شيفرة العصيان: قراءة في مجموعة (غيمة يتدلى منها حبلٌ سميك)

(ثقافات)

شيفرة العصيان قراءة في مجموعة (غيمة يتدلى منها حبلٌ سميك) للكاتبة د.أماني سليمان

*صفاء أبو خضرة

 

هل نستطيع أن نُفكر دون ألم؟

سنعرف الإجابة عن هذا السؤال عندما نَرى ذلك الحبل السميك الذي يتدلّى منهُ رأس بوجهٍ يفغر بابتسامةٍ مبهمة.

لا تستغرب أبداً. في مزيجٍ من الغرائبية والرمزية نسجت الدكتورة أماني سليمان- صاحبة المجموعة القصصية موضوع هذا المقال (غيمة يتدلى منها حبلٌ سميك)- قصصها بإسقاطات تُعرّي الوجوه والنفوس في آن، بينما يصدح الألم في كلّ قصة في تراتُبية عجيبة وسميكة تحتاجُ إلى برمجةٍ دماغيةٍ لفكّ شيفراتها وطلاسمها. تتمتع المجموعةُ في قِصَصِها الثلاثة عشر- والتي تحمل العناوين: (غيمة يتدلى منها حبل سميك، ناي القحط، سلالم البوح، أرغفة الخوف، ذراع تحف بها الغيوم، مقص الشجر، نافذة وحيدة عالية، شجرة الزينة الشوكية، عين الجرذ، عين الطائر، بيوفيليا، فطيرة سوداء وامرأة مبصرة، فتى اللوحة، تمائم خابية)- بمشاهد بصرية تتُيح للقارئ فسحة للوقوف أمام مسرح كامل أبطاله الرمزية والسوريالية والواقعية، ستكون مرتاباً وأنت تُشاهد وربما خائفاً ومتورطاً مع هؤلاء الأبطال ورطةً أبدية. ولا أنكرُ أبداً أنني لجأتُ إلى القراءة المُتأنية، بل والمتكررة والعودة إلى القصة مرةً أخرى بعد الانتهاء منها، وفي كل مرة ستكتشف مثلي أنّ ثمةَ غامِضاً هناك يستلقي بينَ السطور مُمدداً ويتمطى كأنهُ يدركُ تماماً أنهُ كان عصياً عليك أمر اللاعودة. ونجدُ لذةً خفيةً في ذلك الألم الذي أنتجتهُ الأفكار المُخضّبة بالخيال والتي اعتلت النّكران، نُكران الموت الذي تمثل في قصة (مقص شجر) وفقدان الأمل، وهذه حالة عامة لكنّ التعبير عنها بشكل أو بآخر لا يكون نتاجاً طبيعياً، أو حالة تمضي في غير مستقرّ لها، عندما تتجسد الأم عافية ابنها وهو ممددٌ أمامها يُصارع النهاية، وهنا ترى نفسها شجرةً وتطلب من ابنتها تقليمها، ربما أرادت الخلاص بذلك التقليم، ففي حالة هذا الابن، يتفتق أفقٌ ضيق لكن آخره مسدود ومعتم، وهنا نجد الإسقاط الجمعي عندما يصبح الظلم والفساد وفقدان العدالة الاجتماعية أسياد الحياة بواقعها ومجملها وهنا تصبح التبدلات والتحولات متشابكة ومختلفة في آن من شخص لآخر. في هذه المجموعة خلعت الدكتورة أماني كلّ الأقنعة، فلا زيف يتوارى خلف ظله، ولا شك يذوي في غيابات الشعور، ولا عصيان دون تبعات، كشفت كل المستور، وتكشفت الوجوه وخلعت الصدور أشرعة نفاقها وأصبحت مكشوفة، فالشر والخير، الألم واللذة، العصيان والطاعة، الإنكار والاستسلام، كلها في قوالب مبتكرة بعيدة عن المألوف والمكشوف والجاهزية والتسطيح، وكأنها بكلّ ذلك العبث والجنون والحدة أرادت أن تقول لنا: ثمة لغز في العتمة، فقط أمعن النظر. أيضا تمتّعت القصص بلُغة مكثفة مرصودة وملغزة ومتعددة، تغمسنا في حالة من التأهب المستمر والشيطنة والفوضى والتأويلات الكثيرة غير المتعارف عليها، إنها كالجريمة المُكتملة التي يُعرف فيها القاتل دون العثور على أدلة تُدينه. في الختام أقول: إنني حقاً وبصفةٍ شخصيةٍ وقعتُ في حُبّ هذه المجموعة ابتداءً من العنوان وحتى آخر جملة لم تسقط فيها سهواً.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *