(ثقافات)
رافع شاهين
أول من ظهر على شاشة التلفزيون الاردني
بقلم :عامر الصمادي/اعلامي ومترجم ومدرب دولي اردني
لعله لم يشتهر بتاريخ التلفزيون الاردني شخص مثلما اشتهر المرحوم رافع شاهين ،فقد وصل مرحلة اثناء بث برامجه تصل حد الشعور بفرض حظر التجول في الشوارع لحرص الناس على متابعة برامجه المتنوعة .وهو اول من ظهر على شاشة التلفزيون الاردني يوم افتتاحة بمعية نخبة من المؤسسين الاوائل بعضهم قرأ الاخبار او قدم برامج . عندما بدأت العمل بالتلفزيون الاردني عام الف وتسعمائة وتسعين كان المرحوم رافع شاهين قد ترك التلفزيون الاردني وعين مستشارا برئاسة الوزراء لكنه ترك فراغا كبيرا مكانه دون وجود البديل اذ لم يكن من سياسة التلفزيون الاردني وما زال ان يدرب بدائل او ما يسمى الصف الثاني لكل مهنة من المهن الاعلامية بحيث لا يحصل فراغ في حال مغادرة اي اعلامي لموقعه،وهذه سياسة تتبعها معظم المؤسسات الناجحة بالعالم سواء كانت اعلامية او غير اعلامية ،بعكس ما ارساه مؤسس التلفزيون الاردني المرحوم محمد كمال الذي كان يؤهل عدة اشخاص لنفس الموقع او المهنة وبالتالي تكون خياراته مفتوحة .
عندما بدأت التحضير لهذه السلسلة من المقالات عن الآباء المؤسسين للاعلام الاردني واجهتني مشكلة كبيرة وهي عدم توفر مراجع او معلومات منشورة عنهم فقد سبقوا عصر الانترنت ولم يهتم احد بالتوثيق لهم وكثير منهم لم يهتم هو نفسه بذلك فكانت المعلومات شحيحة جدا ،الامر الذي جعلني الجأ الى التواصل مع ابنائهم او احفادهم او معهم اذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة ،وكم كانت دهشني عندما تلقيت ردود الفعل ،فبعض الابناء او الاحفاد رفضوا التعاون تماما وبعضهم قدم معلومات لا تسمن ولا تغني من جوع ام الشخص نفسه اذا كان على قيد الحياة فمعظمهم كان غير مبالي وليس لديه حتى سيرة ذاتية او صور قديمة عن البدايات وقليلون هم الذين كانوا منظمين ولديهم سجل توثيقي لحياتهم ومسيرتهم ،وهذا ينطبق على المرحوم رافع شاهين فقد لجأت -بعد ان اعيتني الحيلة -الى احد ابناءه وهو استاذ جامعي لتزويدي بالمعلومات والصور اللازمة عنه لتكون رافدا اساسيا لي في كتابتي واستقبلني ورحب بالفكرة وشكرني على الاهتمام بسيرة بوالدة ووعدني ان يزودني بما طلبت بعد اسبوع ، وعند انقضاء اسبوعين راجعته فتعذر بضيق الوقت واجلني الى الاسبوعين القادمين ، وبقيت اراجعه لمدة ثلاثة اشهر ،الى ان فاجأني بالقول انه سيشارك بورقة اكاديمية عن والده باحد المؤتمرات التي تنظمها الجامعة التي يعمل بها ولن يعطيني اي معلومة او صورة يمكن ان انشرها فاسقط في يدي وعدت الى المربع الاول في البحث المضني عن المعلومة وهي قليلة ومحصورة بمقالين كتبا في مكانين مختلفين وبهما نفس المعلومات تقريبا فكان لزاما علي ان ابحث واستفسر من الزملاء السابقين الذين لا زالوا على قيد الحياة،وهنا برزت مشكلة اخرى ساتعرض لها في مقال قادم .
عندما طلب مني مدير البرامج في التلفزيون الاردني عام الف وتسعمائة وثلاثة وتسعين الاستاذ نضال الدلقموني ان اقوم بتقديم برنامج (دوري النجوم) وهو برنامج مسابقات ثقافية ويتضمن بعض الفقرات الجديدة وقتها مثل الكاميرا الخفية ،وكانت اول فقرة كاميرا خفية يقدمها التلفزيون الاردني ،وافقت شريطة ان اكون انا من يعد المادة الثقافية وجعلت محور الاسئلة جميعها هو الاردن واستفدت من تجربة الاستاذ رافع شاهين بهذا المجال .
ولد المرحوم رافع شاهين في بيسان عام الف وتسعمائة وثلاثة واربعين وكانت عائلته من العائلات التي هجرت عام ثمانية واربعين الى ان استقر بها المقام في الاردن وتحديدا في مدينة الزرقاء حيث نشأ وترعرع ودرس هناك ، ويقول الكاتب الاردني هزاع البراري عن ذلك في مقال كتبه عنه قبل ما يزيد على عشر سنين : ولد رافع وسط سهل بيسان الشهير بخصوبته واتصاله مع سهل نهر الأردن، وكانت فلسطين تشهد أحداثاً عسكرية وسياسية ناتجة عن انكشاف المؤامرة الغربية، الهادفة لإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين بعد تشريد شعبها بالقوة، وقد تفتحت عينه على هذا الواقع المؤسف، فبعد خسارة العرب لحرب ال 48 فيما سمي بالنكبة الفلسطينية، اضطرت عائلة رافع شاهين اللجوء إلى الأردن، ولا شك أن الطفل رافع شاهين احتفظ في ذاكرته النقية، بصور المأساة وويلات اللجوء في ظروف حرب شرسة، أطاحت بالحلم العربي بالوحدة والازدهار، وأضاعت جزءاً كبيراً من فلسطين، وقد وصلت العائلة إلى الأردن واستقرت بعد فترة في مدينة الزرقاء القريبة من العاصمة عمان.
عاش رافع شاهين طفولته وشبابه في مدينة الزرقاء التي أحبها وأقام فيها فترة طويلة، حيث درس في مدارسها، وقد تميز منذ المرحلة الابتدائية بنشاطاته اللامنهجية، فقد كان فاعلاً في الإذاعة المدرسية، وحاضراً في الاحتفالات والمناسبات الوطنية التي تقيمها مدارس وزارة التربية والتعليم، ولعل هذه المرحلة قد وضعت رافع شاهين على مسار الإعلام دون أن يخطط لذلك، غير أن موهبته الواضحة وقوة شخصيته وبشاشته المحببة، جعلت منه شخصية مرغوبة وذات حضور كبير منذ كان طالباً مجتهداً، لقد بنى شخصيته الإعلامية على المحبة وتقدير جهد وخبرة الآخرين، ومحاولته الإفادة منها قدر المستطاع، لذا ومع تفتح وعيه شاباً، أدرك أن الإعلام الوطني هو سبيله الوحيد، في الكشف عن قدراته الكبيرة، ونظرته الثاقبة اتجاه المستقبل فقد كان متفائلاً على الدوام، وتواقاً للعمل والإبداع مهما كبرت المصاعب وزادت المعيقات.
رافق رافع شاهين تأسيس التلفزيون الأردني الذي أطلق بثه عام 1969، ليكون مؤسسة وطنية على قدر كبير من الأهمية، خاصة أن الظروف السياسية والعسكرية كانت مضطربة على صعيد المنطقة العربية برمتها، وكان الأردن يتعرض لظلم إعلامي كبير، هدف إلى النيل من صموده والتقليل من دوره الكبير الذي فاق حجمه الاقتصادي والعسكري، لذا كان التلفزيون الأردني جبهة وطنية صلبة سعت لكشف الحقائق ورد المكائد، وقد أدرك رافع شاهين بذكائه وحسه الوطني، المسؤولية الملقاة على جيله من الإعلاميين الشباب، فهو بذلك منتج وطني حقيقي، وعمل على التتلمذ على عدد من كبار الإعلاميين العرب، من أمثال الإعلامي الشهير شريف العلمي، الذي كان يقدم برنامجه ذائع الصيت « سين وجيم « حيث عمل معه رافع شاهين في الإعداد للبرنامج، وهذا مكنه من الإمساك بأسرار برامج المسابقات الثقافية، مما ساعده على تحقيق حلمه الخاص.
خلال مسيرته الاعلامية الطويلة التي تجاوزت الثلاثين عاما في التلفزيون قدم شاهين العديد من البرامج منها برامج منوعات ولقاءات خاصة مع فنانين وشخصيات اجتماعية لكن نجمه بدأ يلمع عندما قدم برنامج عالم المصارعة الذي كان يعلق عليه بصوته وهو يقدم عرضا لحلبات المصارعة الانجليزية والعالمية فكان هذا البرنامج يحظي بشعبية كبيرة رغم انه برنامج مستورد،اضفى عليه شاهين الروح المحلية من خلال التعليق الصوتي اضافة الى طبيعة البرنامج التي تشد انتباه المشاهدين حتى يومنا هذا . ثم قدم برنامج الرياضة والشباب وكان هو شخصيا يمارس رياضة السكواش واستطاع ان يدخلها الى التلفزيون وان يكون لها فقرات ثابتة فتعرف عليها الجمهور الاردني واحبها واشتهرت بتلك الفترة . اما انطلاقته الحقيقة في عالم برامج المسابقات فكانت عندما قدم برنامج فكر واربح والذي قدمة لسنوات عديدة معظمها تحت نفس الاسم الا انه في بعض السنوات كان يغير تسمية البرنامج فتارة سماه جرب حظك وتارة اخرى سماه خمسة على خمسة مع بعض الاختلافات البسيطة بالفقرات او تطعيم كل موسم من مواسم البرنامج بلعبة جديدة تشكل تحديا للمتسابقين .ونظرا للجماهيرية الكبيرة التي حظيت بها برامجه فقد تسابقت كبرى الشركات والمؤسسات على رعاية تلك البرامج وتقديم الجوائز لها فاصبحت امنية كل مشاهد ان يشارك بتلك البرامج للفوز بالجوائز او الظهور الذي سيحقق لهم شهرة كبيرة،وقد برزت العديد من الشخصيات الاجتماعية والمهنية والتعليمية من خلال المشاركة ببرامجة واصبح اصحابها نجوما في المجتمع ،بل ان العاملين بالتلفزيون الاردني كانوا يتسابقون للعمل بتلك البرامج نظرا لان اسمائهم ستكتب على اشارته وبالتالي تحقيق المزيد من الشهره.
كما قدم ايضا واحدا من البرامج الشهيرة جدا وهو برنامج (مواهب) الذي طاف به مختلف المدن الاردنية لاستكشاف المواهب الدفينة سواء كانت فنية او علمية او رياضية واستطاع ان يكتشف من ذلك البرنامج عددا ممن اصبحوا فيما بعد يشار لهم بالبنان بمختلف المجالات . وقد اسعدني الحظ انني قدمت بعده اثنان من هذه البرامج وهما برنامج المسابقات ( دوري النجوم) وبرنامج (ستوديو الفن ) عام الف وتسعمائة واربعة وتسعين ونالا حظا واسعا من الشهرة وقتها .
ونظرا للشهرة التي حققها واسلوبه في تقديم تلك البرامج فقد سعت بعض التلفزيونات العربية الى استقطابه لتقديم مثل تلك البرامج لديها فقام بالإعداد والإشراف على عدد من برامج المسابقات الثقافية، التي قدمت بنجاح على شاشات تلفزيونات دول الخليج، وكانت هذه شهادة نجاح عربية لهذا الإعلامي الأردني الفذ، الذي لم يبخل على وطنه الأردن أو وطنه العربي الكبير بشيء، فقد كان مبادراً ومستجيباً، ساعياً لتحقيق التميز دون سواه في أي موقع عمل فيه، وهذا أحد أسرار نجاحه، والمحبة الكبيرة التي حظي بها،.
عين رافع شاهين مديراً للإذاعة الأردنية عام 1988، وفي عام 1989 عين مستشاراً في رئاسة الوزراء في عهد حكومة دولة الدكتور عبد السلام المجالي، عاد بعدها لبرامج المسابقات من خلال برنامج « جائزة المليون ليرة « الذي أعده وقدمه على شاشة التلفزيون السوري عام 2000، الذي يعد خطوة كبيرة توجت مسيرته الطويلة، حيث لقي البرنامج نجاحاً لافتاً خاصة لدى المشاهدين في سوريا ولبنان والأردن، فكان بحق أنموذج الإعلامي الأردني المتميز. واعتقد ان تقديمه لذلك البرنامج في التلفزيون السوري جاء ردا على تجميده بوظيفة مستشار لا يستشار برئاسة الوزراء فحاول ان يثبت للمسؤولين ان الاعلامي مهما كبر بالعمر يبقى قادرا على العطاء وان رأس مال الاعلامي هو شهرته التي يجب الاستفادة منها في جذب المشاهدين وليس تطبيق نظام الخدمة المدنية القاصر عن تفهم طبيعة عمل الاعلاميين عليهم . وقد كتب بعض النقاد عنه كظاهرة تلفزيونية لم يكتب لها الانتشار الكبير الذي يحظى به من عملوا بعده بهذا المجال بعد انتشار الفضائيات ، ومما كتبه الناقد السوري (محمد منصور) يتحسر به على تردي برامج المسابقات الثقافية الجماهيرية نقتطف لكم ما يلي : ”ان الحالة التنافسية التلفزيونية كانت مقتصرة فيما مضى على برامج المسابقات وكانت هذه البرامج تعتمد بشكل اساسي على اختيار ثقافة المتسابق وسعة اطلاعة وحدة ذكائه، وكانت تهدف في الحقيقة الى تكريس مقولة ان الثقافة (كالعقل زينة). وانها امتياز الانسان المجتهد، وهو امتياز لا علاقة له بالحسب والنسب ولا بالغنى والفقر.. بل بقدرة المرء على ان يغني زاده المعرفي الذي يكون سبيلاً للربح ايضاً.
وكما كان يؤكد المرحوم (رافع شاهين) المذيع الاردني الذي ظل لسنوات يرفع شعار (فكر واربح) عنواناً لبرامج مسابقاته، وكان اشهر من قدم برامج المسابقات وشحنها بطاقة حيوية اعتمدت على تمرسه في اذكاء روح التنافس وتحقيق قدر من التشويق المعرفي في تقديم المعلومة.
نسيتم ذكر برنامجه الشهير بعنوان ( انت مين) الذي قدمه نهاية السبعينيات