مديح أسود: قراءة في رواية “مديح لنساء العائلة”

مديح أسود: قراءة في رواية “مديح لنساء العائلة”

صفاء أبو خضرة

 

 

 في رواية “مديح لنساء العائلة” يسرد الكاتب محمود شقير سيرة عشيرة العبد اللات، وهم من بدو فلسطين. رصد من خلال هذه السيرة التغيرات التي حدثت في فلسطين في الفترة ما بين الخمسينيّات والثمانينيات من القرن الماضي حيث بدأت تحولات أبطال الرواية من قرية رأس النبع ابتداءً، قرب مدينة القدس، أظهر لنا من خلالها العادات والتقاليد وطريقة العيش.

كان للنساء الحظ الأكبر من الرواية؛ فكن الجدات و الزوجات والبنات والحفيدات؛ فوضحا والدة محمد “الأصغر”، وأصغر زوجات منّان، وهي الزوجة السادسة في الترتيب، والمفضلة على نسائه الثلاث (مثيلة؛ صفية؛ سميحة)، الراوي الرئيسيّ الذي يجمع العائلة في قص الحكاية يستند إلى عمله في محكمة شرعيّة بالقدس في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، يتعرّف إلى مدينته وأهلها المقدسيّين أكثر فأكثر، يتعرف إلى همومهم ومشاكلهم العائلية، ويقف على أسباب نشوء الخلافات الاجتماعية بين الناس، والجوانب التي تهدد بتفتيت الأسرة، وتؤدّي إلى وقوع كثير من حالات الانفصال بين الأزواج.

كما يعبّر عن غضبه لسوء حال المرأة والظلم الذي كان يقع عليها، ومن ذلك تزويج القاصرات، واستغلال الفقر والحاجة والتشرّد والنزوح لدى أخريات.

ومن حالات تعدّد الزواج المتفشّية في أسرته، ووقوعه نفسه في تلك التجربة، وكان نتيجة ذلك  بأن أصبح عاجزاً جرّاء الإصابة التي ألحقها به خطيب زوجته السابق الذي أخذ بثأره منه أثناء موجة التسلّح التي اجتاحت المخيّمات آنذاك.

يأخذ الكاتب قارئه إلى زمن الانتداب البريطاني مرورا بنكبة 1948 وحتى نكسة 67 وحرب أكتوبر واجتياح لبنان، وألقى الضوء على المخيمات التي أصبحت في غمرة الاجتياحات من أماكن لجوء مؤقت إلى محطات إقامة طويلة الأمد واستيلاء الأحزاب السياسية على دور العشائر.

كما ألقى الروائيّ الضوء على اختلاف العادات بين زمن وآخر، ومن مكان لآخر  ملفتا النظر إلى أزياء النساء والرجال مع تصوير واقع الاقتصاد وتطوراته وتطرق أيضاً للأساطير والخرافات والجن والحسد التي شغلت نساء العائلة.

وإلى الأمثال الشعبية واللهجة الفلسطينية العامية ما أضفى عليها طابع الحكاية شبيهة الحكايات التي ترويها الجدات بكل ما فيها من قرب مع الأرض ومع فكرة الوطن.

ومثال على التطورات السياسية والاجتماعية والتبدلات التي طرأت بعد عام 1948 من الرواية المقطع التالي: “بعد قليلٍ من التمنّع، رضيت رسمية بارتداء السروال الداخلي القصير، ورافقت زوجها عاشق سميرة توفيق إلى سهرات “نصّ الليل”. نساء عشيرة العبد اللات لم يسكتن طبعًا على هذا السلوك. مثلما لم يسكتن على نجمة التي خلعت الثوب الطويل وارتدت الفستان بعد مغادرتها رأس النبع وإقامتها في المدينة.

سناء أيضًا، الموظّفة في بنك، لقيت نصيبها من مرّ الكلام بعد أن نزلت مياه البحر ولوّحت الشمس بياض ساقيها.

وإذا ما التفتنا إلى العنوان سنفهم من الوهلة الأولى أن ثمة مديحا لنساء هذه الرواية لكننا نكتشف أنه عنوان أقرب إلى السخرية السوداء من خلال إضاءات على معاناتهن بشتى أشكالها.

أعتقد أن محمود شقير وفق في توثيق الأحوال الفلسطينية في فترة الخمسينيات حتى فترة ممتدة إلى ما بعد ذلك من خلال تلك العائلة البدوية، وما آلت إليه من تحولات، رغم أني وددت لو أن صورة الغلاف احتوت الزي الفلسطيني خاصة في خضم محاولات الاحتلال الاسرائيلي سرقة تراثنا عبر تلك السنوات وما هو آت.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *