والذي صور جزءا كبيرا منه في العاصمة الاردنية عمان وامتاز باسلوبه الصارم بالتعامل مع المتسابقين والجدية في طرح الاسئلة حتى قيل انه لم يضحك الا مرات قليلة خلال تسجيلة لمئات الحلقات من هذا البرنامج الجماهيري.امتاز الخطيب بصوته الجهوري القوي وحماسه العالي للبحث عن المعلومة الصحيحة والإجابة الشافية التي تنفع المتلقي العربي، وتغذي العقل المتعطش للمعرفة والمنفعة، وضجره، وسخطه من المثقف حين لا يفهم تخصصه ولا يجيد الإجابة المطلوبة منه، وتشجيعه للشباب واندفاعه بانبهار حين يكتشف موهبة شاب أو شابة في أحد لقاءاته التلفزيونية المثيرة.
عرف عنه بأنه صاحب ثقافة موسوعية وحضور طاغي أمام الكاميرا، صاحب روح مرحة،دون ان يظهر ذلك على وجهه، لماح ذكي دمث الأخلاق ومتواضع، جمع بين التفوق في جانب الممارسة العملية و الخبرة الإدارية، متمكن من اللغتين العربية و الإنجليزية بطلاقة وجزالة، شخصية متفردة بحركات جسده وإيماءاته وتكوينه الصوتي،لا ينظر إلى ورقة الإجابة ينطقها بعفوية وكأن آلاف الإجابات سكنت عقله. اشتهر بجملته الشهيرة التي كان يعبر بها عن اعجابه باجابة احد المتسابقين وهي ( يا سلام عليك) والتي كان ينطقها بطريقة حماسية تجعلها اثمن من الجائزة التي قد يحصل عليها المتسابق.
.وقد اسعدني الحظ بانني بدأت عملي مع راديو وتلفزيون العرب بنفس الفترة التي بدا هو بتسجيل برنامج بنك المعلومات وزرته مرة اثناء التسجيل في قصر الثقافة بعمان ،لكنها كانت معرفة سطحية لم تتكرر وجها لوجه الا انني تعلمت منه الكثير فقد كنت من متابعي برنامجه بشكل دائم كما ان مخرج برنامجه كان هو نفس مخرج برنامجي فكان ينقل لي بعضا من طريقته بالعمل وتصرفاته وكيفية تحضير برنامجه،خاصة كيف كان يسهر الليالي لفهم كل سؤال واجابته ومعرفة كل طرق الحل الممكنة له ،اما العاب الذكاء فقد كان يتدرب عليها لعد مرات مسبقا حتى يتقنها تماما،لذلك كان المتسابقون يخشونه ولا يجرؤ احد منهم على مناقشته باجابته لانه سيكون متمكنا منها .
من المعلومات التي قد لا يعرفها الكثيرون ان الخطيب هو استاذ الاعلامي الراحل رافع شاهين ومعلمه الاول بتقديم برامج المسابقات حيث عمل معه رافع شاهين مساعدا للاعداد اثناء تقديمه لبرامج المسابقات في بدايات التلفزيون الاردني اواخر الستينات من القرن الماضي، اما المعلومة الاغرب فهي كيفية عمله بالاذاعة الاردنية نهاية الخمسينات ،فقد روى لي احد قدامى العاملين بالاذاعة ان القدر كان ابرز عامل في دخول الخطيب الى العمل الاعلامي وتتلخص القصة بان عمر الخطيب حضر الى دار الاذاعة بعد افتتاحها بوقت قصير لتقديم طلب للعمل بها وتمت دعوته لاجراء اختبارات التقدم للعمل وكانت اختبارات صارمة وقتها منها اختبارات اللغة العربية والانجليزية والثقافة العامة واختبارات الصوت والالقاء والتحرير وغيرها ،وبالفعل حضر الخطيب وقدمها جميعها الا ان القائمين على الاختبار كان لهم رأي سلبي في انه لا يصلح للعمل الاذاعي بسبب صوته الذي قالوا انه ليس اذاعيا -وهذا نفس السبب الذي طعن به البعض بالمذيع الكبير جمال ريان يوما ما – وهكذا اعتذر منه القائمون على الاختبار وطلبوا منه مغادرة الاذاعة لانه لا يصلح ،وعندما وصل الى باب الاذاعة استوقفه الشرطي-فقد كانت اجراءات الدخول والخروج الى مبنى الاذاعة (والتلفزيون فيما بعد) وما زالت اجراءات امنية مشددة – وطلب منه الانتظار لحين دخول شخصية هامة من الباب الرئيسي ثم سيسمح له بالخروج ،وعند دخول تلك الشخصية ترجل من سيارته واتجه نحو غرفة الحرس وسلم عليهم وبدأ بسؤال الموجودين عن احوالهم وكيفية سير العمل وما اذا كان هناك عقبات ما تواجههم الى ان وصل الى الشاب الجالس قرب الباب بانتظار السماح بالخروج من الاذاعة مكسور الخاطر حزينا ،سأله ذلك الشخص الذي بدأ انه مهم جدا ماذا يفعل هنا ،فاجابه انه ينتظر السماح له بالخروج بعد ان فشل باختبارات العمل بالاذاعة ،سأله بعض الاسئلة ثم طلب منه ان يدخل معه الى مبنى الاذاعة فدخل وهو مستغرب جدا مما يحصل وازدادت حيرته عندما اصطحبه ذلك الشخص الهام الى مكتب مدير الاذاعة حيث تراكض العاملون لفتح الباب والترحيب به ،فدخل وهنا كانت المفاجأة فقد هذا الشخص هو مدير الاذاعة بنفسة وصفي التل -رئيس الوزراء فيما بعد – طلب منه الجلوس وطلب له الشاي وبدأ يتجاذب اطراف الحديث معه، وحيرة الخطيب تزداد، الى ان كانت المفاجأة التي غيرت حياته للابد عندما سألة المرحوم وصفي التل هل تستطيع تقديم نشرة اخبار الساعة الثامنة الليلة ،وكان هذا ايذانا بقبولة للعمل بل ودون تدريب مسبق بقراءة نشرة رئيسية للاخبار ،وهكذا كان فقد كان للمرحوم وصفي التل نظرة لا تخيب بمن يصلحون للعمل ،ومن هنا انطلق عمر الخطيب ليصبح فيما بعد احد ابرز الاعلاميين بالعالم العربي، وربما لو ان الشرطي سمح له بالخروج سريعا قبل دخول وصفي التل الى الاذاعة لما كان عمر الخطيب هو ذلك الاعلامي الذي عرفناه.
ولد المرحوم الدكتور عمر الخطيب في بلدة عين كارم المقدسية عام الف وتسعمئة وثلاثين ونشأ بها وحصل على شهادة المترك الفلسطيني عام الف وتسعمئة وثمانية واربعين ثم بالسنة التالية حصل على ما يسمى مترك لندن وعمل بعدها معلما في بلدة اسمها الشعراء،ثم واصل دراسته بالجامعة الامريكية بالقاهرة وحصل على البكالوريوس في العلوم الاجتماعية عام الف وتسعمائة وستة وخمسين .وفي عام ثلاثة وستين حصل على الماجستير بالاذاعة والتلفزيون من جامعة سيراكوز الامريكية واتبعها بالدكتوراه بالاعلام من جامعة اوهايو عام اثنين وسبعين .
بدأ ت مسيرته العملية بالاذاعة الاردنية عام تسعة وخمسين وبعد فترة وجيزة اصبح رئيسا لقسم الانتاج وكبيرا للمذيعين حتى عام اثنين وستين ،رقي بعدها ليصبح مراقبا عاما للبرامج بالاذاعة الاردنية حتى عام اربعة وستين ،غادر بعدها الى المملكة العربية السعودية للعمل مستشارا لشؤون الاذاعة والتلفزيون وبقي هناك حتى عام سبعة وستين وهو العام الذي بدأ به تأسيس التلفزيون الاردني حيث تم استدعاءه للمساعدة بالتأسيس فعاد وعمل مع مؤسسه محمد كمال وفريقة كمدير عام مساعد الى ان تم افتتاح التلفزيون بداية عام ثمانية وستين وفي عام تسعة وستين غادر الى ابو ظبي ليصبح مديرا عاما للاذاعة والتلفزيون هناك .وفي عام اثنين وسبعين عين مديرا لمكتب الجامعة العربية للاعلام في جنوب غرب الولايات المتحدة (دالاس-تكساس).وعاد عام خمسة وسبعين ليعين مستشارا لوزارة الاعلام والثقافة بدولة الامارات العربيةالمتحدة حتى عام سبعة وسبعين .
مسيرته الاكاديمية:
بعد حصوله على الدكتوراه عمل الخطيب استاذا في عدد من الجامعات الاردنية والعربية وعلى فترات متقطعة ،كان يتخللها تعيينه ببعض المناصب ومن الجامعات التي عمل بها :
-
أستاذ إعلام بالجامعة الأردنية ( 1973- 1975) و( 1977- 1978).
-
أستاذ إعلام بجامعة الملك سعود ( 1978- 1985).
-
أستاذ إعلام زائر بجامعة ستانفورد – الولايات المتحدة ( 1985- 1986).
وقد حقق الدكتور عمر الخطيب نجاحاً بارزاً أثناء عمله أستاذاً زائراً بجامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأميركية لشرح قضيته الفلسطنية أمام طلابه الأميركيين. كان الراحل عمر الخطيب ينطلق في محاضراته ومن خلال المنابر الثقافية التي اعتلاها من وطنية صادقة فهو ابن القدس البار فقد عرف شوارعها وحاراتها العربية المقدسية في يفاعته وأثناء دراسته الابتدائية لذا كانت منطلقاته الثقافية تنبع عن تجربة وخبرة وعلم في التاريخ والجغرافيا لذا فنجاحه كان أكيداً وموثقاً
وهكذا نجد ان عمر الخطيب كان من القلائل من الاعلاميين الذين عملوا بالاعلام والتدريس الاكاديمي معا في الوقت الذي لم يكن هناك كلية للاعلام بالاردن فقد انشأت اول كلية للصحافة والاعلام بجامعة اليرموك عام الف وتسعمئة وثمانين ،وكان هناك تدريس لبعض المساقات الاعلامية بالجامعة الاردنية دون وجود تخصص .
مؤلفاته المنشورة:
يعتبرالدكتور عمر الخطيب اغزر الاعلاميين انتاجا فقد اصدر عددا كبيرا من الكتب المتخصصة بالاعلام باللغتين العربية والانجليزية التي كان يتقنها بشكل كبير وعمل مدرسا للاعلام باحدى الجامعات الامريكية ومن هذه الكتب التي استطعت احصائها :
-
الإعلام التنموي (كتاب).
-
الاتصال الجماهيري (كتاب مترجم).
-
تحليل اتجاهات تطور وسائل الإذاعة (الراديو والتلفزيون) في العالم الثالث خلال العقدين الماضيين (بالإنجليزية).
-
جمهور التلفزيون التجاري وديمقراطية الثقافة (بالإنجليزية).
-
تأثير التلفزيون الأميركي في الخارج: امبريالية الوسائل (بالإنجليزية).
-
رقابة البرنامج التلفزيوني في المجتمع الأميركي (بالإنجليزية).
-
التلفزيون والمسؤولية الثقافية في المجتمع العربي الحديث (بالإنجليزية).
-
أنماط عالمية في التنمية الإعلامية (بالإنجليزية).
-
فكرة التنمية ومشكلات تحديد مفهومها (بالإنجليزية).
-
الصحافة الغربية وأسطورة الموضوعية (بالعربية).
-
التعليم عبر نظم الائتمان عن بعد (بالعربية).
-
الاستشعار عن بعد: الأطراف والدلالات والقضايا (بالعربية).
-
التدفق الدولي للأخبار: النمط والاتجاه (بالعربية).
مسيرته الاعلامية :
خلال عمله قدم الخطيب عددا كبرا من البرامج باللغتين العربية والانجليزية تنوعت بين برامج المسابقات والبرامج الحوارية وكان ذو بصمة كبيرة في الأعلام #الأردني وعلامة بارزة في تاريخ الإعلام والثقافة العربية، وتاريخ حافل بالعطاء و التميز، قدم العديد من البرامج المحلية والعربية التي لاقت نجاح منقطع النظير وأثر بقلوب الملايين من المثقفين العرب من خلال برامجه الشيقة والذي أضاف لها سحرا خاصاً بأسلوبه البارع وشخصيته الكاريزمية، ويعد رائد وأفضل مقدم برامج #مسابقات في تاريخ الفضائيات والتلفزيونات العربية والتي كان أخرها البرنامج الشهير “#بنك_المعلومات “.
قدم الخطيب عدداً من البرامج التلفزيونية والإذاعية من أشهرها:
-
إعداد وتقديم برنامج المسابقات التلفزيوني “فكر واربح” الذي عرض في كل من الأردن والسعودية ومصر والإمارات وقطر.
-
إعداد وتقديم برنامج الندوة التلفزيونية (حوار).
-
إعداد وتقديم البرنامج الإذاعي (أنت وحظك).
-
إعداد وتقديم برنامج الندوة التلفزيونية FORUM (باللغة الإنجليزية).
-
إعداد وتقديم برنامج المسابقات التلفزيوني الشهير بنك المعلوماتعلى محطة تلفزيون شبكة راديو وتلفزيون العرب(ART) والذي قدم في أكثر من محطة تلفزيونية وفضائية عربية.والذي حظي باهتمام الجمهور العربي آنذاك وقد لقي نجاحاً كبيراً قدم من خلاله الكثير من المعلومات القيمة، وأثبت أن الشباب العربي واع ومثقف. ما تزال أصداء ذلك البرنامج الضخم تتردد الى يومنا هذا ، وما زالت محطة راديو وتلفزيون العرب تعيد بثه على بعض قنواتها الموجهه الى اميركا واوروبا .
كل الشكر على هذه الإفاضة والمعلومات القيمة التي لا تنبع إلا من غيور على ما يهم الشباب العربي وإنصاف للإعلامي الشهير عمر الخطيب .